ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من ديارهم منذ 2011. ولا يزال هناك نحو 6.8 مليون نازح سوري في الداخل حيث يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وتعهدت دمشق خلال مشاورات عودتها لجامعة الدول العربية بتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين.
وأكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال المؤتمر الصحفي الختامي للقمة العربية أن السعودية “ستدعم مشروعات التعافي الاقتصادي في سوريا”، وشدد أن الرياض وبقية الدول العربية “مهتمة بعودة اللاجئين السوريين، وستعمل مع شركائها الغربيين ومع الأمم المتحدة لتحقيق ذلك”.
أولوية لمن؟
“هل هي أولوية لسوريا؟ أم هي أولوية للدول المستضيفة للاجئين؟” يتساءل الكاتب السياسي الأستاذ في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حسن منيمنة، حول ملف عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مدنهم في سوريا.
ويقول في حديث لموقع “الحرة” إن “عودة اللاجئين السوريين هي أولوية للدول المستضيفة مثل لبنان والأردن، ولكنها ليست أولوية لدمشق على الإطلاق، حتى وإن تم الحديث عنها في مشاورات إعادة سوريا لجامعة الدول العربية”.
ويوضح منيمنة إن هناك مشاكل على المجتمع الدولي التنبه لها فيما يتعلق باللاجئين “إذ أنهم يشكلون ضغطا البنية التحتية في لبنان التي تعاني بالأصل من مشاكل هيكلية تحد من تقديم الخدمات للمواطنين اللبنانيين، وفي الأردن أصبحت قضية اللاجئين تشكل عبء عليهم في ظل تراجع الدعم الدولي لهذا الملف”.
ولقي الأسد استقبالا حارا في القمة العربية، الجمعة، وعانقه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال اجتماع للزعماء الذين نبذوه لسنوات، في تحول في السياسة تعارضه الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى.
وظهر الأسد مبتسما بينما كان يصافح ولي العهد السعودي مع انطلاق القمة مما يضع نهاية لحالة من العداء العربي تجاه الرئيس السوري الذي تمكن من تحويل دفة الصراع في الحرب الأهلية لصالحه بمساعدة إيران وروسيا، وفق تقرير لوكالة رويترز.
المحلل السياسي السوري، شريف شحادة، قال في رد على استفسارات موقع “الحرة” إن ملف اللاجئين والنازحين “كبير ومتشعب، وهو ما يفرض أعباء كبيرة”، محذرا من استغلال بعض الدول لهذا الملف “وتسيسه” لتحقيق مصالح معينة.
ويشرح أن مسألة العودة الطوعية لن تكون سهلة على الجميع، إذ يعتمد البعض على تسلم “معونات ورواتب من منظمات دولية، وهذا قد يحفزهم على عدم العودة لبلدهم، ناهيك عن خوف البعض من الملاحقة”.
ووفق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ، تستضيف دول الجوار السوري أكثر من 5.6 ملايين لاجئ يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
هل يوجد توافق عربي؟
ويرى منيمنة أن المجتمع الدولي وحتى الدول العربية يسعون “لإدارة الأزمة السورية والملفات الشائكة التي أسفرت عنها، ولكنهم لا يسعون بالضرورة لمعالجة وحل الأزمات وفي مقدمتها أزمة اللجوء السوري”.
ويشير إلى وجود نوع من “عدم التوافق العربي تجاه ملف اللاجئين، البعض يرى فيه ملفا هاما يتيح لدول عربية الضغط على النظام في دمشق للانصياع للموقف العربي بالمجمل، والبعض الآخر يرى فيه نوعا من الابتزاز الذي حاجة له” بمعنى أنه ليس من الملفات الهامة أمامهم.
ورغم الحديث عن التزام النظام السوري وسعيه نحو التعامل مع أزمة اللاجئين والنازحين من خلال سياسة خاصة تتعلق بـ”العودة الطوعية للاجئين”، إلا أن منيمنة يعتقد أن هذه السياسة لن تنجح “إذ أن النظام السوري لن ينسى ما حصل سابقا”، وحتى إن “إلغيت بعض الأحكام القضائية لحث السوريين على العودة إلا أن الجميع يعرف أن دمشق لا تفي بالتزاماتها”.
ولا تزال مساحات كبيرة من سوريا في قبضة المعارضة المدعومة من تركيا وجماعات متشددة وكذلك الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وتلقى مشاركة الأسد في اجتماعات القمة العربية انتقادات من المعارضين، وكتب، سالم المسلط، السياسي البارز بالمعارضة السورية على تويتر أن حضور الأسد “مكافأة مجانية لمجرم الحرب”.
وبينما كان الأسد يلقي كلمة أمام القادة العرب كان عدد من اللاجئين السوريين في ألمانيا يحضرون ورشة عمل يتعلمون فيها سبل استخدام القانون الدولي لمحاكمة مجرمي الحرب، وهو ما يأملون تطبيقه على الأسد يوما ما.
وقالت السورية، هويدا محي الدين (49 عاما)، لوكالة رويترز، التي اعتقلتها السلطات السورية في السابق بسبب مواقفها السياسية لكنها تعيش الآن في فرنسا، “كل سوري عانى من هذا النظام يمكن أن يمثل دعوى قضائية وسنقوم برفع هذه الدعاوى. حتى لو وقف العالم كله معه فسوف نقدمه للعدالة”.
هويدا إلى جانب آخرين ممن حضروا ورشة العمل هم من بين ملايين السوريين الذين شردتهم الحرب المستمرة منذ 12 عاما.
وخلص المشاركون في ورشة العمل إلى أن عودة الأسد لجامعة الدول العربية بعد عزلة مستمرة منذ نحو 12 عاما شيء محبط، لكنه غير مثير للدهشة.
وقالت محي الدين إن التطبيع العربي مع الأسد سيجعل عودة اللاجئين السوريين أكثر صعوبة، وأضافت أن زوجها اختفى على يد الحكومة عام 2014.
ومضت قائلة “هاقول كلمتين أخدناها نحن عهد على أنفسنا نحن نفنى ولا يحكمنا الأسد ولن نعود والأسد موجود”.
“خارطة طريق”
المحلل الجيوسياسي الأردني، عامر السبايلة، وصف ملف عودة اللاجئين السوريين أو النازحين لمناطقهم بـ”الملف الشائك”، مؤكدا أن على المجتمع الدولي والدول العربية إلزام “سوريا بوضع خارطة طريق بالشراكة مع الدول المستضيفة”.
ويوضح في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أنه لا يمكن الحديث عن عودة طوعية من دون تقديم دمشق لـ”ضمانات بعدم ملاحقة هؤلاء اللاجئين والنازحين، وتحديد ممرات آمنة تعيد الناس إلى مدنهم”.
ويرى السبايلة أن الخطوة الأولى لعودة اللاجئين ترتبط بـ”بناء الثقة بالنظام السوري، أكان من السوريين أنفسهم أو حتى من قبل الدول ذات العلاقة بملف اللاجئين والنازحين السوريين”.
ويستطرد أن “دمشق حلت مشكلة عزلتها مع الدول العربية، ولكن لم تعالج مشاكلها الداخلية”.
“ترتيبات العودة”
من جانبه حدد المحلل السوري، شحادة حزمة من الترتيبات لعودة اللاجئين، والتي تضم:
- العمل على ترتيب “مصالحة وطنية” تنهي الخلافات والمشاكل السابقة.
- إصدار عفو عام شامل عن كل الذين غادروا سوريا، حتى بما يشمل مع عملوا مع مجموعات وفصائل مسلحة معارضة.
- إعادة إعمار بعض المناطق لاستقبال اللاجئين والنازحين والتي قد تساهم بها دول عربية.
- إعادة تعيين اللاجئين والنازحين الموظفين السابقين في وظائفهم.
ودمرت الحرب الاقتصاد السوري والبنية التحتية والمدن والمصانع، ولا شك أن الأسد سيستفيد من أية استثمارات في بلده المنهك بالأزمات.
وجاء في القرارات الختامية للقمة العربية أن القادة العرب اتفقوا على “تعزيز التعاون العربي المشترك لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات”، و”التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة” السورية.