على وقع اشتداد «لعبة ليّ الأذرع» في المنطقةِ بين طهران وخصومها على تخوم «حرب غزة» والتي بات مسرحُها يمتدّ من جبهة جنوب لبنان، مروراً بسورية والعراق، وصولاً إلى إيران وباكستان، وبينها اليمن والبحر الأحمر، ارتفع «حَبْسُ الأنفاس» في ظلّ عدم قدرةِ أي جهةٍ على تَلَمُّسِ، ولو طرف خيْطٍ، في كيفية خروج الجميع، قوى دولية وإقليمية، من «الشِباك» وإعادة هدوءٍ إلى الشرق الأوسط يُخشى ألّا يكون حصوله ممكناً إلا على أنقاض انفجارٍ أوسع يتيح فتْح مَسارب لحلٍّ متعدد الساحة.
وعلى وهْج الضربات المحمّلة بالرسائل المتفجّرة التي وجّهتْها طهران، عبر الأراضي العراقية والسورية والباكستانية، واعتُبرت «بدلاً عن ضائع» اسمه تَفادي الاحتكاك المباشر مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة ومحاولةً لإرساء تَوازُن ردْعٍ مع وضْع حلفائها وأذرعها في محور الممانعة في «سلّة واحدة» من استهدافاتٍ «بالمفرّق»، وذلك على قاعدة بدء استهداف مَن تعتبرهم إيران أذرعاً لخصومها في ساحاتٍ عدة، لم يكن ممكناً قراءة أفق الوضع في جنوب لبنان من خارج هذا «البازل» البالغ التعقيد والذي تتداخل قِطعه في شكل يصعّب استشرافَ «رسم تشبيهي» لمَخرج طوارئ يجنّب المنطقة الصِدام الكبير.
وفي حين خطفتْ الضرباتُ الإيرانية «المتعددة الساحة» الأنظارَ عن مجريات حرب غزة و«أخواتها» ولا سيما على جبهة الجنوب التي شهدت غارات وقصفاً إسرائيلياً على بلدات عدة وعمليات من «حزب الله»، فإنّ علاماتِ استفهام كبرى تُطرح ليس فقط حول مجرياتِ الميدانِ المشتعلِ في القطاع الذي «يُحرق حياً» ومدى تأثير ما أعلنت واشنطن انه «تَحَوُّل إسرائيل الآن إلى مرحلة أقلّ شدة في جنوب وشمال غزة»، بل إزاء الأبعاد العميقة التي عبّر عنها أمران:
– اصطدامُ الولايات المتحدة بحقيقة مُرّة بدأ خصوم إدارة الرئيس جو بايدن، الأميركيين، يرشقونه بها لجهة عدم نجاحه في احتواء إيران ووقوعه في «فخ» إزالته الحوثيين باكراً عن قائمة الإرهاب، وهو ما تداركه البيت الأبيض بمعاودة إدراج هؤلاء على القائمة نفسها، أمس.
– وَخَبُّط تل أبيب المستمرّ في مواجهةِ «فشلها الشامل» في التعامل مع القضية الفلسطينية والذي انفجر بوجهها في 7 أكتوبر، ومضيّها في سلوكٍ أقرب إلى «التنين الهائج» في التعاطي مع «خطرٍ أخطبوطي» تراكَمت عناصره على مرّ الأعوام وارتسم بالنار حولها منذ «طوفان الأقصى».
«جبهة ديبلوماسية»
وانشدّت بيروت أمس إلى «جبهة ديبلوماسية» ازدحمت بمواقف ولقاءات، عزّزت المَخاوف من آتٍ أعظم ما لم يحدث اختراقٌ سريع مازالت تلفّه «أسلاك شائكة» عدة، وأبرزها:
– إعلان وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن «أن هناك مخاطر كبيرة وواقعية لامتداد الحرب إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط».
– تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنّ أيّ «مواجهة شاملة» بين لبنان وإسرائيل ستكون «كارثية تماماً».
– تشديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الأهمية التي يوليها للبنان، مذكّراً بالجهود التي بذلتْها باريس بهدف تجنّب اتساع رقعة الحرب فيه. وقال: «بالنسبة إلى قرارت مجلس الأمن المتعلقة بحدود لبنان، عبّرنا عن حذرنا الشديد منذ البداية بهدف تجنُّب توسيع رقعة الحرب في المنطقة وتفادي أن يلتحق حزب الله بالحرب ويقوم بتهديد أمن أسرائيل وأن يمتدّ النزاع في لبنان».
وأضاف ماكرون: «فرنسا متمسكة بسلام لبنان واستقراره وقمنا منذ البداية بتمرير ونقل رسائل مباشرة وغير مباشرة لجميع القوى السياسية اللبنانية، وجميع القوى العسكرية، وعملْنا كل ما يمكن لتجنّب التصعيد، وقدّمنا مقترحات عدّة في الأسابيع الماضية، إلى جانب الولايات المتحدة، للإسرائيليين من أجل التقدّم حول هذه المسألة، ونعتقد أنه لا بدّ من احترام القرارات، خصوصاً أن تتوقف الضربات التي شُنّت خلال الأسابيع الماضية وكذلك ان يتم وضع حدّ للتوغل، وان يتمّ احترام القرار 1701 من الجانبين (…) ورسالتنا لمختلف الجهات ضرورة تجنّب أيّ تصعيد لأنّه ليس في مصلحة أحد».
– ما كشفه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن أنّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أكّد له أنّ «هجمات الحزب على إسرائيل ستتوقف إذا أوقفت حرب غزة»، مضيفاً أنّ «الحلّ هو وقف الحرب والتهجير القسري، وفتْح الممرات الإنسانية».
لقاءات منتدى دافوس
– تأكيد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في لقاءاته الديبلوماسية الدولية والعربية خلال مشاركته في أعمال «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس «أولوية العمل على وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية الى القطاع تمهيداً للعودة إلى البحث في حل سلمي من خلال الاعتراف بالحق الفلسطيني بالعيش في وطن آمن»، داعياً «الدول الفاعلة إلى الضغط على إسرائيل لوقف تعدياتها على جنوب لبنان وانتهاكاتها المستمرة للسيادة اللبنانية».
وجدد ميقاتي «تأكيد التزام لبنان بمندرجات الـ 1701 وسائر القرارات الدولية»، مطالباً «بالضغط على إسرائيل لتطبيق القرار كاملاً والعودة الى الالتزام بكل القرارات الدولية منذ اتفاقية الهدنة الموقّعة عام 1949».
وكانت لقاءات ميقاتي شملت الأمين العام للأمم المتحدة، وزير الخارجية الأميركي، وزير الخارجية الإيراني، رئيس وزراء الأردن بشر الخصاونة، رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، رئيس وزراء تونس أحمد الحشاني، رئيس وزراء باكستان أنوار الحق كاكر، رئيس وزراء هولندا مارك روته، ووزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس.
وفي موازاة ذلك، بقيت مواقف أدلى بها ميقاتي لعدد من وسائل الإعلام العربية محور اهتمام وبينها قوله لقناة «الحدث» إن لبنان يدعو الى «تهدئة واستقرار طويل المدى على الحدود مع إسرائيل (…) وبدأنا التحضير لاستقرار طويل المدى في الجنوب»، وتشديده على أنّ «لبنان يجب أن يكون بعيداً عن أيّ صراع»، وتأكيده أن «قرار السلم في يد الدولة اللبنانية والحرب خسارة للجميع»، قبل أن يضيف: «إنّ قرار الحرب جاء من(حزب الله)وهو يردّ على الاستفزازات الإسرائيلية»، مع إشارته إلى «أن لبنان لا يستطيع أن يتحمل تبعات الحرب الآن».
وعلى وقع هذه التطورات، لم يهدأ الميدان جنوباً وسط توقّفٍ عند ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية عن «أن حزب الله يفرض بالنيران حزاماً أمنياً يمتد عدة كيلومترات من الحدود والحكومة تردّ بخطابٍ فارغ».
ومساءً أعلنت «كتائب القسام – لبنان» انها «قصفت ثكنة ليمان العسكرية في الجليل الغربي شمال فلسطين المحتلة برشقةٍ صاروخيةٍ من 20 صاروخاً إنطلاقاً من جنوب لبنان، في سياق الرد على المجازر الصهيونية بحق المدنيين في قطاع غزة واغتيال القادة نائب رئيس المكتب السياسي في الحركة صالح العاروري وإخوانه بالضاحية الجنوبية في لبنان».