وتعاونت في الدراسة العالمية التي شملت أكثر من 22 ألف مصاب بالتصلب العصبي المتعدد، 70 مؤسسة عالمية تحت إشراف علماء من “جامعة كامبريدج” و”جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو” (UCSF) في الولايات المتحدة.
وتذكيراً يهاجم الجهاز المناعي لدى المصابين بالتصلب العصبي المتعدد الدماغ والحبل الشوكي ويلحق الضرر بهما، فتظهر على المريض أعراض من قبيل التعب ومشكلات في النظر والحركة والإحساس وتوازن الجسم، وفي بعض الحالات يتسبب الداء الضموري بالإعاقة وتراجع متوسط العمر المتوقع.
وبينما نجح العلماء في تطوير علاج يتصدى للأعراض، إلا أنه لا يوجد دواء يمكنه أن يحول دون تفاقم هذه الحال الصحية.
وعند الاطلاع على إحصاءات صادرة عن “الاتحاد الدولي لعلم الوراثة للتصلب المتعدد” (IMSGC)، و”اتحاد أم إس المتعدد” The MultipleMS Consortium، أجرى الباحثون تقييماً للعوامل الوراثية التي تؤثر في شدة التصلب العصبي المتعدد، ودمجوا بيانات خاصة بـ 12584 شخصاً مصاباً بالتصلب المتعدد، وربطوا متحورات جينية بسمات معينة من بينها الوقت الذي يستغرقه كل مريض للانتقال من تشخيص الإصابة بالداء إلى مستوى معين من الإعاقة.
وبعد التدقيق في 7.8 ملايين متحورة جينية تبين أن واحدة منها تتسبب بتطور المرض على نحو أسرع من المعتاد، وتتموضع هذه المتحورة بين جينين وراثيين لم تتبين أية علاقة لهما بالتصلب المتعدد سابقاً، يسميان “دي واي إس أف”DYSF و”زد أن أف 638” ZNF638، فبينما يصلح الجين الأول الخلايا التالفة، يساعد الجين الثاني في السيطرة على الالتهابات الفيروسية.
وتحدث في هذا الشأن البروفيسور سيرجيو بارانزيني في “جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو”، وهو الباحث الرئيس المشارك في الدراسة التي نشرت في مجلة “نيتشر” Nature، فقال إن “وراثة هذه المتحورة الجينية من الأب والأم كليهما تسرع المدة الزمنية التي يستغرقها المريض قبل بلوغ مرحلة الحاجة إلى مساعدة في المشي بنحو أربع سنوات”.
كذلك تطرق إلى نتائج الدراسة الدكتور عادل هرود، وهو باحث رئيس في الدراسة وباحث سابق لمرحلة ما بعد الدكتوراه في “مختبر بارانزيني” في “جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو”، فقال إن “هذه الجينات تنشط عادة داخل الدماغ والحبل الشوكي وليس الجهاز المناعي”.
وأضاف الدكتور هرود، “تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن صمود الجهاز العصبي وعمليات الترميم التي يشهدها يحددان مسار تقدم التصلب العصبي المتعدد”، موضحاً أن “علينا التركيز على هذه النواحي من علم الأحياء البشري للحصول على علاجات أفضل”.
وبغية تأكيد النتائج التي خلصوا إليها، تفحّص فريق البحث جينات خاصة 9805 أشخاص إضافيين، فوجدوا أن أولئك الذين لديهم نسختان من المتحورة الجينية المذكورة أصيبوا بالعجز في غضون فترة زمنية أقصر [من تشخيص إصابتهم بالداء].
وقال البروفيسور ستيفن سوسر من “جامعة كامبريدج” ومستشفيات كامبريدج الجامعية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية إنه “بعد فهم الطريقة التي تمارس بها المتحورة تأثيراتها في شدة التصلب العصبي المتعدد، نأمل في أن يقود هذا الإنجاز إلى تمهيد الطريق أمام إيجاد جيل جديد من العلاجات القادرة على درء تطور المرض”.
وختم البروفيسور سوسر، “صحيح أنه يبدو جلياً أن قوة دماغك أمام الإصابات تحدد مدى شدة داء مثل التصلب العصبي المتعدد، وقد وجهتنا هذه الدراسة الجديدة نحو العمليات الرئيسة الكامنة وراء هذه القوة”.
ويعكف فريق البحث الآن على جمع مجموعة أكبر من عينات “الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين” الـ “دي أن أي” DNA من مصابين بالتصلب العصبي المتعدد، بغية العثور على متحورات أخرى تسهم في الإصابة بإعاقة نتيجة هذا الداء.