ورغم أن هذه الضربات التي تنفذها عادة “الطائرات الإسرائيلية” من خارج الحدود، كما تشير الرواية الرسمية في دمشق، سبق أن شهدتها البلاد على مدى السنوات الماضية، يُطلق المسار المتتالي لها منذ بدء الحرب في قطاع غزة، والتصعيد الحاصل هناك تساؤلات بشأن الأبعاد والأسباب.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، الأربعاء، إن طائراته المقاتلة استهدفت بنية تحتية و”قاذفات مورتر” تابعة لجيش النظام السوري، ردا على إطلاق صاروخين من سوريا نحو إسرائيل، وهو ما أكدته وزارة دفاع الأخير، مشيرة إلى أن الضربة أسفرت عن 8 قتلى عسكريين و7 إصابات.
وعاد المشهد ذاته ليتكرر ظهر الأربعاء، بعدما أعلن النظام السوري عن قصف طال مطار حلب الدولي، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة، بعد تضرر مهابطه.
ولم تعلّق إسرائيل على هذه الحادثة، متبعة سياسة عدم التعليق، التي سارت عليها دائما في السنوات الماضية.
وذكر “المرصد السوري” أن ضربة إسرائيل في جنوب سوريا استهدفت “كتيبة الرادار بمحيط بلدة قرفا في ريف محافظة درعا”، واللواء 12 بمنطقة إزرع في الريف الشمالي، وطالت مستودعات صواريخ وأسلحة ورادار للدفاعات الجوية، مما أدى لتدميرها.
وأشار إلى مقتل 11 من العسكريين السوريين، بينهم 4 ضباط، بينما أصيب ما لا يقل عن 10 آخرين بجروح، إثر القصف الإسرائيلي، بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، وفيما يتعلق بضربة مطار حلب أوضح أنها الرابعة في أقل من أسبوعين.
وبعد ساعات من الضربة التي طالت ثكنات جيش النظام في جنوب سوريا ألقت طائرات إسرائيلية منشورات ورقية في ريف درعا تحذّر الأخير، وتتهمه بالمسؤولية عن إطلاق صواريخ باتجاه الجولان.
وجاء في المنشورات، التي تأكد موقع “الحرة” من صحتها بعد التواصل مع صحفيين هناك: “إلى قادة وعناصر الجيش السوري، تستمر الفصائل الفلسطينية الإرهابية بإطلاق الصواريخ من الأراضي السورية تجاه الأراضي الإسرائيلية. إن قادة الجيش وبالأخص قائد اللواء 112 (في مدينة نوى) يتحملون المسؤولية الكاملة عن كل الأعمال التخريبية التي تنطلق من سوريا”.
وجاء فيها أيضا: “كل عمل تخريبي باتجاه دولة إسرائيل سيقابل بيد من حديد وقد أعذر من أنذر”.
“قذائف تكسر الهدوء”
ومنذ بدء حرب إسرائيل في قطاع غزة التي انطلقت بعد هجوم مباغت لحركة “حماس”، تردد اسم سوريا بشكل متفرق ضمن الكم الكبير من الأخبار العاجلة التي تنقل التطورات، وجاء ذلك بفعل “صواريخ وقذائف مجهولة” أطلقت من الجانب السوري باتجاه إسرائيل.
وفي جميع هذه الحوادث أعلن الجيش الإسرائيلي الرد على مصدر الإطلاق، لكن في الطرف المقابل لم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري، سواء بتبني الإطلاق من جانب جيشه أو من قبل فصائل أخرى، سبق وأن سلطت الضوء عليها وسائل إعلام إسرائيلية، قالت إنها مدعومة من إيران.
وكانت إسرائيل احتلت هضبة الجولان السورية خلال حرب الأيام الستة عام 1967، ثم ضمت المنطقة في خطوة لم تعترف بها الأمم المتحدة.
وخلال أكثر من عقد من الحرب في سوريا شنت مئات الغارات الجوية على أراضيها، مستهدفة بشكل أساسي القوات المدعومة من إيران ومقاتلي “حزب الله”، بالإضافة إلى مواقع لقوات الأسد.
كما استهدفت العديد من ضرباتها قياديين فلسطينيين، ينضوي غالبيتهم في “حركة الجهاد الإسلامي”.
ونادرا ما شهد الجولان أحداثا أمنية كبيرة من جانب النظام السوري، على مدى العقود الماضية، حتى أنه بات “جبهة هادئة” على نحو أكبر من باقي الجبهات المحيطة بإسرائيل.
لكن ذلك لم يوقف حالة التوجس والتحذير من جانب إسرائيل، إذ كانت تتجه دائما للقول بإن إيران تعمل على تشكيل “حزب الله 2” على الطرف المقابل من الجولان، ضمن الأراضي السورية.
ماذا وراء توالي الضربات؟
يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، أن توالي الضربات على سوريا خلال الأيام الماضية يصب في إطار “تحضيرات إسرائيل لمواجهة واسعة النطاق في الشمال بالنسبة لنا والجنوب في سوريا ولبنان”.
ويقول شتيرن لموقع “الحرة”: “في الأيام المقبلة سنرى تصعيدا خطيرا، وكل المؤشرات تقود إلى المواجهة”.
“كل ما تقوم به إسرائيل استعداد للمواجهة وضربات استباقية لما قد تقوم به إيران في الأراضي السورية واللبنانية”، ويتابع المحلل الإسرائيلي: “سوريا يجب أن تأخذ ذلك بالحسبان عندما تسمح لإيران بالقيام بأية أعمال على أرضها”.
ورغم أن الضربات الإسرائيلية على مطارات سوريا ليست بالأمر الجديد، يرى المحلل السياسي السوري، محمود الفندي “تغيرا حصل”، ويقول إن “القصف المتتالي عبارة عن تحذير وإرهاب عسكري لكي لا تفتح سوريا جبهة ضد إسرائيل”.
ويضيف الفندي لموقع “الحرة”: “إسرائيل تحاول إيصال رسالة لسوريا: في حال دخولكم الحرب سنقوم بقصف المنشآت الحيوية في سوريا، وتدمير الخطوط الحيوية التي بقيت”.
وفي المقابل يعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن “إسرائيل تحاول قطع خط الإمداد الجوي الإيراني إلى حزب الله ومرتفعات الجولان”.
كما أنها تشير إلى كل من إيران وسوريا “بأنها تحتفظ بالقدرة على تنفيذ غارات جوية في المنطقة على الرغم من الحرب الحالية في غزة”.
ويتوقع بوهل في حديث لموقع “الحرة” أن “ترتفع درجة حرارة الجولان، لكن ربما ليس بقدر المنطقة الحدودية مع لبنان”، لأن “قدرة كل من سوريا وإيران على مهاجمة الجولان محدودة أكثر من قدرة حزب الله على ضرب إسرائيل”.
“تحذير وموقف بلا تصريحات”
ولا تزال الأنظار تتجه إلى الساحتين السورية واللبنانية وما إذا كان التصعيد في غزة سينسحب إليهما أم لا، ولاسيما في ظل تواصل التحذيرات من أن تتوسع الحرب إلى “نطاق إقليمي”.
وكانت الحدود بين لبنان وإسرائيل شهدت مواجهات عن بعد بالصواريخ الموجهة وقذائف المدفعية، مما أسفر عن مقتل عناصر من “حزب الله”، لكن من جانب سوريا لم يستجد سوى القذائف والصواريخ “مجهولة المصدر”، التي دفعت الجيش الإسرائيلي للرد عليها في ذات التوقيت.
وفي اليوم الثاني من هجوم “حماس”، وما تلاه من تصعيد إسرائيلي، نشر موقع “أكسيوس” الأميركي تقريرا أشار فيه إلى أن “الإمارات حذّرت الأسد من التورط في حرب حماس وإسرائيل”.
وذكر الموقع أن العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، تشعر بقلق بالغ من أن الحرب قد تمتد إلى لبنان أو سوريا، وتتصاعد إلى “صراع إقليمي”، مضيفا أن “المسؤولين الإماراتيين وجهوا رسائلهم إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى وأطلعوا إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على اتصالاتهم مع السوريين”.
لكن المحلل السياسي السوري، محمود الفندي يقول إن “شعار الحكومة السورية في الوقت الحالي هو دعم خط المقاومة والممانعة”، مشيرا إلى “الكثير من الكتائب والميليشيات المدعومة من إيران الموجودة في سوريا”.
ويضيف الفندي: “سوريا لا يمكن أن تخرج من المعركة.. هي في داخلها. أسلحة حزب الله تدخل من سوريا. هناك قوات وفصائل يدعمها الجيش السوري، وكانت استهدفت القوات الأميركية، وأرسلت القيادة رسائل من خلالها”.
“سوريا ترد وهي داخل المعركة حتى بلا تصريحات، ودائما ما تنظر إلى النتائج على الأرض”، حسب تعبير ذات المحلل.
وتحدث الصحفي وسيم الصفدي، المقيم في الجولان، لموقع “الحرة” عن وضع متوتر هناك “وحالة تأهب”، وأشار إلى أن “منطقة الحدود أصبحت عسكرية، مع انتشار واسع للجيش”.
ويقول الصفدي إن “جميع القذائف التي أطلقت على الجولان ليلة الأربعاء سقطت في مناطق مفتوحة، بالقرب من مستوطنة بني يهودا جنوبي الهضبة، ولم تسفر عن أي أضرار سواء مادية أو بشرية”.
وكما يتم تداوله في وسائل الإعلام الإسرائيلية يوضح الصفدي أن “الجيش الإسرائيلي، وفيما يتعلق بالجبهة الشمالية، لديه خطة دفاعية. أي يرد بقصف وقذائف بعد تعرضه لذات الضربات”.
وبينما يرى أنه “لا يوجد التماس لأي خطة هجومية”، يلفت الصحفي المقيم في الجولان إلى أن “المجتمع الإسرائيلي أو السلطات تريد تلبية رغبات الجمهور وطلبه الأول بالانتقام من أي جهة”.
“الرسائل عنيفة”
ودائما ما يندد النظام السوري بالقصف الذي تتعرض له الأراضي السورية، ويستهدف ثكنات عسكرية ومطارات مدنية، على رأسها حلب الدولي ودمشق.
وفي مقابلة تلفزيونية، في أغسطس الماضي، قال رئيسه بشار الأسد إن “إسرائيل تستهدف الجيش السوري بشكل أساسي تحت عنوان الوجود الإيراني، وسيستمر ذلك طالما أن إسرائيل هي عدو، وسيستمر طالما أننا نتمكن من إفشال مخططات الإرهابيين ولو جزئيا”.
واعتبر أن “الضربات بدأت عندما ابتدأ الجيش السوري بتحقيق انتصارات مرحلية في المعارك التي يخوضها، ونأخذ بالاعتبار بأننا لم ننته من الحرب بعد”.
ويورد تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، نشرالأربعاء، أن “إسرائيل تكثف جهودها في سوريا لمنع شحن الأسلحة المتقدمة من إيران إلى مختلف وكلائها في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم حزب الله”.
من جهته يعتقد العقيد المنشق عن جيش النظام، إسماعيل أيوب أن “الضربات بمثابة رسائل تحذيرية للنظام، وليست مجرد رد على قذائف هاون وصواريخ سقطت في منطقة مفتوحة”.
ويقول أيوب لموقع “الحرة”: “اعتدنا على الرد الإسرائيلي على قذائف تسقط في مناطق خالية، لكن الضربات العنيفة وإخراج مطارين عن الخدمة هي رسالة قوية للنظام وإيران بأن لا يتدخلوا في حرب غزة”.
“النظام السوري غير جاهز لفتح أي صراع سواء مع إسرائيل أو غيرها. هو منشغل بقصف إدلب. جيشه مهترء غير قادر على المجابهة، وبعد اتفاق الهدنة في 1974 لم نشاهد أي طلقة ولم يفكر ببناء مقاومة كما الوضع في لبنان”، كما يعتبر العقيد السابق.