دفعت وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود السورية – اللبنانية بعد مواجهات شهدتها منطقة القصير في ريف حمص الغربي الخميس مع عناصر من حزب الله ومسلحين يحرسون تجارة المخدرات، في مشهد يظهر انقلاب توازنات القوى بين السوريين وحزب الله الذي كان إلى وقت قريب يسيطر على المنطقة ويؤمّن عمليات تهريب السلاح والمخدرات.
ويدفع سعي حزب الله للحفاظ على شبكات التهريب الخاصة به على الحدود مع سوريا إلى ضرورة التعجيل بتشكيل الحكومة اللبنانية لضبط الحدود ووقف شبكات التهريب، وخاصة منع حزب الله من أن يستمر في أنشطته التي تتحدى الدولة وتواصل تهريب الأسلحة من إيران مرورا بالعراق وسوريا، مستفيدا من المسالك والأنفاق التي جهزها للغرض بعد تدخله في سوريا بأوامر إيرانية لدعم نظام بشار الأسد.
ويراهن حزب الله في إحياء هذه الشبكات على ضعف الإدارة الجديدة في سوريا وتحريك المخاوف الطائفية والعرقية، وخاصة على تهديدات صادرة عن مسؤولين إيرانيين بأن طهران لن تقبل بخسارة نفوذها في سوريا، وهي تراهن على الوقت لتحريك الشبكات التي بنتها وجهزتها.
ويستفيد الحزب كذلك من تعثر المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة، وهو يلقي، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائه، العراقيل لإبطاء مهمة نواف سلام في تشكيل الحكومة والبدء بالسيطرة على الوضع.
ويقول مراقبون إن حزب الله إذا استمر في رفض الاكتفاء بنشاطه السياسي، فسيجد نفسه في مواجهة تعقيدات داخلية وخارجية، من بينها حزم حكومي مدعوم من قوى إقليمية ودولية تتمسك بالحد من نفوذه وسيطرته على لبنان. وفي حال فضل الهروب إلى الأمام فسيفقد أي شرعية متبقية له ويصبح مجرد ميليشيا تحاول السيطرة على قطاع مناطقي وتهرّب السلاح أو المخدرات أو البضائع.
ويمكن أن يزداد الأمر سوءا إذا تعامل معه الجيش اللبناني كقوة خارجة عن القانون بات عليها تسليم سلاحها، وهو في وضع لا يسمح له بالحصول على دعم من إيران في شكل تهريب أموال أو أسلحة بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة حكومة معادية للنفوذ الإيراني.
وستكون القصير خصوصا نقطة ضعف الحزب. وفي حال قرر أن يحرك قواته ناحيتها فستتعرض هذه القوات للاستهداف الإسرائيلي.
وفي نوفمبر الماضي استهدفت غارات إسرائيلية جسور الحوز ومطربة والجوبانية وجوسيه في منطقة القصير ضمن خطة إسرائيلية لضرب المسارب التي يعتمدها الحزب في تهريب السلاح.
وتريد قوى لبنانية مختلفة أن تستفيد من نتائج الحرب ومن الاهتمام الإقليمي والدولي لمساعدة لبنان في الضغط على حزب الله ومنعه من احتكار القرار السياسي، مثلما جرى بعد حربي 2000 و2006، وأن تنهي قبضة “المقاومة” على الجيش وقوات الأمن باحتكار أمن الحدود.
وكان سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، أكبر حزب مسيحي في لبنان، قال موجها خطابه إلى حزب الله بعد سقوط نظام الأسد “انتهت اللعبة (…) وبالتالي، كل يوم تتأخرون فيه فإنكم تضيعونه على أنفسكم في الدرجة الأولى وعلى جميع اللبنانيين في الدرجة الثانية.”
وقالت وزارة الدفاع السورية في بيان عبر وسائل إعلام رسمية سورية إنها “بسطت سيطرتها على بلدة حاويك في ريف القصير غرب مدينة حمص بعد اشتباكات مع ميليشيا حزب الله اللبناني ومجموعات مسلحة تمتهن تجارة المخدرات.”
واختطفت مجموعة من آل زعيتر وآل جعفر التابعة لحـزب الله عنصرين من وزارة الدفاع في بلدة حاويك قرب مدينة القصير ونشرت صور فيديو لهما وهما يتعرضان للضرب، وتم نقلهما إلى منطقة الهرمل داخل الأراضي اللبنانية ما دفع قوات إدارة العمليات إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة والاشتباك مع عناصر من آل زعيتر وجعفر وعناصر من النظام السابق واعتقال 15 عنصرا منهم.
وقالت مصادر لوكالة الأنباء الألمانية إن “القوات تواصل تقدمها لفرض السيطرة وتحرير المختطفين وسط قصف صاروخي وجوي بمسيرات شاهين وتدمير عشرات المنازل التي حولتها تلك المجموعات إلى مقرات عسكرية.” وأضافت المصادر أن “الجيش السوري أمهل الخاطفين مهلة 6 ساعات لتسليم العنصرين اللذين تم اختطافهما.”
وقالت مصادر في محافظة حمص إن “مسلحين من حزب الله اللبناني يقومون بعمليات التهريب وعندما تصدى لهم أبناء القرى الحدودية قاموا بقصف تلك القرى بالقذائف الصاروخية ما دفع الجيش السوري إلى التدخل.”
وتشهد مناطق القصير في ريف حمص الغربي نشاطا واسعا لعناصر حزب الله الذين سيطروا على تلك المناطق خلال السنوات الماضية.
ويؤكد معارضو حزب الله داخل لبنان وخارجه أن حربه ضد إسرائيل وسقوط نظام الأسد ساهما في إضعاف التنظيم الموالي أيضا لإيران إلى حد بعيد.
وتقع القصير في ريف حمص الغربي، بمنطقة ملاصقة للحدود اللبنانية، وتُعتبر امتدادا للبقاع اللبناني، الخاضع لسيطرة حزب الله، وقد سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية في عام 2012، قبل أن تتمكن القوات الحكومية، بدعم كبير من حزب الله، من استعادتها في عام 2013.
وتسبب القتال في تهـجير سكان المدينة، ثم تحويلها إلى ثكـنة عسكـرية لعناصر حزب الله، الذين كانوا يصفون المعركة التي دارت هناك بـ”أم المعارك” باعتبار أنهم هم الذين قادوها.