عشية عيد الميلاد عام 2004، كانت عقارب الساعة الخامسة مساء تتحرك نحو “هدية” تاريخية للمحقق اللبناني الأمريكي جورج بيرو.
جورج بيرو، أمريكي من أصول لبنانية، كان هو المحقق الرئيسي في فريق استجواب صدام حسين بعد اعتقال الرئيس العراقي الراحل عام 2004.
في ذلك العام، قرر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن جورج بيرو، في منتصف الثلاثينيات من عمره والذي يتحدث العربية، هو الشخص المناسب لاستجواب صدام.
فأخلاقيات العمل لبيرو كانت مثيرة للإعجاب، حيث كان يصل إلى مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي، وسط مدينة واشنطن العاصمة، الساعة 6 صباحا للتمرين، حتى يتمكن من بدء العمل في الساعة 7 صباحا بمكتبه الذي كان مليئا بكتب تاريخ عن الشرق الأوسط.
ومع اقتراب الذكرى العشرين لغزو العراق تحدث بيرو لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، حول ما يعتبره البعض أنجح استجواب في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي وتوابع الغزو.
يقول بيرو: “تلقيت مكالمة عشية عيد الميلاد، حوالي الساعة الخامسة مساء، من مسؤول تنفيذي كبير في قسم مكافحة الإرهاب، وأبلغني أنه تم اختياري للتو لاستجواب صدام حسين نيابة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي”.
فماذا كان الرد؟ يجيب جورج “هلع في البداية، سأكون صادقا، كان من المرعب معرفة أنني الآن سأستجوب شخصا كان على المسرح العالمي لسنوات عديدة”.
مضيفا “يبدو أن هذه مسؤولية كبيرة، ذهبت واشتريت كتابين عن صدام حسين حتى أتمكن من تحسين فهمي لمن هو وكل الأشياء التي ستكون مهمة في تطوير استراتيجية الاستجواب”.
زادٌ معرفي مكّن جورج من زيارة العراق مرة واحدة، ليبدأ في تطوير فهمه للثقافة العراقية وحزب البعث (الذي كان حاكما وقتها).
شيئان في 30 ثانية
ساعات طويلة على مدار أشهر كان يقضيها جورج مع صدام حسين في غرفة الاستجواب، يبدو أنها اختصرت المسافات بين المحقق والمتهم، حيث بدا الأخير يمازح الأول كما يروي صاحب التفاصيل.
يقول بيرو: “في أول لقاء لي مع صدام حسين عرف عني شيئين في غضون 30 ثانية، لقد أخبرته أن اسمي جورج بيرو وأنني كنت مسؤولا، فقال على الفور: أنت لبناني، فأخبرته أن والداي لبنانيان، ثم قال: أنت مسيحي، فسألته: هل هذه مشكلة فأجاب أحب اللبنانيين، فقلت له: حسنا.. رائع، سوف نتعايش بشكل رائع”.
لحية أسامة بن لادن
واكتشف المحقق المتقاعد من صدام أنه “لا توجد أسلحة دمار شامل”، وأن الرجل كان يحتقر فقط أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، ولا يحبه، وأنه “لا يؤمن بأيدولوجية التنظيم الإرهابي لأنه يهدف إلى إقامة دولة إسلامية في جميع أنحاء العالم العربي”.
فعندما سئل صدام حسين عن بن لادن، أخبر المحقق اللبناني الأمريكي “لا يمكنك الوثوق بأي شخص له لحية مثل هذه”.
لكن أثناء محاولته معرفة ما إذا كان صدام يمتلك أسلحة دمار شامل، قال بيرو إنه اكتشف أنه لا يملك سوى ازدراء الجماعة الإرهابية، في إشارة للقاعدة وقتها.
من هو عدو صدام الحقيقي؟
غير أن عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي المتقاعد أدرك، بعد عقدين من الزمن، أن صدام كذب بشأن امتلاك أسلحة دمار شامل، وأن الموضوع لا يعدو عن كونه “خدعة، لأنه أراد فقط تخويف جارة العراق وعدوتها إيران”.
“إذ لم يكن أكبر أعدائه الولايات المتحدة أو إسرائيل كان أكبر عدو له هو إيران، وأخبرني أنه يحاول باستمرار تحقيق التوازن أو التنافس مع طهران”. يقول جورج في المقابلة التي طالعتها “العين الإخبارية” في “سي إن إن”.
كان أكبر مخاوف صدام أنه إذا اكتشفت إيران مدى ضعف وهشاشة العراق، فلن يمنعها شيء من غزو جنوب العراق والاستيلاء عليه. لذا كان هدفه إبقاء إيران في مأزق.
ولفت جورج إلى أنه تمكن من استخدام جلسات الاستجواب التي استمرت لساعات لحمل صدام على الاعتراف بأنه كان سيعيد بناء برنامج أسلحة الدمار الشامل إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على البلاد.
وفي هذا الصدد، قال لشبكة “سي إن إن”، سألت صدام: إذا تم رفع العقوبات، ماذا كنت ستفعل؟”.
فأجابه صدام “كنا سنفعل ما نحتاج إلى القيام به، أو ما يتعين علينا القيام به لحمايتنا”، وهي طريقته للقول إنه “كان سيعيد تشكيل برنامجه الخاص بأسلحة الدمار الشامل بالكامل “هكذا استنتج جورج”.
لم يكن هذا فحسب، بل تنبأ صدام بأن الأحداث التي أعقبت إقالته من السلطة ستكون طويلة ووحشية، وأن إعادة تأسيس الحكم في البلاد ستكون أكثر تعقيدا مما كان يفترضه الغرب.
بعد استجواب صدام حسين، صعد بيرو إلى مناصب رفيعة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتقاعد في يوليو/تموز الماضي، كعميل خاص مسؤول عن مكتب ميامي الميداني.
والآن، يقوم بيرو بكتابة كتاب عن جلساته مع الرئيس العراقي الراحل بعد تقاعده من مكتب التحقيقات الفيدرالي.