سؤالان خيّما على لبنان عشية الأربعاء الذي يُراد أن يكرّس «توازن رعب» سياسي – رئاسي تحت سقف الـ لا انتخاب، بين طرفيْ «ليّ الأذرع»: فريق الممانعة بقيادة «حزب الله» والرئيس نبيه بري الذي يدعم زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، وغالبية قوى المعارضة التي تقاطعت مع «التيار الوطني الحر» ومستقلين وتغييريين على تأييد الوزير السابق للمال جهاد أزعور.
ويدخل طرفا المواجهة وسط تموْضُعين: الأول هجومي غير مسبوق اتخذته غالبية المعارضة بفعل التقاطع مع التيار الحر على اسم أزعور وتريد من خلاله تسجيل «هدف ذهبي» بإيصال مرشحها إلى عتبة ما فوق 60 صوتاً، ولمَ لا النصف زائد واحد (65)، بما يمنحها تفوّقاً في المسار الرئاسي يضعها في لحظة التسوية في موقع مَن يقترح أي خيار ثالث مقابل حقّ الفيتو لـ «الممانعة» وليس العكس.
والثاني دفاعي لـ «حزب الله» وحلفائه الذي بات في موقع الساعي إلى «حماية» مرشّحه من السقوط المعنوي بحال اقتصرت أرقامه على ما بين 45 و50 صوتاً أو أكثر بقليل وحَقَّقَ أزعور «سكور» يفوق ما سيحصل عليه فرنجية أقلّه بعشرة أصوات، رغم اطمئنان هذا الفريق إلى أنّ في جيْبه «البطاقة الحمراء» الذي سيرفعها ما أن تَصدر نتائج الدورة «الأولى والأخيرة» فيطير النصاب، في استنساخٍ لتجربة الجلسات الـ 11 السابقة التي توالت منذ أواخر سبتمبر 2022 حتى يناير الماضي حين كانت آخِر جولةٍ عقيمة تحت قبة البرلمان.
في موازاة عمليات المحاكاة التي لم تهدأ لـ «سكورات» كل من أزعور وفرنجية، وتكثيف النواب المتردّدين والرماديين لقاءاتهم لحسْم اتجاهاتهم التصويتية، وهل تذهب لاسم ثالث على طريقة الحجْز المبكّر لمقعد له في السباق الرئاسي لمرحلة ما بعد 14 يونيو، أو يكتفي بعضهم بتصويتٍ «نصف أبيض» أي بأوراق «معلّمة»بشعار محدّد، لم يكن ممكناً أن يَسقط من الحساب إمكان أن تنطبع جلسة يوم غد بمفاجآتٍ في هذا الاتجاه أو ذاك، في ضوء إدارة محركات «الاتصالات السرية» بأقصى طاقتها، وسط محاولاتٍ موازية لـ «التقاط إشاراتٍ» خارجية قد تدفع نواباً في ربع الساعة الأخير لتحديد «في أي صفّ يقفون».
ولم يكن عابراً مع العدّ التنازلي لمحطة الأربعاء، أن يخوض المتنافسان المنازلةَ الانتخابية بلا أقنعة أو قفازات، بعدما لاقى فرنجية جزْمَ داعميه بأنهم سيصوّتون لهم هذه المرة، ولأول مرةٍ بالاسم، بترشيحٍ رسميّ لم يعمد إليه منذ أن وَضَعه ثنائي «حزب الله» – بري في «فوهة التبنّي» حتى قبل أن يعلن هو أنه سينزل إلى «الميْدان»، في مقابل خروج أزعور ببيانِ ترشيحٍ كان مهّد إليه عبر إطلالته من خلال «الراي» كمرشّحٍ مع وقْف الإعلان، ليختار أن يعلن أمس وقبل 48 ساعة من فتْح صندوقة الاقتراع قبوله تسميته من «الكتل السياسية والسادة النواب المستقلين والتغييريين الأفاضل مرشحاً وسطياً جامعاً لمنصب رئاسة الجمهورية».
السقف العالي لفرنجية
وإذا كان السقف العالي والمواقف الهادرة التي أَطْلَقَها فرنجية في الذكرى 45 لمجزرة إهدن التي ذهب ضحيتها والده ووالدته وشقيقته وطاولت شظاياها كل خصومه وصولاً لتخوّفه من عدم «انتخاب رئيس في هذا الجو»، وتوقُّعه «اننا ذاهبون نحو خنادق سياسية»، اعتُبرت بمثابة «هروب إلى الأمام» ربْطاً باستشعار زعيم «المردة» الجريح بأن توحُّد غالبية رافضي ترشيحه حول أزعور ربما تكون حوّلته بمثابة «ورقة محروقة»، فإنّ مرشّح تَقاطُع المعارضة – التيار الحر بدا أكثر تَماسُكاً في بيانه الهادئ والذي هنْدسه بلغةٍ مزجتْ بين حسّ القيادة والحداثة ومخاطبة «أحلام اللبنانيين» على قاعدة «أريد صادقاً، أن يكون ترشيحي من السادة النواب مُلهماً للأمل لا سبباً للخوف، ومساهمةً في الحل وليس عنصراً يضاف إلى عناصر الأزمة والاستعصاء»، و«ترشيحي ليس تحدياً لأحد بل هو دعوة إلى الوحدة وكسر الاصطفافات».
ولم يتوانَ فرنجية في كلمته غروب الأحد، عن استحضار مجزرة إهدن بطريقة رأى خصومُه أنها لا تعبّر عن مصالحةٍ سبق أن أبرمها مع الأطراف المسيحية المسؤولة عنها، ولا سيما قوله «في 13 يونيو (1978) جاؤوا وكنا نياماً، أما اليوم فنحن واعون وما حدث في 13 يونيو لن يكون في 14 يونيو (غداً)»، معتبرين أيضاً أن رشْق هؤلاء باتهامات الفيديرالية والتقسيم وبأنهم «تقاطعوا مجدداً ضدّي وعلى السلبية والإلغاء» شكّل تَعارُضاً مع محاولة زعيم «المردة» طمأنة خصومه إلى أنه «في حال وصلتُ لسدة الرئاسة سأكون لجميع اللبنانيين، مَن معي ومَن ضدي، ومنفتحاً على الجميع».
واستوقف أوساطاً سياسية قول فرنجية «لم أفرض نفسي على أحد، ولا مشكلة لدينا من الاتفاق على مرشّح وطني وجامِع»، داعياً «إلى حوار شامل أو إلى أي حوار ثنائي يؤدي الى الحوار الكامل لحل المشكلة وعدم إقصاء أحد»، من دون إمكان الجزم بالمدى الذي يمكن أن يبلغه هذا الكلام كالعزوف في مرحلة ما أو سواه.
وفي موازاة ذلك، كان الحِراك الديبلوماسي يتكثّف في ملاقاة جلسة يوم غد، حيث برزت زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو لبري، بعدما كانت التقت وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، الذي كشف أن الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المكلف حديثاً متابعة الملف اللبناني والأزمة الرئاسية الوزير السابق جان – إيف لودريان سيدشّن مهمته في بيروت بعد جلسة الأربعاء «ونحن رحّبنا به خصوصاً أنه ديبلوماسي مخضرم ونتمنى له النجاح في مهمته».
واعتُبر تحديدُ موعدِ زيارة لودريان بعد «موْقعة» الأربعاء، بمثابة إقرارٍ دولي بأن هذه الجلسة لن تُفْضي إلى إنتاج رئيس، بل إلى رسْم مشهدية رقمية، تعكس توازنات يُفترض أن ترتكز عليها أي «كاسحة ألغام» خارجية جديدة لشقّ مَخْرج يصعب تَصوُّر أن يكون في النهاية على قاعدة أيٍّ من مرشحيْ جولة 14 الجاري، وسط رصْدٍ أيضاً لردّ فعل الخارج على التعطيل المرتقب لنصاب الدورة الثانية ولا سيما بحال لامس أزعور رقم 65، مع استحضار أوساط سياسية ما سبق للولايات المتحدة أن لوّحت به أخيراً من فرْض عقوبات على معرقلي مسار الانتخابات الرئاسية من دون أن توفّر هذه المرة بري.
مجلس التعاون
وفي إطار متصل، توقفت الأوساط عند تجديد دول الخليج العربي ثوابتها بإزاء الواقع اللبناني، وفق ما عبّر عنه البيان الختامي الذي صدر عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، خصوصاً لجهة تأكيد «أهمية تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الشاملة التي تضمن تغلب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوله نقطة انطلاق للإرهاب أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدد أمن واستقرار المنطقة»، وتشديده على «أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها، ولا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال تستهدف أمن واستقرار المنطقة».
وحرص المجلس على دعوة «الأطراف اللبنانية الى احترام المواعيد الدستورية» مؤكداً التطلع «إلى انتخاب رئيس للبلاد وفقاً للدستور اللبناني، والعمل على كل ما من شأنه تحقيق تطلعات الشعب اللبناني الشقيق في الاستقرار والتقدم والازدهار»، مشيداً بجهود أصدقاء وشركاء لبنان لاستعادة الثقة وتعزيز التعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون، ودعمهم لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ الأمن.
الخبر من المصدر