أصيب الآلاف من اللبنانيين الذين حضروا الأربعاء إحياء الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري بخيبة أمل، حيث كانوا يتطلعون إلى إعلان ابنه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن استئناف نشاطه السياسي المعلق منذ مطلع العام 2022.
وأطل الحريري الابن، وسط الجموع المحتشدة، حيث قرأ الفاتحة على ضريح والده، واقتصر على تصريح مقتضب لم يشف رغبة الأنصار، قال فيه إن “نبض البلد هنا، فحافظوا على البلد، وكل شي بوقته حلو، ونحنا سوا وأنا حدكم (إلى جانبكم)”.
ويرى متابعون أن إطلالة الحريري بدت استعراضية، ولم تتضمن أيّ إجابات عن إمكانية عودته مجددا إلى المشهد السياسي في لبنان، ويشير هؤلاء إلى أن زعيم تيار المستقبل تعمد إضفاء قدر من الغموض بقوله “كل شيء بوقته حلو”، ما يوحي بأن حسم عودته للساحة ما يزال قيد النقاش.
وتوافد أنصار الحريري منذ ساعات الصباح إلى محيط الضريح في وسط بيروت. وحمل بعضهم صورا للحريري الأب والابن ورددوا هتافات داعمة.
وقال محمود حمود (32 عاماً) الذي حضر من البقاع الغربي (شرق) لوكالة فرانس برس على هامش مشاركته في التجمع “نشارك اليوم لأن مجيء الشيخ سعد غال علينا، ولأن يوم استشهاد الرئيس رفيق الحريري تاريخي بالنسبة إلينا، وهو دائما في قلوبنا”.
إطلالة الحريري بدت استعراضية، ولم تتضمن أيّ إجابات عن إمكانية عودته مجددا إلى المشهد السياسي في لبنان
وأضاف “كل لبنان اليوم مع عودة سعد الحريري إلى العمل السياسي، لأنه المنقذ للبنان وقادر على استقطاب الدعم” الخارجي.
ووصل سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق والذي كان يعدّ الزعيم السني الأبرز، إلى بيروت الأحد آتياً من دولة الإمارات حيث يقيم منذ مغادرته. وهي ثاني زيارة له منذ إعلانه “تعليق” نشاطه السياسي مع تياره مبررا قراره بأنه “لا مجال لأيّ فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني”.
وجاء ابتعاده عن العمل السياسي بعد سلسلة انتكاسات مني بها ماليا وسياسيا، وبعد استقالته من رئاسة الحكومة، مع بدء الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
وقالت دينا حليلحل (55 عاماً)، موظفة من منطقة بعلبك (شرق) “نطالب بعودة سعد الحريري إلى لبنان من أجل عودة الأمن والاستقرار” مضيفة “بغيابه ضاع البلد”. ودخل الحريري معترك السياسة بعد اغتيال والده، وكان يحظى بدعم سعودي قوي قبل أن تسوء علاقته مع الرياض التي تتهمه بعدم مواجهة حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان المدعومة من إيران.
وترك ابتعاده فراغاً في الساحة السنية، التي يعدّ تياره الأكثر تمثيلاً لها، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية والسياسية.
ويرى مراقبون أن الحريري لم يكن على قدر الرهانات التي وضعت عليه لجهة التصدي للمشروع الإيراني في لبنان، والدفاع عن سيادة البلد، لكن الإشكال هو غياب بدائل له حتى الآن لتسلم الساحة السنية، الأمر الذي قد يقود بعض الدوائر إلى إعادة الترويج له مجددا.
وكان الحريري التقى بعد وصوله إلى العاصمة اللبنانية عددا كبيرا من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والمرجعيات الدينية ورؤساء كتل نيابية، بالتوازي مع عودة مسؤولين وقياديين ونواب سابقين في تيار المستقبل إلى الظهور في شاشات التلفزة، للحديث عن أهمية الحدث.
وتجنب مسؤولو المستقبل الخوض في ما إذا كان الحريري يعتزم العودة مجددا إلى المشهد السياسي خصوصا قبيل الانتخابات البرلمانية المنتظر إجراؤها في عام 2026، مشددين على أنه صاحب القرار الوحيد بذلك.
وعلى وقع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، يشهد لبنان حالة من الشلل السياسي. ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر 2022، الذي كان وصل إلى سدة الرئاسة بموجب تسوية مع الحريري، فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد.
وتدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن. ويرى مراقبون أن عودة سعد الحريري إلى الساحة السياسية لن تقدم أو تؤخر في وضع البلاد شيئا حيث أنها لا تزال محكومة من طرف واحد هو حزب الله وحلفاؤه، مشيرين إلى أن أيّ عودة لرئيس تيار المستقبل سيكون الحزب المدعوم من إيران أبرز المرحبين بها، حيث أن من صالح الأخير وجود شخصية مثل الحريري تقود الساحة السنية، ويسهل التعامل معها، على خلاف والده الذي يجمع اللبنانيون على أنه شخصية لن تتكرر، لجهة إيمانه بالسيادة الوطنية.
وقال الوزير السابق محمد شقير، في ذكرى اغتيال الحريري، إن “كل يوم يمضي على غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري يشعر الناس بثقل غيابه ومساحة الفراغ التي تركها على مستوى لبنان والمنطقة”.
ورأى نقيب المعلمين نعمة محفوض، أن “أحدا لم يستطع ملء الفراغ الوطني والسياسي والاقتصادي الذي أحدثه غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.
وقتل رفيق الحريري الذي كان رئيساً لوزراء لبنان قبل استقالته في أكتوبر 2004، في 14 فبراير 2005 عندما فجّر انتحاري شاحنة مليئة بالمتفجرات أثناء مرور موكبه المصفّح في بيروت. وخلّف الهجوم 22 قتيلاً و226 جريحاً.
وحكمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من أعضاء حزب الله غيابيا بالسجن مدى الحياة بجرم “التآمر لارتكاب عمل إرهابي والتواطؤ في القتل المتعمد”.