من جهة أخرى ارتكزت السياسة الإيرانية على مبدأ تصدير الثورة الذي هو قائم حتى الآن ولم تتخلَّ عنه، عبر التدخل في الشؤون الداخلية للدول، من خلال نسج علاقات مع الفاعلين من دون الدول في تلك البلدان.
كل من الاستراتيجية العسكرية والسياسة الإقليمية التقتا في هدف تشكيل شبكة من الوكلاء “صنيعة إيرانية”، أو نسج علاقات مع وكلاء موجودين بالفعل وليسوا صنيعة إيرانية يسمون “العملاء”.
فعملت على تشكيل الوكلاء في لبنان أولاً ثم العراق وسوريا، أما العملاء القائمون بالفعل فحرصت على العلاقة معهم مثل المتمردين الحوثيين في اليمن وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين.
أصبحت لطهران شبكة تضم أكثر من 12 ميليشيا، لدى بعضها أحزاب سياسية خاصة بها وتتحدى الحكومات الوطنية والمجاورة، وقدم “الحرس الثوري” عبر “فيلق القدس” الأسلحة والتدريب والدعم المالي للميليشيات والحركات السياسية في الدول العربية المجاورة.
بين عامي 1995 و2022، فرضت خمس إدارات أميركية (كلينتون وبوش وأوباما وترمب وبايدن) عقوبات على 11 مجموعة وكيلة لإيران في خمس دول، كما فرضت عقوبات على 89 من قادة 13 مجموعة تدعمها طهران.
وكانت سياسة الضغط الأقصى الأميركية خلال إدارة دونالد ترمب للحد من تأثير طهران الإقليمي ودعم الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فأكد الرئيس السابق أنه من لبنان إلى العراق إلى اليمن تقوم إيران بتمويل وتسليح وتدريب الميليشيات وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تنشر الفوضى في جميع أنحاء المنطقة.
وتتمتع الولايات المتحدة بسلطة فرض عقوبات اقتصادية عقابية إما من خلال الأوامر التنفيذية الرئاسية أو القوانين التي يقرها الكونغرس، وأصدر ثلاثة رؤساء هم كلينتون وبوش وأوباما أوامر تنفيذية مكنتهم من فرض عقوبات على وكلاء إيران.
وبموجب الأوامر التنفيذية استطاعت وزارتا الخزانة والخارجية تصنيف الأفراد أو المنظمات الأجنبية على أنها إرهابية ثم تم توسيع صلاحياتهما لمعاقبة الجماعات الإرهابية بصورة كبيرة بموجب قانون الهجرة والجنسية، وكذلك تصنيف أفراد أو منظمات أجنبية لارتكابها، أو خطر ارتكابها، أعمالاً إرهابية تهدد مصالح الولايات المتحدة أو الأمن القومي.
ويمكنهما كذلك تصنيف الأفراد والممولين والشركات الواجهة على أنهم إرهابيون دوليون إذ يقدمون الدعم للجماعات الإرهابية، كما فرضت تلك التصنيفات عقوبات تمنع هؤلاء الأفراد والكيانات من الدخول في تعاملات مع أفراد أو شركات في الولايات المتحدة، مع حظر أي أصول لديهم في أميركا، وعملت الإدارات سابقاً على تعطيل شبكات تمويل الإرهاب وزيادة الوعي العام بالأفراد والجماعات المرتبطة به.
وأمكن لوزارتي الخزانة والخارجية تحديد الأفراد أو الكيانات التي ارتكبت، أو تشكل خطر ارتكاب أعمال عنف تهدد السلام والاستقرار في العراق، لقطع الدعم عن الجماعات المسلحة فيه، وبالنسبة إلى سوريا كان يمكن لهما تحديد الأفراد والكيانات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع هناك، وتم فرض عقوبات على “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري”.
أما في اليمن، فأمكن لوزارتي الخزانة والخارجية تحديد الأفراد والكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار، وخلال إدارة ترمب أقر الكونغرس قانونين لفرض عقوبات على وكلاء إيران، بحيث يمكن لوزارة الخارجية تصنيف المنظمات على أنها منظمات إرهابية أجنبية لتورطها في أنشطة إرهابية تهدد الأمن القومي الأميركي أو مصالحها.
ويعني تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية أن هذه المجموعات لا يمكنها الدخول في تعاملات مع أفراد أو شركات بالولايات المتحدة ويتم حظر أي أصول لديهم في البلاد كما أنه يفرض قيوداً على الهجرة بالنسبة إلى أعضاء تلك المجموعات.
ويستبعد قانون منع التمويل الدولي لـ”حزب الله” الذي أقره الكونغرس عام 2015، وقانون تعديلات منع التمويل الدولي للحزب الذي أقره الكونغرس في 2018، البنوك التي تجري تعاملات مع “حزب الله” من النظام المالي الأميركي، ويسمح تعديل 2018 للولايات المتحدة بفرض عقوبات على الكيانات الأجنبية التي تمول أو تسلح “حزب الله”.
وبالطبع كانت لهذه العقوبات المرتبطة بدول مثل لبنان واليمن تأثيراتها في النشاط المالي والمصرفي لتلك الدول، فضلاً عن قدرتها على تلقي المساعدات والمعونات الخارجية من الدول المانحة، مما يجعل سياسة إيران نحو خلق وتشبيك شبكة الوكلاء الإقليميين لم تضر إلا بحياة ومعيشة المواطنين في دول الصراعات العربية.