على مرمى 21 يوماً من موعد جلسةٍ يُراد أن تُسدَل معها الستارةُ على انتخاباتٍ رئاسيةٍ معلّقة منذ 26 شهراً على «جبالٍ» من تعقيدات محلية – إقليمية – دولية، كادت «الارتجاجاتُ» المستمرّة على أرض اتفاق وقْف النار بين لبنان واسرائيل، جنوب الليطاني وشماله، أن تحجبَ الاتصالاتِ المكوكيةَ التي تتكثّف مع «كواتم للصوت» في محاولةٍ لتوفير نصاب سياسي داخلي – خارجي لانتخابِ شخصيةٍ تعكس «المشهد الذي تَحوُّل»، كما الأبعادَ فوق العادية للزيارة التي سيقوم بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لـ «سورية الجديدة» يوم الأحد لتهنئة قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع بخروج «بلاد الشام» من «السجن الكبير».
وفي وقت تتقاطع المعطياتُ الرئاسية عند أن حظوظَ قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون ما زالت الأعلى، خصوصاً إذا كان ثمة إصرار على أن تَنتهي جلسة 9 يناير المقبل بانتخابِ الرئيس رقم 14 للبنان استباقاً لموعد 20 يناير الأميركي وما قد يَحمله من رياح غير متوقَّعة إضافية قد تعمّق خلط أوراق وحرْق أخرى، مضت اسرائيل في «توقيعِ» المزيد من الخروق لوقف النار الذي تتفيأه لتنفيذ مَضامين الاتفاق، لجهة ما تزعم أنه تفكيك البنية العسكرية لحزب الله، «بيدها» في شريطٍ يضمّ أكثر من 60 بلدة في جنوب لبنان حيث تمعن في «حرية التصرف» جارفةً منازل وممتلكاتٍ في نطاقاتٍ لم تَبْلغها خلال الحرب.
400 خرق
وعلى وقع هذه الخروق، التي تجاوزت 400 منذ 27 نوفمبر الماضي، والأبعاد البالغة الخطورة لمَلامح أول «نَفَسٍ استيطاني» عبّر عنه عبور مواطنين إسرائيليين، يَنتمون الى حركةٍ تَهدف لإقامة مستوطنات في جنوب لبنان، الحدود مع «بلاد الأرز» حيث نصبوا خياماً في منطقة مارون الراس، عقدت اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة عبر الجنرال جاسبر جيفرز وتضمّ ضباطاً من فرنسا ولبنان واسرائيل و«اليونيفيل» ثاني اجتماع لها في الناقورة حيث بحثت في إدارة تل أبيب الظهر للمطالبات السابقة بوقف الانتهاكات التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي براً، في جنوب الليطاني وشماله، وجواً في كل لبنان وصولاً الى بيروت وضاحيتها الجنوبية.
وإذ التأمتْ اللجنة على وهج توغُّل القوات الاسرائيلية في الناقورة التي تحتضن مقرّ «اليونفيل» (تبعد نحو 3 كيلومترات عن الحدود) والتي أكد رئيس بلديتها عباس عواضة أن نسبة الدمار في البلدة ارتفعت من 35 في المئة إلى 70 في المئة بعد دخول قرار وقف النار حيّز التنفيذ، ساد ترقُّبٌ لِما يمكن أن تتخذه «الخماسية» لوضع حدّ للخروق الاسرائيلية وتسريع وتيرة انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني بعد أن ينسحب الجيش الاسرائيلي الذي لم يتراجع حتى اليوم إلا من بلدة الخيام.
وفي ظلّ اقتناعٍ بأن تل ابيب تتعمّد اتباعَ ما يشبه سياسة «كيّ الوعي» لتأكيد «تفوُّقها» في مرحلة هدنة الستين يوماً رَبْطاً بمجريات حرب الـ 65 يوماً التي سبقتْها، وتكريس رسالةِ أنها تريد إنهاء وضعية «حزب الله» العسكرية في كل لبنان بعد هذه الفترة الانتقالية ولو تَطَلَّب الأمر أن تفعل ذلك بنفسها، مستفيدة من «عدم قدرة» أو «عدم رغبة» الحزب في منْحها فرصة توجيه «ضربة قاضية» له، لم يَكن عابراً رفْع لبنان مستوى «الشكوى» إلى الموفد الأميركي أموس هوكشتاين الذي يتشارك قيادة «الخماسية» كرئيسٍ «مدني» (مع الجنرال جيفرز) كان له الدور المركزي في هندسة اتفاق وقف النار وترسيم حدوده ومضامينه المعلَنة كما «السرية» الملحَقة في كتاب ضمانات أميركي لاسرائيل.
وفي الإطار، كشفت قناة «العربية» أن رئيس البرلمان نبيه بري اتصل بهوكشتاين وشكا له استمرار إسرائيل في جملة من الخروق واستهدافها عدداً لا بأس به من المدنيين، كما ركّز على «أن اسرائيل تواصل تدمير مئات من المنازل خصوصاً في البلدات الحدودية وكان آخرها في الناقورة».
«استيطان» إسرائيلي!
في موازاة ذلك، أعلن الجيش الاسرائيلي أن «مواطنين إسرائيليين عبروا الحدود إلى لبنان ونصبوا خياماً في منطقة مارون الراس»، وأن «التحقيق جار» في هذا الحادث الخطير.
وإذ لم يحدد الجيش الاسرائيلي تاريخ هذا الحادث وهل هو مغاير لحَدث مشابه وقع قبل أيام، استُحضر في بيروت تقرير لصحيفة صحيفة jewish press نُشر في 9 ديسمبر وفيه أن أعضاء حركة أوري تسافون (استيقظي يا ريح الشمال) التي تهدف إلى إقامة المستوطنات اليهودية في جنوب لبنان، قامت بأول نشاط ميداني لها خلال نهاية الأسبوع، مع وصول العشرات منهم إلى بلدة مارون الرأس حيث أقاموا تجمعاً وأطلقوا عليه اسم مي ماروم (ماء من السماء).
وقالت المجموعة في بيان إن «إسرائيل وجدت في كثير من الأحيان أنه ليس لديها خيار سوى غزو لبنان لضمان أمنها»، معتبرة أن «هناك قاعدة حديدية في التاريخ الإسرائيلي الحديث: أي مكان تنسحب منه إسرائيل يصبح دولة معادية من النوع الأكثر وحشية. وهذا كان صحيحا في غزة، وكان صحيحا أيضا في لبنان».
ووصف البيان جنوب لبنان بأنه «ببساطة الجليل الشمالي. إن الحدود الطبيعية الواضحة بين إسرائيل وجبال لبنان تمتد على طول نهر الليطاني (…) وعندما تنظر إلى الحدود، لا فارق بين راميا اللبنانية وشتولا الإسرائيلية، ولا بين يارون اللبنانية وكيبوتس يارون الإسرائيلي.
إن الحدود الإسرائيلية الحالية مصطنعة تماما مثل الجدار الذي بنته إسرائيل على طولها في الأعوام الأخيرة. لا يوجد شيء مقدس في اتفاقيات سايكس بيكو ومؤتمر باريس الذي أنشأ هذه الحدود، وليس هناك ما يمكن الدفاع عنه في حدود لا تكلف نفسها عناء أن تأخذ في الاعتبار سلاسل الجبال والوديان. مجرد خط على الخريطة».
جنبلاط إلى دمشق
في الأثناء، تصدَّرت الاهتماماتُ الداخلية الزيارة الاستثنائية التي سيقوم بها جنبلاط على رأس وفد من طائفة الموحدين الدروز ومن كتلة «اللقاء الديمقراطي» لدمشق لتهنئة أحمد الشرع بـ «انتصار الشعب السوري وانتصار الحرية في لبنان وسورية».
وتكتسب زيارة جنبلاط، المرتقبة يوم الأحد، أهميتها ليس فقط لأنها الأولى لزعيم أو مسؤولٍ لبناني لدمشق بعد سقوط «حُكْم الأسديْن»، بل أيضاً لِما تعبّر عنه من تأثيراتٍ على الواقع الدرزي في «سورية الجديدة» التي «تكمن» لها اسرائيل عبر توغّلاتها التي يمكن أن تتحوّل «قنابل موقوتة»، ناهيك عن أن هذه المحطة مدجَّجة بتاريخ مديد من علاقةِ «قلوب مليانة» بين الزعيم الدرزي و«سورية الأسد» التي اغتالت «المعلّم» كمال جنبلاط في 1977 ليتسّلم نجله بعده عباءة الزعامة في أوج الحرب اللبنانية مُعْلياً بعدها «أسامح (من اغتال والده) ولا أنسى»، قبل أن تشهد العلاقة مع دمشق تذبذباتٍ تعمّقتْ منذ انتقال السلطة الى بشار الأسد العام 2000.
وإذ تُوِّج التوترُ بين جنبلاط ودمشق عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري (فبراير 2005) وتشكيل الزعيم الدرزي «كاسحة ألغام» سياسية بوجه «الوصاية السورية» على لبنان جنباً الى جانب مع المعارضة المسيحية والحريري (قبل تفجير موكبه) وبعدها مع الرئيس سعد الحريري، فإنّ من أكثر المحطات تعبيراً عن «حرق المراكب» مع الأسد كانت في 2007 حين وصف الرئيس السوري بـ «طاغية دمشق» ناعتاً إياه بـ «يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا أفعى هربت منه الأفاعي، يا حوتاً لفظتْه البحار، يا وحشاً من وحوش البراري، يا مخلوقاً من أنصاف الرجال، يا منتجاً إسرائيلياً على أشلاء الجنوب وأبناء الجنوب».
وفي حين جاءت زيارة جنبلاط لدمشق في 2009 بمثابة «استراحة محارب» وضعها في إطار «الواقعية» و«التموْضع في الوسط»، فإن العبارة الأكثر تعبيراً عن هذا الخيار و«موجباته» أطلقها في 2011 (عقب الثورة السورية) حين قال إنه مع «عدالة القدر» مضيفاً «أجلس على ضفة النهر وأنتظر، ولا بد أن يوماً ما ستمرّ جثة عدوي من أمامي».
أردوغان وميقاتي
تركياً، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، لدى استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، إن البلدين اتفقا على العمل معاً في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك إن «حقبة جديدة بدأت الآن في سورية. نتفق بأن علينا العمل معا كجارين مهمين لسورية».وأكد أنه «لا يمكن النظر إلى أمن لبنان بمعزل عن استقرار المنطقة ولا يمكن تحقيق السلام من دون وقف إطلاق النار والسلام الدائم في غزة».