يحدو عدد من العلماء أمل في أن تقود إنجازات مهمة حققها “المختبر الفيزيائي الوطني” [أن بي أل NPL] البريطاني إلى تحولات إيجابية في علاج السرطان في المملكة المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم.
طور الخبراء مجموعة مشاريع الهدف منها تحقيق تحسينات كبيرة في الدقة التي يتسم بها نوع من العلاج الإشعاعي يسمى “العلاج الإشعاعي بحزم البروتونات” proton beam radiotherapy [ﯾﺳﺗﺧدم أﺷﻌﺔ اﻟﺑروﺗوﻧﺎت في علاج اﻷورام].
يستهدف هذا العلاج الأورام بشكل دقيق من دون الإضرار بالأنسجة السليمة المحيطة بها، مقلصاً الآثار الجانبية التي ترافق العلاج الإشعاعي عادة، خصوصاً في صفوف الأطفال على غرار قصور القلب والتليف الرئوي والأورام الثانوية [حينما تنتقل بعض الخلايا من ورم خبيث في موضع معين في الجسم، إلى موضع آخر وتتكاثر فيه، يؤدي ذلك إلى تشكل ورم ثانٍ يسمى ورماً ثانوياً].
على عكس العلاج الإشعاعي التقليدي، من المستطاع حصر الإشعاعات المستخدمة في العلاج بالبروتونات، كي تتوجه بشكل كبير إلى الورم نفسه، ما يخفض نسبة الضرر الذي يلحق بالأنسجة السليمة المحيطة به.
ولكن، بغية تحقيق أقصى استفادة من العلاج، يجب أن تتماثل الدقة العلاجية للجرعة الإشعاعية من “العلاج بحزم البروتونات” مع تلك التي تتأتى من الأنواع السائدة من العلاج الإشعاعي.
بغية إيجاد حل لهذه المشكلة، حقق فريق “المختبر الفيزيائي الوطني” ما وصفه بأنه ثلاثة إنجازات مهمة.
يهدف عملنا إلى توفير الثقة للمراكز السريرية التي تقدم العلاج الشعاعي بالبروتونات داخل المملكة المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم، على أمل تحسين النتائج العلاجية لدى مرضى السرطان هانا كوك- “المختبر الفيزيائي الوطني”
أولاً، نجح الفريق في إنتاج أداة بالغة الدقة في قياس كميات جرعة الإشعاع والتأكد منها، تسمى “المقياس الحراري المعياري الأولي للبروتون”.
ثانياً، طور الباحثون مواد بلاستيكية جديدة تحاكي بدقة وضعية أنسجة بشرية على غرار العظام والعضلات، أثناء خضوعها للاختبارات.
ثالثاً، يُنفّذ الباحثون قياسات رائدة في مجال إثبات فاعلية شكل جديد من العلاج الإشعاعي يسمى “فلاش آر تي” Flash RT. ويتسم هذا العلاج بفاعلية تساوي ما تملكه التقنيات المعمول بها حالياً، لكنه يحول أيضاً دون حدوث ضرر يمكن تفاديه في الأنسجة السليمة.
ووفق العلماء، في مقدور العلاج “فلاش” أن يختصر الفترة الزمنية التي يمضيها المرضى الأطفال في المستشفى.
وفي المستطاع تقديم علاجات “الفلاش” في عدد أقل من جلسات الجرعات الإشعاعية أو حتى اقتصارها على جلسة واحدة، بالمقارنة مع العلاج الإشعاعي التقليدي الذي يُعطى غالباً بشكل مجزأ طوال فترة ستة أسابيع تقريباً، وتستدعي من المريض زيارة المستشفى كل يوم.
يعتبر القياس الدقيق للجرعات، الذي ينطوي على احتساب الكمية التي امتصها الجسم من جرعة العلاج وتحسين إيصالها إلى المكان المطلوب، خطوة ضرورية في تفادي أخطاء ربما تقود إلى تلقي المريض جرعة غير صحيحة من الإشعاع وتقليص فرص نجاح العلاج.
حالياً، تؤدي أشكال العلاج الإشعاعي كلها إلى ترسب إشعاع غير مرغوب فيه لكنه محتم، داخل الأنسجة السليمة حول الورم المستهدف.
كذلك أظهرت الدراسات أن العلاج باستخدام معدل مرتفع جداً من جرعة الإشعاع، يحافظ بشكل كبير على الأنسجة السليمة بينما يتسم في الوقت عينه بفاعلية تساوي، في أقل تقدير، العلاجات التي تستعمل المعدلات التقليدية من الجرعات في السيطرة على الورم، ما يُسمى “تأثير الفلاش”.
وفي ذلك الصدد، ذكرت هانا كوك، العالمة في “المختبر الفيزيائي الوطني”، إن استحداث قياس جرعات العلاج بالبروتونات واحتسابها بدقة بحث مثير للاهتمام ومفيد جداً.
وأضافت كوك، “يهدف عملنا إلى توفير الثقة للمراكز السريرية التي تقدم العلاج بالبروتونات داخل المملكة المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم، على أمل تحسين النتائج العلاجية لدى مرضى السرطان”.
وفي تصريح إلى وكالة “برس أسوسيشن”، أوضح راسل توماس، رئيس القسم العلمي في “المختبر الفيزيائي الوطني”، إن “العلاج بحزم البروتونات” موجود منذ أربعينيات القرن العشرين، لكن استخدامه اقتصر على علاج حوالى 300 ألف مريض حول العالم. وللمقارنة، يستعمل العلاج الإشعاعي التقليدي بطاقة الفوتون في علاج حوالى 160 ألف مريض سنوياً في المملكة المتحدة وحدها.
وأوضح توماس أنه في الماضي، شكّلت التكلفة الكبيرة إحدى العقبات التي واجهت العلاج بشعاع البروتون.
إذ تصل كلفة آلة إشعاع البروتون إلى 225 مليون جنيه استرليني، مقارنة مع تكلفة لا تزيد على بضعة ملايين جنيه استرليني للآلة التي تولد الأشعة التقليدية.
حالياً، لا يتوافر “العلاج بحزمة البروتونات” سوى في مركزين في المملكة المتحدة، “مؤسسة كريستي التابعة لـ”هيئة الخدمات الصحية الوطنية “في بريطانيا Christie NHS Foundation Trust في مانشستر، أو “مؤسسة مستشفيات كلية لندن الجامعية” التابعة لـ”هيئة الخدمات الصحية الوطنية”.
ونقلت “برس أسوسيشن” عن توماس إنه يأمل في أن يتوافر ذات يوم عدد كافٍ من المراكز في المملكة المتحدة لعلاج عدد المرضى الذين يسعهم ربما الاستفادة منه [العلاج بحزم البروتونات].
سيقلص هذا التطور الكبير درجة الشك بشأن إيصال الجرعة إلى المكان المستهدف، ما يضمن السيطرة المثالية على الورم ويعزز الدقة في العلاج بالبروتونات آنا لورينكو
وأضاف توماس، “أعتقد أنه مع توافر العلاج بالبروتونات في المملكة المتحدة الآن، ربما نعالج أقل قليلاً من 2 في المئة من المرضى الذين يستفيدون من العلاج الإشعاعي، فيما تتراوح النسبة المقدرة بين 5 و20 في المئة. وبالتالي، أود أن نصل في أقل تقدير إلى خمسة في المئة من العلاجات” [أي إعطاء العلاج بالبروتونات إلى 5 في المئة من إجمالي من يتلقون العلاج الإشعاعي للسرطان].
كذلك يعتقد توماس أنه من المهم اللجوء “إلى الاستثمار، ووضع سبل للبحث في استخدام الجسيمات الأخرى في العلاج، والاستفادة من العلاجات الأيونية الأخرى. وسيؤدي النوعان المختلفان من العلاج الإشعاعي بحزمة البروتونات والعلاج الإشعاعي التقليدي، إلى توليد نوعين مختلفين من الفاعلية البيولوجية الإشعاعية”، بحسب شرح توماس.
وكخلاصة، يرى توماس إنه “سيكون من الرائع لو حصلنا على بعض التمويل في المملكة المتحدة لاستكشاف هذه الجوانب على المستوى البيولوجي الإشعاعي، في المرحلة ما قبل السريرية كي نؤدي عملنا بشكل صحيح، بالتالي سيكون من الجيد متابعة هذا النوع من الجسيمات، وفي مقدورنا حينها الشروع في تطوير هذا النوع من الآلات لعلاج المرضى”.
وفي سياق متصل، ذكرت آنا لورينكو، عالمة بارزة في “المختبر الفيزيائي الوطني” إنها وزملاءها يتعاونون “مع “معهد الفيزياء والهندسة في الطب” من أجل استحداث “دليل للممارسات” خاص بقياس الجرعات الموصى بها في العلاج بحزم البروتونات.
ووفق لورينكو، سيستفيد “دليل الممارسات” المنتظر من “المختبر الفيزيائي الوطني” من أداة “المقياس الحراري المعياري الأولي للبروتون” التي ابتكرها فريق “المختبر الفيزيائي الوطني”، في التوصل إلى قياس مدى امتصاص الجسم من جرعة العلاج بحزم بالبروتونات بصورة مباشرة تماثل جهاز خدمة معايرة المياه”.
وبحسب لورينكو نفسها، “سيقلص هذا التطور الكبير مدى الشك في وصول الجرعة إلى الهدف، ما يضمن التحكم الأمثل في الورم وتحسين الدقة في العلاج بالبروتونات”.
وكخلاصة، شددت لورينكو على أن “إنشاء معايير متسقة يدعمها “دليل الممارسات” سيعود بالنفع على المرضى الذين يتلقون العلاج في المرافق الصحية والذين يتنقلون في ما بينها، إضافة إلى أنه سيضع الأساس لتطوير التجارب السريرية في العلاج بالبروتونات”.