خروج سلامة من ادارة السلطة النقدية في البلاد اربك سوق الصرف ووضع مصير منصة صيرفة في مهب الريح، وتسبب باهتزاز في الاستقرار المالي، ما ان لوّح نواب الحاكم الاربعة بالاستقالة نتيجة ضخامة المسؤولية التي ستلقى على عاتقهم ولرفض النواب في البرلمان منحهم الغطاء والموافقة على الخطة- الشرط لاستمرارهم في نيابتهم المصرفية، فيما يرفض الرئيس نبيه بري تسلم النائب الاول للحاكم وسيم منصوري الحاكمية بالانابة وفق ما ينص قانون النقد والتسليف، على رغم موقف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله المؤيد تسليم منصوري الحاكمية وفق القانون لحل الازمة. شأن ولّد تباينا بين “الاستيذ” و”السيد” حول الملف. لذلك، يسعى بري لايجاد تسوية تضمن استمرار الوضع على حاله بانتظار انتخاب رئيس جمهورية ومنع التقلبات في اسعار الصرف، ذلك ان الارتفاع الجنوني المرتقب في حال لم يتوافر حل فعلي لقضية الحاكمية من شأنه ان يضرب الامن الاجتماعي ويتسبب باضطرابات ومواجهات لا تحمد عقباها .
مصادر متابعة للملف تقول لـ “المركزية” ان ثمة خيارات اربعة مطروحة لتلافي السيناريو الكارثي اثر انتهاء ولاية سلامة:
– اولا، تسلم منصوري المسؤوليات . الا ان الخيار هذا دونه عقبات اساسية اهمها انه يرتب مسؤوليات على الثنائي الشيعي بتحميله عبء المرحلة فيصبح مسؤولا عن انهيار النقد والقطاع المالي برمته ما دامت في يده وزارة المال والمدعي العام المالي وديوان المحاسبة وحاكمية مصرف لبنان..وسيتعرض الثنائي الى ضغط محلي، لاسيما من التيار الوطني الحر، واميركي كبير بحيث تصبح العين مفتوحة الى اقصى حد على اي خطوة مالية. تبعا لذلك، يتجنب بري هذه الدعسة، علما ان منصوري غير متحمس ولا مستعد لشرب كأس على هذا المستوى من المرارة من دون غطاء سياسي كامل من القوى السياسية كافة.
– ثانيا، بقاء نواب الحاكم شرط تقديم الضمانات وفق الخطة التي رفعوها الى لجنة الادارة والعدل، وهو امر غير ممكن، لا بل يبدو مستحيلا اذ ان النواب من مختلف المشارب السياسية لا يوافقون عليها ،ويطرحون اسئلة عن اسباب مطالبتهم بها اليوم ولماذا لم يعترضوا على سياسة سلامة طوال مدة ولايتهم معه، ويعتبرون ان هؤلاء تبنوا خطة نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي، اي خطة صندوق النقد الدولي التي لا تحظى بتأييد نيابي.
– ثالثا، استقالة نواب الحاكم في اطار ممارسة الضغط لتحقيق مطالبهم. فيتحرك آنذاك وزير المال يوسف الخليل انطلاقا من مبدأ تسيير المرفق العام ورفض الشغور ، فيطلب من الحاكم ونوابه الاستمرار في تسيير المرفق حتى انتخاب حاكم جديد. غير ان سلامه لا يقبل المخرج هذا، ويطالب في حال اعتماده ان يصدر القرار عن حكومة كاملة الاوصاف، او عن المجلس النيابي.
– رابعا، خروج الحاكم من المصرف المركزي مع نهاية ولايته، ورفض الحكومة قبول استقالة نوابه الاربعة ،فيتولى منصوري الحاكمية مع تعهد حكومي بمساعدته من خلال تشريعات يحتاجها لادارة المصرف والمحافظة على استقرار النقد.
على ضفاف الخيارات هذه، تكشف المصادر عن مخرج يسعى اليه الرئيس بري ويحاول ان يسوقه لدى القوى السياسية لانقاذ العملة الوطنية من الانهيار الجنوني مع خروج سلامه، ويقضي بعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب لاتخاذ قرار بتعديل قانون النقد والتسليف لمرة واحدة في المادة المتعلقة بمدة ولاية الحاكم ونوابه وجعلها 7 سنوات بدلا من ستة. بذلك، يستمر الحاكم ونوابه استنادا الى القانون سنة جديدة على ان يُعَين الخلف مع انتخاب رئيس .الا ان هذا المخرج ايضا دونه عقبات اولها رفض القيادات المسيحية عقد جلسة تشريع لمجلس النواب، في زمن الشغور الرئاسي، خصوصا في موضوع الحاكمية لان قانون النقد والتسليف اوجد الحل. اضافة الى ان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل استبق الخطوة هذه باعلانه ان في حال استقالة نواب الحاكم لا بد من اللجوء الى حارس قضائي في المصرف المركزي. امر ترفضه قوى مصرفية وقانونية ودستورية لانه لا يحق اللجوء الى خطوة مماثلة كون قانون النقد والتسليف اشار الى الالية التي تعتمد لمنع الفراغ في الحاكمية .
مغادرة سلامة مصرف لبنان لن تكون رحلة استجمام ولا “بلاطة ازيلت عن صدور اللبنانيين” كما يرَوّج البعض، ممن يستهدفون القطاع المالي بعدما دكوا المصرفي، لإحكام القبضة على الدولة او ما تبقى منها، ذلك ان مجمل الاقتراحات المطروحة راهنا عقيمة، والشعبوية تتحكم بأدق الملفات واكثرها حساسية في لبنان، فإن تُركت الامور على غاربها ستنفجر شظايا المال بأمن اللبنانيين، خصوصا اذا ما اقترن كل ذلك مع اقفال المصارف بفعل تكرار عمليات اقتحامها بالقوة، حينها ستقع الطامة الكبرى ويترحم العالم على لبنان. فهل يتقن المسؤولون خطورة ما يقترفون ويعالجون الملف بحكمة خلال الايام السبعة المتبقية؟