الحديث عن عملية برية إسرائيلية ليس جديداً في لبنان، فالأشهر السابقة ومع اشتداد المعارك بين إسرائيل و”حزب الله” شهدت أكثر من تصريح إسرائيلي عن أن تل أبيب تفكر جدياً بالدخول إلى جنوب لبنان لتأمين منطقة عازلة على حدودها الشمالية، وهي تحضر ميدانياً لهذه الخطوة.
لكن تطورات الأسبوعين الأخيرين، من استهداف آلاف أجهزة “البيجر” وضرب أجهزة الاتصال اللاسلكي للحزب، مروراً باستهداف شخصيات قيادية كبيرة من الخط الأول ومنها إبراهيم عقيل ثم محمد سرور وصولاً إلى اغتيال “استثنائي” لم يتوقعه أحد نفذ في الضاحية الجنوبية لبيروت وقتل خلاله أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، كلها تطورات وضعها البعض في خانة الأحداث التي تسبق الدخول البري الإسرائيلي للبنان.
الاستعدادات لدخول بري
في هذا السياق دعا رئيس الأركان الإسرائيلي الأربعاء الماضي، جنوده إلى الاستعداد لـ”دخول محتمل” إلى لبنان، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استدعى لواءين احتياطيين من أجل “مهمات عملياتية” في الشمال.
أما آخر التطورات في هذا السياق ما نقلته قناة “إي بي سي” نيوز الأميركية عن مسؤول أميركي بأن إسرائيل تستعد لهجوم برّي محدود في لبنان.
كذلك نقلت شبكة “سي إن إن” عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “علينا الاستعداد لحرب أوسع وخيار العملية البرية مطروح على الطاولة”، فيما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن الجيش الإسرائيلي، أن الجيش قرر فرض حصار عسكري على لبنان يمنع فيه هبوط طائرات شحن من سوريا وإيران أو حتى إصلاح المعابر التي قصفت.
وفي الساعات الماضية انتشرت صور لجنود إسرائيليين وهم يقومون بأعمال صيانة عشرات الدبابات المنتشرة في الجليل الأعلى شمال إسرائيل على مقربة من الحدود مع لبنان.
ومع جدية الحديث عن توغل بري إسرائيلي جنوب لبنان، تطرح تساؤلات عدة ومنها، إلى أي حدود قد يصل هذا التوغل؟ هل سيكون محدوداً أو واسعاً؟ أي ثمن قد يدفعه الجيش الإسرائيلي مقابل هذا التوغل وبخاصة أن التضاريس الجغرافية اللبنانية ليست لمصلحته؟ والأهم ما يطرحه البعض، هل يتكرر سيناريو اجتياح عام 1982 عندما وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى العاصمة بيروت؟.
الاجتياح البري ورقة ضغط
يضع المتخصص العسكري خالد عز الدين التطورات الأخيرة في إطار التصعيد وجولة جديدة من الحرب الجوية التي يشنها سلاح الجو الإسرائيلي باتجاه المناطق اللبنانية وهدفه رفع وتيرة التصعيد في المنطقة، ويقول إن إسرائيل تمارس عدداً من الممارسات الحربية التي تستهدف قطع منافذ الإمداد وضرب المواقع الإستراتيجية ومنصات الاغتيالات وفصل المناطق بعضها عن بعض، هو يحاول ممارسة الحرب النفسية على الناس من إجل إخافتهم وإبعادهم ويستغل الفراغ على مستوى الدولة اللبنانية والانقسامات العمودية في الداخل لتحقيق أهدافه.
ويضيف أن هدف رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو هو ربط أية عودة للبنانيي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وهنا نتحدث عن مئات آلاف اللبنانيين، بعودة المستوطنين إلى مناطق الشمال. ومن خلال الضربات الأخيرة أكدت إسرائيل أنها تريد منع نقل السلاح والذخائر من البقاع والضاحية للجنوب فيما يقوم الجيش الإسرائيلي بفرض حزام ناري لفصل المناطق عن بعضها مستغلاً ضربة أجهزة “البيجر” وأجهزة الاتصال اللاسلكي للحزب.
يقول عز الدين “نتنياهو قال إن كل شيء متاح للجيش الإسرائيلي متحدياً الجميع بدبلوماسية براغماتية هو يوافق يعترض ثم لا ينفذ ما يتفق عليه”، ويضيف أن نتنياهو جهز أربع فرق على الحدود مع لبنان من القوة النظامية وفرقتين من الاحتياط وفرقاً منتشرة على الحدود مع لبنان ضمن هدف واضح وهو الضغط النفسي والحرب النفسية، مشدداً على أن واشنطن والغرب يحاولون منع الحرب البرية، فيما تل أبيب لم تتلق نتنياهو أي ضمانات لدخول لبنان عكس غزة، حيث تلقى ضوءاً أخضر لدخول القطاع قبل عام.
ويعتبر المتخصص العسكري أن التلويح بالحرب البرية هو تهديد وورقة لا يريدها نتنياهو لأنها غير مضمونة ولا توجد رعاية أميركية لها.
وفي الإطار يضع عز الدين التحركات العسكرية التي تحصل على الحدود ويعتبرها ورقة للضغط النفسي والشعبي والدبلوماسي، فيما عملية توسيع الحرب ممنوعة بالنسبة إلى الدول الكبرى.
أما إن قررت إسرائيل فعلاً الدخول بعملية برية في جنوب لبنان، فهذا يحتاج إلى ثلاث مراحل أساسية وهي أولاً إخلاء هذه المناطق تماماً، وثانياً عملية التدمير الممنهج لهذه المناطق التي يستطيع الجيش من خلالها تدمير كل المراكز والبيوت، وثالثاً منع صليات صواريخ الغراد والكورنيت والسهم 17 مما يعوق ضرب الدبابات وتقدم الإسرائيلي، وهذا التوغل إن حصل سيكون بين ثلاثة إلى 10 كيلومترات.
ما قبل الانتخابات الأميركية
لا يختلف المحللون على أن ما يحكى عن تدخل بري جنوب لبنان لا يزال في هذه المرحلة ضمن الهويل والضغط باعتبار أن الأرض غير مهيأة بعد للدبابات الإسرائيلية، فيما السيناريوهات كثيرة والأمور مفتوحة على مصراعيها، وما يحكم هذه السيناريوهات هو الأميركي وفي الأثناء يستفيد نتنياهو من فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية لفرض ما يريده بالقوة.
يقول المتخصص العسكري العميد جوني خلف إن التطورات العسكرية الأخيرة تحصل وسط وضع متغير تماماً وقد انتقلنا إلى مرحلة معقدة جداً وبخاصة بعد مقتل نصرالله وغالبية قيادات “حزب الله”.
ويتابع أن التطورات الأخيرة كبيرة جداً بالنسبة إلى الحزب ولوضعه العسكري، فيما الإسرائيلي اليوم يتجنب الدخول البري وبخاصة بعد الاستهداف الكبير بانتظار أن تتضح تبعاته، وتل أبيب اليوم وصلت إلى هدف كبير قد يغنيها عن الدخول البري جنوب لبنان.
يعتبر خلف أن تساؤلات عدة تطرح اليوم حول من سيقود الحزب في المرحلة المقبلة ومن سيقود العمليات الميدانية في الحرب الحالية، لذلك يعتبر خلف أن إسرائيل لن تقدم على حرب برية وبخاصة أن لا أحد يعلم إلى أين ستتجه الأمور، والأمور مبهمة. ويقول المتخصص العسكري “الموقف الإيراني غير ثابت أو واضح والأميركي لا يريد أية حرب برية وكذلك الدول الأوروبية والعربية لا يريدون هذا التوغل البري، وإسرائيل لا تريد أن تكون بمفردها بهذه الخطوة، فالحرب البرية لها تداعيات سلبية جداً، وقد ينتج منها تعاطف أكبر مع الحزب ولبنان الرسمي لأنها قد تعتبر اعتداء على دولة وشعب في المحافل الدولية”
ويحدد خلف هدف تل أبيب الأكبر مما يحصل بأنه خلق حزام أمني لعودة أهالي مستوطنات الشمال.
اجتياح 1982
ما يحصل اليوم في لبنان ليس حدثاً استثنائياً، فعلى رغم مرور أكثر من أربعة عقود على عام 1982، فإنهم يتذكرون جيداً اجتياح إسرائيل للجنوب وصولاً إلى بيروت خلال هذا العام.
قالت تل أبيب في يونيو (حزيران) 1982، وقبل أن تدخل، إن هدفها إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن حدودها الشمالية، فدخل آلاف الجنود، ترافقهم مئات الدبابات والمدرعات، عبروا الحدود نحو مدن الجنوب وصولا ً إلى العاصمة.
يوصف الاجتياح بأنه كان سريعاً وكبيراً وتزامن مع قصف جوي وبحري ومدفعي مكثف، وتمكنت القوات الإسرائيلية بعد أسبوع من حصار بيروت.
جغرافياً تركز التوغل حينها على ثلاثة محاور رئيسة، انطلقت من منطقة إصبع الجليل باتجاه وادي البقاع شرق لبنان والمناطق الجبلية المركزية، وأيضاً على طول الطريق الساحلي من الجنوب وصولاً إلى بيروت. كما حصل خلال الاجتياح تنفيذ إنزال بحري لجنود مشاة ومدرعات شمال مدينة صيدا.