بـ «حزامٍ ناري» عابِرٍ للحدود اللبنانية – الإسرائيلية، حوصرتْ «مهمة الفرصة الأخيرة» التي يقودها وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن لتجنيب المنطقة الانزلاقَ إلى صِدام مروّع يكون صاعقُه الجبهة المشتعلة منذ 8 أكتوبر بين «حزب الله» واسرائيل، التي أعلنت عن خطة «جز العشب» في الشمال.
ورغم الرهان الأميركي على أن الوعودَ الاسرائيلية لواشنطن بخفْض القتال في غزة والانتقال الى مرحلة العمليات الخاصة، باستهدافاتٍ مركّزة واغتيالاتٍ، من شأنها أن تُحْدِث تأثيراً موازياً على جبهة الجنوب اللبناني بحيث تتراجع وتيرة التصعيد الخطير المدجَّج بسيناريوهات الانفجار الكبير، إلا أن أوساطاً مطلعة عبّرت عن خشية من أن يكون الوقت بدأ يتأخّر على إمكان إبقاء هذه الجبهة تحت السيطرة هي التي شهدت أمس تطورين كاسرين لخطوط حمر جديدة:
– ردّ «حزب الله» على اغتيال القيادي في قوة «الرضوان» وسام طويل أول من أمس وقبْله القيادي في «حماس» صالح العاروي (اغتيل في الضاحية الجنوبية لبيروت ونفّذ الحزب رداً اولياً على استهدافه بعملية ضد قاعدة ميرون للمراقبة الجوية) باستهداف مقر قيادة المنطقة الشمالية التابع للجيش الاسرائيلي في مدينة صفد (قاعدة دادو) بعدد من المسيَّرات الهجومية الانقضاضية.
– إمعان اسرائيل في إيلام الحزب باغتيال 3 من عناصره بغارة على سيّارة كانت تقلّهم في منطقة الغندورية (صور) في أول توغُّل لعمق نحو 40 كيلومتراً عن الحدود، قبل أن تستهدف بمسيِّرة ايضاً سيارة في بلدة خربة سلم (حيث اغتيل طويل) وذلك قرب موكب تشييعه الحاشد ما أدى وفق تقارير أولية إلى سقوط قيادي في «حزب الله» ذكرت مصادر «العربية» أنه «مسؤول وحدة التدخل السرية في الحزب»، لتشير معلومات أخرى لاحقاً إلى أنه مهندس لا صفة تنظيمية له.
ومن هنا توقفت الأوساط عند مسألتين:
• الأولى المهلة الزمنية الفاصلة عن بدء تنفيذ تل ابيب المرحلة الثالثة من حرب غزة وهل ستلتزم بوعودها لواشنطن التي تسعى لإيجاد معادلةٍ ذهبية تَجْمع بين «الأمن لاسرائيل والدولة للشعب الفلسطيني» بالتوازي مع ترتيبٍ سياسي على جبهة الجنوب يستند إلى إنجاز تفاهم برَي يكمل الترسيم البحري بين لبنان وتل ابيب، بما يجعل القرار 1701 بحُكْم المنفَّذ من جانب اسرائيل وينزع الذرائع أقله من أمام استمرار حزب الله بوجوده العسكري الثقيل جنوب الليطاني.
• والثاني أن يكون بات لجبهة جنوب لبنان ديناميتها الخاصة المفصولة عن غزة، وذلك انطلاقاً من رغبة اسرائيل في «إشغالِ» حزب الله بما يشبه «المعارك بين الحروب» ارتكازاً على إدراكٍ برغبة عميقة لدى طهران وتالياً الحزب في عدم الانجرار الى «فوهة البركان» الغزاوي، فإذا خرج عن طوره تحت وطأة الضربات المتلاحقة تكون جاهزة لحربٍ هي مستعدة لها تحت عنوان إبعاده عن جنوب الليطاني وفق منطوق القرار 1701، وإذا اختار الاستمرارَ بتجرّعِ الاستهدافاتِ سيكون، بحسب اعتقاد تل ابيب، أمام إما خسائر متلاحقة بالنقاط وإما التخفيف من الأضرار بتلقُّف سلّم الـ 1701 والابتعاد «لمسافة آمنة» عن مستوطناتها الشمالية وذلك بمعزل عن مآلات الشكل الجديد لحرب غزة في الأشهر المقبلة.
«اليوم التالي»
ووفق هذه الأوساط فإن هاتين النقطتين تعززان المخاوف من الفترة التي ستسبق وتمهّد لـ «اليوم التالي» لبنانياً إذا كان قريباً، رغم المرونة التي أبداها «حزب الله» ومن خلْفه إيران بطبيعة الحال وبدت رسالةً ايجابية برسم واشنطن، حيال حوار أو تفاوض على قاعدة «التحرير الكامل» لِما بقيَ من أراض لبنانية محتلّة وبتّ النقاط الخلافية على الخط الأزرق ووقف الخروق الجوية والبحرية، وهي النقاط التي يفترض أن يحمل الوسيطُ الأميركي آموس هوكشتاين في اليومين المقبلين تصوراً كاملاً حيالها حين يزور بيروت بعد معلومات عن أنه التقى نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب في روما في الساعات الماضية. علماً أن تقارير في وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» تحدثت عن أن مهمة عرّاب الترسيم البحري في ما خص الاتفاق البري لا تشتمل على مزارع شبعا المحتلة، وهو ما يعني إذا صحّ توفير ذريعة للحزب لنفض اليد من أي موجبات تقع عليه لتنفيذ الشق المتعلق به من الـ 1701.
وفيما كانت بيروت تستعدّ لاستقبال وزير الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك التي كانت في جولة في المنطقة شملت أيضاً اسرائيل، أجرى وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا محادثاتِ مع كبار المسؤولين اللبنانيين حيث أكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي أمامه «إننا طلاب استقرار دائم وندعو إلى حل سلمي دائم، ولكن في المقابل تصلنا تحذيرات عبر موفدين دوليين من حرب على لبنان»، مكرراً «استعداد لبنان للدخول في مفاوضات لتحقيق عملية استقرار طويلة الامد في جنوب لبنان وعند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، والالتزام بالقرارات الدولية وباتفاق الهدنة والقرار1701».
«إم إل آر إس»… وكاريش
وفي موازاة الزخم الديبلوماسي في اتجاه بيروت، كان الميدان يسجّل واحداً من أكثر الأيام التهاباً، وسط رصْد الوقائع الآتية:
– التقارير عن نشْر إسرائيل منظوماتِ راجمات الصواريخ «إم إل آر إس» على الحدود مع لبنان، كما نقلتْ «سكاي نيوز عربية»، مشيرة إلى ان المنظومة قادرة على إطلاق رشقات صواريخ ضخمة ودقيقة، ويمكن أن تصل إلى عشرات الكيلومترات وفق نوع الصواريخ المستخدَمة، ومعتبرة أن الخطوة «أحدث تصعيد بين إسرائيل وحزب الله».
– التقارير عن أن الحزب حاول استهداف منصات الغاز في حقل كاريش بمسيَّرات، وسط اعتقادٍ بأنه إذا صح هذا الأمر فإنه بمثابة رسالة تذكيرية بأن «المنصات تحت مرمى نيراننا».
• إعلان «حزب الله» استهداف مقر قيادة المنطقة الشمالية التابع للجيش الاسرائيلي في مدينة صفد (قاعدة دادو) بعدد من المسيّرات الهجومية الانقضاضية، واضعاً العملية في إطار «الرد على جريمة اغتيال القائد الكبير الشهيد الشيخ صالح العاروري وإخوانه المجاهدين الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت وجريمة اغتيال القائد الشهيد الأخ المجاهد وسام الطويل (الحاج جواد)».
ونشرت الدائرة الاعلامية في الحزب معلومات عن قاعدة «دادو» وبينها انها «مقر قيادة المنطقة الشمالية في سلاح البر الاسرائيلي والمسؤولة عن قيادة الفرقتين المعنيتين بالعمليات على الجبهة اللبنانية حالياً: الفرقة 91 مقابل المحور الشرقي، والفرقة 146 مقابل المحور الغربي للحدود الجنوبية اللبنانية. والتي تحوي عدداً كبيراً من منظومات القيادة والسيطرة المعنية بتنسيق العمليات على امتداد الجبهة مع لبنان»، كاشفة أن القاعدة «تقع على عمق 12 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، كما يقع حي بنا بيتر في مدينة صفد بجانب القاعدة والذي يسكنه العاملون في قيادة المنطقة الشمالية».
– إعلان «حزب الله» ايضاً عن استهداف ثكنة يفتاح«الصهيونية»عند الحدود مع لبنان بالصواريخ ومهاجمة موقع«البغدادي»مقابل بلدة ميس الجبل.
– استهداف اسرائيل صباح أمس سيارة في بلدة الغندوريّة بصاروخ موجه حيث قُتل فيها 3 عناصر لحزب الله، بحسب«رويترز».
وأشارت تقارير إلى ان السيارة التي استُهدفت كانت تبعد عن مدرستين رسمية وخاصة نحو 300 متر ما تسبّب بحالة من الهلع عند الطلاب والأهالي وسط نشر فيديوات أظهرت هروب التلامذة بعد أكثر من غارة طاولت المكان، حيث عُلم أنه أثناء محاولة المسعفين الوصول إلى السيارة – الهدف أطلقت إحدى المسيرات صاروخاً لقطع الطريق عليهم، ما أدى الى إصابة مسعف بجروح طفيفة.
– وفي موازاة غارات إسرائيلية وقصف عنيف على عدد كبير من بلدات الجنوب، كان الأخطر غارة بصاروخين أُطلقا من مسيّرة استهدفت سيارة متوقفة بجانب الطريق في بلدة خربة سلم على مسافة قصيرة من موكب تشييع وسام الطويل، ما أدى إلى سقوط متعاون مع «حزب الله» وجرح 3 أشخاص آخَرين.