ليلة صاخبة هزت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، المعقل الأكبر لـ”حزب الله”، بعد استهداف الجيش الإسرائيلي ما وصفه بـ”المقر الرئيس” للحزب، واستكمل بهجوم جوي واسع على أهداف تابعة للحزب وصفها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بأنها مخازن للصواريخ الاستراتيجية، وما هي إلا ساعات قليلة مرت من اليوم السبت حتى أتى الخبر الذي انتظره الملايين على لسان أدرعي نفسه: مقتل الأمين العام للحزب حسن نصرالله بالضربة.
إلا أن السؤال الأبرز يحاول يبحث الجميع عن فكفكة لغزه هو سر الاجتماع الذي جمع نصرالله وقيادات “حزب الله” في هذا التوقيت الحساس؟ كيف تمت العملية وبأي أسلحة؟ ماذا كان يدور تحت الأرض؟ وما مصير الحزب نفسه بعد الضربة الإسرائيلية العنيفة التي استهدفت نفقاً تحت الأرض مرتبطاً بمقره الرئيس؟
وفي ظل الغموض والصمت المطلق تحدثت تقارير إسرائيلية عن “لحظة ذهبية” مكنت الجيش من تحديد الموقع الدقيق لحسن نصرالله ولحظة دخوله المركز القيادي للحزب في قلب الضاحية وفي طبقات عديدة تحت الأرض.
وفق تقارير إعلامية إسرائيلية وغربية، فإن الاجتماع كان مخصصاً لنقاش وتقييم الوضع الميداني والتطورات الأخيرة على الحدود الجنوبية للبنان، إضافة إلى بحث سبل مواجهة التصعيد الإسرائيلي المتواصل، وإمكانية تصعيد التحركات التكتيكية والاستعدادات العسكرية لـ”حزب الله”، في ظل مخاوف من احتمالية تنفيذ إسرائيل عمليات عسكرية أوسع نطاقاً، وهو ما يعزز فرضية أن الاجتماع كان يهدف إلى وضع خطة لمواجهة التصعيد.
القنابل الخارقة للتحصينات
تشير المعلومات الصحافية والعسكرية إلى أن الضربة نفذت بواسطة طائرات “أف-35” باستخدام نحو 10 قنابل خارقة للتحصينات من نوع MK84، تزن الواحدة 2000 رطل وقادرة على اختراق التحصينات بعمق يراوح ما بين 50 إلى 70 متراً تحت الأرض، إضافة إلى إحداثها ذبذبات ارتجاجية قادرة على قتل الحياة في محيط الاستهداف تحت سطح الأرض، وبحسب “القناة 13″ الإسرائيلية، فإن المقر الرئيس لـ”حزب الله” يوجد في الطابق 14 تحت الأرض، من دون أن يتم تأكيد في أي طابق كان يوجد به نصرالله لحظة تنفيذ الهجوم.
وما أظهرته الصور أكد وجود طوابق عدة تحت الأرض، إذ ظهر في بعضها دمار هائل تحت الأرض وتصاعد لهب النيران جراء الضربة من تحت المباني التي قصفت.
أما عن الوحدة المسؤولة عن تنفيذ عملية الاغتيال فكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن الغارات على الضاحية نفذتها الوحدة 119 في سلاح الجو الإسرائيلي.
ويرى المراقبون أن هذه العملية الإسرائيلية تحمل رسائل متعددة، ليس فقط لـ”حزب الله”، ولكن لإيران أيضاً، إذ يشكل استهداف نصرالله وقتله واحدة من أقوى الضربات، إن لم تكن الضربة الأقوى على الإطلاق للحزب الذي قاده نصرالله منذ أكثر من 32 عاماً، إذ من الممكن أن يكون نقطة تحول كبيرة في الشرق الأوسط، وتغييراً كبيراً في قواعد الاشتباك التي سادت طوال عقود.
تراجع إيران
محللة الشؤون اللبنانية في معهد واشنطن حنين غدار أكدت في هذا السياق أن مسارات التهدئة أو التصعيد في المنطقة مرهونة بمصير نصرالله بعد الغارة الإسرائيلية، واليوم بعد تأكيد مقتله فإن الحزب خسر القيادة وإيران ليس أمامها سوى خيار الموافقة على شروط التهدئة الأميركية – الفرنسية لوقف إطلاق النار، مشيرة إلى أنه ليس أمام إيران خيار آخر سوى هذا الحل، “فنصرالله كان الشخص الوحيد الذي رفض مبادرة وقف إطلاق النار، وبغيابه تكون إيران مجبرة على التسوية”.
وفي شأن المخاوف الأميركية من تطورات الأوضاع الحالية ذكرت أن أمام الولايات المتحدة “سيناريوهين”، الأول “خطر”، والثاني “أهون” كما تقول، فواشنطن تأمل في أن تختار طهران خيار عدم التصعيد، “لأن التصعيد سيجر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى حرب شاملة”، أما في شأن تبعات التصعيد في حال أصرت طهران على موقفها، فتقول غدار إنه سيؤدى إلى “فتح أطراف جبهات عدة جديدة ضد إسرائيل من خلال تكثيف الحوثيين والميليشيات العراقية عملياتهم، وتصعيد مسلح للحزب في الجولان”.
عملية انتقامية
وسط هذه التطورات طرحت تساؤلات عديدة حول إمكانية قيام الحزب عملية انتقامية كبيرة ضد إسرائيل.
يرى المحلل السياسي العراقي فراس إلياس أن كل المعطيات في الساعات الأخيرة تؤشر بما لا يقبل الشك إلى أن إسرائيل اتخذت قرار الحرب، معتبراً أن “تمسك إيران بخيار تجنب الحرب والتصعيد مع إسرائيل، خلق قناعة لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن طهران لن تفعل شيئاً أكثر من الدعم اللوجيستي والإدانة”.
لا أن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط شارلز ليستر يرى أن “حزب الله” فقد إلى حد بعيد القدرة على الرد، معتبراً أنه مع تصاعد الصراع في لبنان تتجه الأنظار إلى سوريا.
الحرب الشاملة
وفي السياق قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني علي حيدر، وهو مقرب من “حزب الله”، إن “محور المقاومة ذاهب نحو خيارات سعت إلى تجنبها في ظل التصميم الإسرائيلي والأميركي لشن الحرب على لبنان”، معتبراً أن إسرائيل ارتكبت خطأً كبيراً بضربها المتواصل للقرى والمدن اللبنانية، فهي تعتقد أنها بذلك تضغط على “حزب الله” كي تتراجع، لكن الواقع أن جمهور الحزب يضغط حالياً من أجل أن تمطر تل أبيب وحيفا وغيرهما بمئات الصواريخ، على حد قوله. وقال إن عدم التصعيد من قبل الحزب سيستغله نتنياهو لارتكاب مزيد من الهجمات ضد اللبنانيين، ووصف التطورات الجارية بأنها “تطور كبير في دلالاته العسكرية والسياسية”، وقد يغير قواعد الصراع والمواجهة ويؤدي إلى تطورات دراماتيكية على العمق الإسرائيلي.
من جهته لفت المتخصص في الشؤون الإسرائيلية محمود يزبك إلى أن نتنياهو يريد حرباً شاملة في المنطقة تؤدي إلى جر إيران والولايات المتحدة الأميركية إليها، وتصبح الكبرى التي رسم معالمها منذ سنة، وقال إن “حزب الله” حافظ حتى الآن على مستوى الاشتباك الذي بدأ به منذ مدة، وظل يوجه صواريخه لمناطق محدودة ومحددة بمفهومها العسكري. وأضاف أن هذا الواقع قد يتغير الآن إلى واقع جديد، وهو ما يسعى إليه نتنياهو، مشيراً إلى أن المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل يتوقعون أن يقوم الحزب في أي لحظة بإمطار تل أبيب بالصواريخ، رداً على قتل نصرالله والضربات الإسرائيلية المتواصلة.
مرحلة جديدة
ويرى المتخصص العسكري والاستراتيجي العميد إلياس حنا أن تنفيذ إسرائيل غارة جوية واسعة النطاق على معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت وقتل الأمين العام للحزب يعد تصعيداً خطراً و”نقطة تحول أساس” في الصراع الدائر، موضحاً أن حجم الانفجارات وتتابعها يدل على استخدام أسلحة متطورة وثقيلة قد تصل حمولتها المتفجرة إلى 1800 كيلوغرام للقذيفة الواحدة. وأضاف، “هذا الأمر يعكس أهمية الهدف الذي تسعى إسرائيل إلى استهدافه”.
وأشار المتخصص العسكري إلى أن هذا التصعيد يأتي في سياق استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تقويض قدرات “حزب الله” العسكرية والقيادية، فقد سبق هذا الهجوم سلسلة من الاستهدافات لقيادات ميدانية بالحزب، إضافة إلى محاولات لقطع خطوط الإمداد بين لبنان وسوريا. ولفت إلى أن إسرائيل قد تكون بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في عملياتها، مستهدفة ما سماها “القيادة الأساس” للحزب، وحذر من أن قتل نصرالله، بعد تأكيده، ستكون له تداعيات خطرة على المنطقة بأكملها، منبهاً من تزامن هذا التصعيد مع إجراءات عسكرية إسرائيلية على الحدود اللبنانية، إذ أعلن عن فتح مخازن الاحتياط وتوزيع العتاد على القوات، كما تم حشد ست فرق عسكرية في المنطقة الشمالية، مما يثير مخاوف من احتمال شن عملية برية.