بات معظم اللبنانيين على مشارف كارثة صحية، بسبب عجزهم عن دفع كلفة الاستشفاء والطبابة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي في بلادهم. وهذا الواقع سببه عجز الجهات الحكومية الضامنة عن تأمين كلفة الاستشفاء التي أصبحت باهظة، لاسيما في المستشفيات الخاصة، وسط تخوف من أن تصبح الرعاية الصحية في البلاد متاحة للأغنياء فقط.
وأكبر تلك الجهات الحكومية الضامنة هي “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، الذي يغطي وحده كلفة الاستشفاء لنحو 35 في المئة من الشعب اللبناني البالغ نحو 4.2 مليون نسمة. كما تغطي وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة وطبابة الجيش وقوى الأمن كلها مجتمعة حوالي 45 في المئة من اللبنانيين، إلا أنها تعاني أيضا من الأزمة نفسها، فيما 15 في المئة من المواطنين لديهم تأمين صحي لدى شركات خاصة.
ودفع انهيار سعر الصرف والأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان إلى توجّه الناس إلى شركات التأمين وصناديق التعاضد، لتأمين تكاليف التغطية الطبية، بعد انخفاض فاتورتها إلى 800 دولار. وقالت شركة “كومن” للتأمين، في بيان صحفي الأحد، إنّ “هذه الأزمة أدّت إلى ارتفاع نسبة النمو في القطاع وازدياد الطلب على التأمين في لبنان، إلّا أنّ قيمة التأمين انخفضت، فمثلا قيمة عقد التأمين التي كانت تبلغ 1000 دولار قبل 3 سنوات انخفضت إلى حوالي 800 دولار الآن”.
وأشارت إلى أنها تسعى إلى تحقيق النمو المستدام والمتسارع مع الحفاظ على التوازن والتناغم بين منتجاتها التأمينية وتواجدها في أسواق جديدة، لافتة إلى نجاحها في اقتحام أسواق التأمين في مصر وقبرص والسودان خلال السنوات الماضية فيما تخطط للتواجد في الأردن والعراق.
واعتبر روجيه زكار، مدير عام الشركة، أنّ “التحدّيات التي يواجهها القطاع كبيرة جدا في لبنان، وباتت فاتورة الاستشفاء في القطاع الطبي مدفوعة بنسبة 70 في المئة من شركات التأمين”، مؤكدا أن شركته لم تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يواجهه الشعب اللبناني من أزمة اقتصادية خانقة، بل أطلقت خدمات جديدة تناسب جميع الفئات الاجتماعية.
ولفت إلى أن التغطيات تمتد إلى تقديم سلسلة خدمات طبية مجانية عن بعد، وإمكانية التقسيط الشهري المريح، وخدمة عملاء على مدار الساعة وجميع أيام الأسبوع، موضحا أن عجز الدولة اللبنانية بسبب الأزمة الحالية جعل المواطن يواجه عقبات تهدد حياته وتتسبب في مس كرامته الإنسانية وحقه في الطبابة.
وتزداد معاناة المرضى بعد تدهور القطاع الصحي والاستشفائي بسبب انهيار قيمة العملة أمام الدولار، حيث باتوا عاجزين عن الحصول على الطبابة أو الدخول إلى المستشفيات نتيجة ارتفاع تكاليف العلاج والذي أصبح محصورا بميسوري الحال فقط. ويتحمّل صندوق الضمان 90 في المئة من كلفة الفاتورة الصحية، ولا يترتب على المواطن سوى دفع 10 في المئة من المبلغ، وكانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن هبطت العملة المحلية إلى مستويات متدنية مقابل الدولار.
وتراجعت الليرة مقابل الدولار على إثر أزمة اقتصادية حادة تضرب البلاد وفقدت قيمتها بنسبة 90 في المئة. وهكذا أصبح فارق الـ10 في المئة الذي يدفعه المواطن باهظا، حيث إن المستشفيات تُسعّر كلفة الاستشفاء وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية، بينما تعرفة الضمان الاجتماعي ما زالت وفق سعر الصرف الرسمي.
وهذا الفارق وإن كان فقط 10 في المئة، أصبح يصل أحيانا إلى عشرات الملايين من الليرات، بينما الحد الأدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة (37.5 دولارا وفي سعر السوق الموازية)، ما يجعل تأمين تلك المبالغ حلما لكثيرين. ويقول رئيس لجنة الصحة في مجلس النواب النائب عاصم عراجي إن “وضع القطاع الصحي بانهيار كامل، وأصبح لميسوري الحال أما الجزء الأكبر من المواطنين فهم غير قادرين على دفع التكاليف”.
وأشار إلى أن “كل الجهات الضامنة غير قادرة على تسديد فواتير المرضى الذين يدخلون إلى المستشفيات، مثل الضمان الاجتماعي والمؤسسات العسكرية وتعاونية موظفي الدولة ووزارة الصحة، كل المؤسسات غير قادرة على دفع تكاليف المرضى، لذلك الجزء الأكبر من الفواتير يسددها المريض الذي أصبح الضحية بالنهاية”.
وأوضح عراجي أن “الدولة غير قادرة على رفع موازنات وزارة الصحة وبقية المؤسسات الضامنة، لذلك تتقاضى المستشفيات فروقات خيالية”، لافتا إلى أن “هناك انكفاء كبيرا في دخول المرضى إلى المستشفيات بسبب التكاليف العلية، إلا إذا كان الأمر طارئا فيضطر المريض إلى بيع شيء يملكه أو أن يستقرض أموالا من أحد حتى يستطيع أن يقوم بعملية والدخول إلى المستشفى من أجل أمر طارئ”.
كما اعتبر أنه “من المفروض أن تقوم الدولة برفع تعريفات المؤسسات الضامنة للمستشفيات وللأطباء، لأن الليرة ارتفعت تقريباً 15 مرة مقابل الدولار، وزارة الصحة رفعت ضعفين ونصف بمساندة من البنك الدولي والضمان غير قادر على رفع الفواتير، الجيش اللبناني يعطي 4 مرات، ولكن إذا أردنا الوصول إلى زيادة الـ15 مرة عما قبل فإن الحكومة ليست لديها القدرة المادية على رفع التعريفات ونحن في ورطة كبيرة”.
ويقول نقيب الأطباء في لبنان شرف أبوشرف إن “المرضى ليست لديهم الإمكانيات المادية لشراء الأدوية، إن وجدت، وليست لديهم إمكانية الدخول إلى المستشفى إذا احتاجوا، وفي الحالتين الوضع الصحي لهم سيتراجع مع الأسف، ولا يأتي المريض إلى الطبيب أو إلى المستشفى إلا إذا كانت حالته متدهورة ويصبح علاجه أصعب وأغلى، والنتيجة ليست على الأكيد مضمونة”، مضيفا “عدا عن ذلك إذا لم يجد الأطباء الدواء أو العلاج أو المعدات الطبية لمعالجة المريض، فإن الوضع يكون صعبا عليه وعلى المريض وبنفس الوقت الأطباء بحاجة إلى تأمين اجتماعي وأمني وقانوني”.
وأضاف أن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي ضرب كل القطاعات ولكن القطاع الصحي أولوية لأنه إذا انضرب بهذا الشكل فإنه مع الأسف وضعنا سيكون مأزوما جدا”، معتبرا أن “نصف اللبنانيين الذين كانوا يتمتعون بضمان صحي لم يعودا كذلك الآن لأنهم أفلسوا، ويضطر المريض إلى دفع الفروقات المالية بنفسه، ومن لديه تأمين صحي خاص مجبور على الدفع بالدولار نقدا، ولا توجد سيولة، وإذا كانت لديه أموال في المصرف فلن يستطيع الحصول عليها، كما لم تعد لديها قيمة لأن قيمة الليرة هبطت، وإذا كانت لديه دولارات فأيضا لا يستطيع الوصول إليها”.