وتأتي موجة اللجوء هذه في ظل استياء لبناني من منافسة اليد العاملة السورية، إضافةً إلى حملة كراهية ممنهجة ضد اللاجئين السوريين وخطاب رسمي يتحدث عن الصعوبات التي يعانيها اللبنانيون في الإدارات الرسمية والهيئات المحلية والضغط على البنية التحتية اللبنانية، وتحميل السوريين مسؤولية الأزمة المعيشية الحاصلة في لبنان.
لذلك فإن هاجس “التوطين” و”التغيير الديموغرافي” عزّزتهما موجة اللجوء الجديدة، خصوصاً في ظل المطالبات الرسمية المستمرة لإعادة السوريين وعدم التجاوب الدولي، إذ لا توجد إشارات إيجابية من الدول الغربية توحي بحل قريب لأزمة اللجوء.
مخاوف لبنانية
موجة اللجوء الجديدة التي شبّهت بالموجة الأولى التي شهدها لبنان مع انطلاق الثورة السورية، عام 2011، وصفها مطّلعون بأنها “خطيرة”، لا سيما مع تردّي الأوضاع في لبنان على مختلف الأصعدة وسط عجز رسمي لبناني عن إدارة سليمة لملف اللجوء، إذ تختلف الأوضاع اليوم عما كانت عليه منذ 12 عاماً، مع لجوء قرابة مليون ونصف المليون سوري إلى لبنان.
وتقول مصادر مطلعة على الملف السوري في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه “يجدر التوقف عند الأرقام التي يعلن عنها بشأن إحباط محاولات التسلل والعبور غير الشرعي من سوريا إلى لبنان، ويكفي الإشارة إلى أن الجيش اللبناني أعلن في بيانين خلال أقل من أسبوعين، أنه “في المرة الأولى في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلّل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدة من الجيش بتواريخ مختلفة محاولة تسلل نحو 700 سوري عند الحدود اللبنانية السورية”، وفي المرة الثانية أعلن الجيش اللبناي أنه “أحبط خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلل نحو 850 سوريًّا عند الحدود اللبنانية– السورية”.
وبالتالي ليس رقما عادياً أن يُعلن عن إفشال محاولات تسلل لـ1500 سوري إلى الأراضي اللبنانية، وهذا يشير إلى أنّ “لبنان أمام موجة لجوء جديدة شبيهة بالموجات الأولى مع بدايات الثورة السورية”.
الكاتب الصحفي يوسف دياب قال في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه “من المؤكد أن ما يشهده لبنان من موجة جديدة للجوء ليست بحجم الجولة الأولى، لكن المشكلة تكمن أنه بدلاً من أن يسعى لبنان اليوم إلى إعادة اللاجئين الموجودين على أراضيه إلى بلادهم، فهو يشهد موجات إضافية”.
ورأى أن السبب وراء لجوء العديد من العائلات السورية إلى لبنان، هو الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا بالدرجة الأولى، إضافة إلى عودة الاحتجاجات في الداخل السوري التي تعزّز المخاوف لدى كثير من العائلات والشباب من إعادة تجنيد الشبان مع الجيش النظام السوري، لذا “ما يحدث هو عمل وقائي للخروج من سوريا قبل الاستدعاء للتجنيد والاحتياط والزج بهم على جبهات جديدة في الداخل السوري”.
وأشار دياب إلى أن “هذه العوامل الأساسية التي تعزّز عملية اللجوء الجديدة إلى لبنان والتي من شأنها زيادة الأعباء على الوضع الاقتصادي في لبنان”، مردفاً: “ما يعزز المخاوف اليوم أن عمليات التهجير الجديدة تحدث بتسهيل وتنسيق مع ضباط في المخابرات السورية الذين يتقاضون أموالاً من السوريين الراغبين بالهجرة لكي يؤمنون لهم الحدود للوصول إلى الداخل اللبناني”.
وأضاف أنّ “هذه الحالات تستفيد اليوم من تردي الواقع الأمني والسياسي في لبنان وتحلل الدولة بشكل كبير، فاليوم في ظل الأزمة الاقتصادية ثمة تراجع في الرقابة الأمنية على الحدود، فضلاً عن تقليص عدد القوات الأمنية والعسكرية الموجودة على الحدود ما يؤثر سلبا على عملية المراقبة ويؤدي إلى تفلت الحدود”.
شبكات تهريب منظمة
مصادر متابعة للملف السوري أكّدت في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ “الهجرة غير الشرعية تنشطت منذ أسبوعين تقريباً على الحدود اللبنانية – السورية، تديرها شبكات منظّمة تحاول الأجهزة الأمنية القبض عليها.
وتتركّز هذه الهجرة عند الحدود الشرقية في شبعا وصولاً إلى المعابر التي لا تستطيع الأجهزة تغطيتها بسبب قلّة الإمكانات وسوء الحالة الاقتصادية والنقص في العناصر، لذا تبقي بعض الممرات مفتوحة، وبحسب المعلومات فإن هذه الشبكات يوجد عناصر لها داخل لبنان وليس فقط في سوريا، ولا يقتصر عملها على السلسلة الشرقية، بل يشمل الحدود الشمالية في وادي خالد.
“تحرك حكومي وآلية ردع”
وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، أشار بعد لقائه وزير المهجرين عصام شرف الدين، إلى أنّ “وحدات الجيش تمكنت في الأسابيع الأخيرة من منع مئات السوريين من دخول لبنان عبر المعابر غير الشرعية”.
واستند رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى معطيات الجيش والأمن العام وعقد اجتماعاً ضم وزير المهجرين عصام شرف الدين، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى، وخصّص الاجتماع للبحث في موضوع اللجوء السوري الجديد إلى لبنان.
وبحسب وزير المهجرين فإن الحديث عن آلية ردع هذا الأمر سيكون بطريقة مدروسة من مراقبة الحدود والتنسيق مع الهيئات المسؤولة في سوريا، والتعميم على مراكز الجيش والمخابرات والأمن العام، ليصار إلى التنسيق مع القائمقامين والبلديات لتحمّل مسؤولية أي شخص يستضيف أحداً من اللاجئين غير الشرعيين، كما تحدّث عن فرض عقوبات.
في السياق، رأى عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ “ما نشهده اليوم هو ضريبة الحدود المتفلّتة، فللأسف لم تستطع الدولة اللبنانية إنجاز أي خطوة بملف اللجوء السوري، بدءا من خطة مركزية من قبل الحكومة وثانياً عدم ضبط الحدود، وبالتالي النتيجة أي خضة في سوريا تنعكس على لبنان الذي يدفع ثمنها”.
وتابع: “موضوع اللجوء السوري لا يمكن حله في ظل تسيّب الحدود”، متحدثاً عن معبر غير شرعي أصحابه معروفون سلفاً، وهي مافيا سورية – لبنانية تتقاضى الأموال لقاء التهريب وهي مغطاة أمنيا”.
وشدّد على أن “هذا الملف بحاجة لحسم سياسي وليس فقط إداريا وأمنيا، فعلى لبنان أن يحسم أمره عبر تغطية حدوده”، مردفاً: “لبنان دفع ثمن سياسة الدعم سابقا بعد عمليات تهريب الفيول والمحروقات وغيرها للنظام السوري”.
أسباب اللجوء
تأتي اليوم الموجة الجديدة تحت عنوان تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع رفع الدعم وانهيار الليرة السورية من جهة، ومن جهة ثانية التظاهرات التي تخرج من جديد في سوريا مطالبة بإسقاط النظام التي انطلقت شرارتها من السويداء واحتمال تطور الأوضاع في الأيام المقبلة إلى ما يشبه مجريات العام 2011.
ناهيك عن ذلك فإن قسماً من اللاجئين السوريين يدخلون إلى لبنان بهدف الهروب لاحقاً نحو أوروبا عبر البحر، لا سيما وأن هذا النوع من الهجرة قد نشط مؤخراً، وأكثرية المهاجرين من السوريين.
وبحسب المعلومات فإنّ شهري أيلول وتشرين الأول سيشهدان مزيداً من الرحلات لأن الظروف المناخية تكون هي الأنسب للإبحار، إذ يستغل المهرّبون هدوء البحر والأمواج لتأمين انطلاقة آمنة لمراكبهم.
وهناك شبكات تدير عمليات تهريب البشر عبر الحدود ومن ثم تسفيرها إلى الخارج عبر مراكب غير شرعية مقابل مبالغ تصل في كثير من الأحيان إلى 10 آلاف دولار على الشخص الواحد، وهذه الشبكات التي تنشط على طول الحدود وخصوصا في منطقة الشمال، هي محل ملاحقة مستمرة من قبل الاجهزة الأمنية.
يشار إلى أنّ السلطات اللبنانية نظّمت عبر جهاز الأمن العام، في وقتٍ سابق، حملات عودة لللاجئين بعنوان “العودة الطوعية” للسوريين إلى بلدهم، غير أنّ منظمات حقوق الإنسان تعتبر هذه العودة قسرية.