ووفق أرقام الأمم المتحدة بلغ عدد النازحين نحو 86 ألف شخص، نسبة كبيرة منهم في مراكز الإيواء المنتشرة في صور وصيدا وبيروت وجبل لبنان، فيما بقي نحو 60 ألفاً في منازلهم وهم يعانون خسائر اقتصادية ونفسية وشخصية، وفق تأكيد منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا الذي زار بعض المناطق جنوب لبنان والتقى عدداً من العائلات هناك.
إلا أن هذه الأرقام الرسمية قد تكون أقل من الواقعية، إذ تشير مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية إلى أن الرقم الحقيقي قد يتجاوز 120 ألف شخص، فالإحصاءات لا تشمل كثيراً من الأشخاص الذين يمتلكون منزلاً ثانياً في بيروت أو الذين استأجروا منازل أو لجأوا إلى أقاربهم.
وتضيف أن نطاق الإحصاءات يشمل القرى المتاخمة للحدود والتي تقع جنوب نهر الليطاني، إلا أن توسع الاستهدافات الإسرائيلية إلى مناطق جنوب نهر الأولي في أقضية صيدا والنبطية وجزين، ومخاوف المواطنين من توسع مفاجئ لرقعة الحرب جعل كثيراً منهم يتركون منازلهم لتدبر أمورهم في مناطق يعتبرونها أكثر أمناً.
وبحسب مصادر في الهيئة العليا للإغاثة، بلغ عدد الوحدات السكنية المدمرة في قرى الجنوب نحو 280 مسكناً بصورة كاملة وحوالى 500 بشكل جزئي، إضافة إلى سقوط 28 مدنياً بينهم ثلاثة أطفال وثلاثة صحافيين، فضلاً عن مقتل نحو 200 عنصر من “حزب الله”.
وعلى الجانب الآخر، تسببت الهجمات التي ينفذها “حزب الله” في سقوط ثمانية مدنيين ومقتل 17 جندياً إسرائيلياً، وفق ما يعلنه الجيش الإسرائيلي والسلطات في تل أبيب.
إمكانات محدودة
وفي السياق يشير رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير إلى أنه حتى الساعة لا يزال نطاق الاشتباكات بصورة عامة ضمن قرى جنوب لبنان في ظل استمرار الخوف من إمكان توسعها، مما سيضع لبنان أمام كارثة خطرة، كاشفاً عن أن الأضرار تتفاقم بشكل يومي مع استمرار القصف.
وكشف خير عن أن الهيئة العليا للإغاثة دخلت على خط الأحداث منذ الأيام الـ20 الأولى لبدء الاشتباكات وباشرت في إحصاء الأضرار والتعويض على الأهالي وإغاثة النازحين بالإمكانات المتاحة على رغم محدودية الموازنة وهي أقل بكثير من الحاجة الفعلية، لافتاً إلى أن “مجلس الجنوب” يقوم بدور موازٍ بمساعدة العائلات في مراكز الإيواء.
وأكد رئيس الهيئة العليا للإغاثة أن أولويات عمل الهيئة الحالي هو التركيز على دعم المواطنين الصامدين في منازلهم وقراهم، وتأمين حاجاتهم الغذائية والصحية بهدف استمرار بقائهم.
قرى فارغة
ويشير سكان غادروا قراهم في الجنوب إلى أن حوالى 40 قرية حدودية باتت شبه خالية من السكان، فلم يعد هناك إلا من أجبرته ظروفه على البقاء.
في حين يواجه حوالى 4 آلاف طالب صعوبات في التعليم، إذ إن المدارس الرسمية أقفلت أبوابها منذ الأيام الأولى لانطلاق العام الدراسي بسبب القصف، وعلى رغم إصدار وزير التربية عباس الحلبي قراراً يتيح للمعلمين والطلاب الالتحاق بمدارس أخرى قريبة من أماكن نزوحهم، إلا أن أكثر من 30 في المئة منهم بقي خارج المدارس.
كذلك معظم المنشآت الحيوية والمؤسسات والمطاعم أقفلت أبوابها منذ الأيام الاولى للمعارك، مما أسهم في ارتفاع عدد النازحين وسط غياب الخدمات الأساسية في قراهم، في حين بدأت التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العملية العسكرية، إضافة إلى الضربات الجوية في عمق الجنوب تزيد من قلق السكان وتجعلهم ينزحون إلى أماكن أخرى، الأمر الذي رفع من أعداد النازحين.
منطقة عازلة
وبرأي رئيس بلدية يارون (قرية متاخمة للحدود الإسرائيلية) علي تحفة، فإن إسرائيل تسعى إلى عزل منطقة الشريط الحدودي، مشيراً إلى أن البلدة فرغت من معظم سكانها، وأنها دُمّرت بالكامل في حرب يوليو (تموز) 2006، ومع انتهاء الحرب عاد أهلها وبنوا منازلهم من جديد، متخوفاً من إعادة تدميرها بصورة كاملة.
ويكشف عن مخطط إسرائيلي لتدمير القرى الحدودية وتحويلها إلى قرى منكوبة غير قابلة للعيش، مؤكداً أن إسرائيل تتقصّد تدمير القطاعات الحيوية في القرى، بحيث يصعب إحصاء الأضرار التي لحقت بمزارع الدواجن والمواشي والمزروعات.
بدوره يشير رئيس بلدية كفركلا الحدودية حسن شيت إلى أن إسرائيل لم تتقبّل فكرة تحوّل مستوطناتها إلى مدن أشباح، لذا تحاول أن تجعل القرى الحدودية منطقة عازلة من خلال التدمير والتهجير، لافتاً إلى أن معظم سكان البلدة نزحوا إلى النبطية وصور، لا سيما أن الدمار بات يُخيّم على البلدة.
الدولية للهجرة
وكانت المنظمة الدولية للهجرة “آي أو إم” أصدرت تقريرها بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء الاشتباكات، فأشارت إلى نزوح أكثر من 82 ألف شخص من جنوب لبنان، لافتة إلى أنه تم تسجيل زيادة في أعداد النازحين بنسبة ثمانية في المئة خلال الأسبوع الأخير من إعداد التقرير بعد تصاعد التهديدات الإسرائيلية.
وأوضح التقرير أن غالبية النازحين (93 في المئة) ينحدرون من ثلاثة أقضية حدودية منهم 48 في المئة من بنت جبيل، و33 في المئة من مرجعيون، و12 في المئة من صور، وتوزعوا على خمس مناطق، فبنسبة 31 في المئة لجأوا إلى قضاء صور، و17 في المئة إلى قضاء النبطية، و15 في المئة إلى صيدا، بينما تسعة في المئة إلى بعبدا، وسبعة في المئة إلى بيروت والبقية توزعوا على مناطق أخرى.
وتفيد المنظمة الدولية للهجرة بأن نحو 80 في المئة من النازحين يقيمون عند عائلات مستضيفة، و17 في المئة استأجروا منازل، وانتقل واحد في المئة إلى مساكنهم الثانوية، بينما يعيش نحو اثنين في المئة منهم (1100 نازح) في 14 مأوى جماعياً.
ففي صور توجد خمسة مراكز إيواء جماعية تستوعب 758 نازحاً، وفي حاصبيا هناك سبعة مراكز إيواء تستضيف 152 نازحاً، وفي راشيا يوجد ملجأ جماعي واحد يستضيف 38 نازحاً، أما في صيدا فهناك ملجأ جماعي واحد يستضيف 153 نازحاً، كما أن 37 في المئة من النازحين هم من الأطفال و34 في المئة من الإناث و29 في المئة من الذكور.
وفي السياق يوضح المنسق الإعلامي في وحدة إدارة الكوارث باتحاد بلديات صور بلال قشمر أن “عدد النازحين إلى صور تجاوز 22400 نازح، وازدادت الحركة نتيجة توسيع الضربات على بنت جبيل التي كانت تستضيف مثلاً نازحين من يارون وعيترون والعديسة”.
ويشير قشمر إلى أن معدل النازحين يراوح يومياً ما بين 200 و300 نازح جديد، وأن الموجودين في مراكز الإيواء ليس لديهم أقارب لاستضافتهم أو مساكن بديلة أو قدرة على استئجار منازل، كاشفاً عن أن 10 في المئة من النازحين بصور دُمرت بيوتهم بالكامل، ويقول “قدرات الدولة ضعيفة جداً في مجال الإغاثة، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة والتضخم والغلاء، يشكل هذا النزوح ضغطاً كبيراً على الأسر والمناطق المستضيفة، وثمة مخاوف من تمدد الحرب، لأننا قد نكون عاجزين عن الاستجابة لجميع النازحين إذا تضاعفت أعدادهم”.