في اليوم 250 على اشتعالها، بدت جبهةُ المشاغَلة في الجنوب اللبناني أمام أخطر منعطفٍ في ضوء ارتفاع منسوب المواجهاتِ إلى مستوى غير مسبوق على المقلبيْن وبدرجةٍ أعلى من جانب «حزب الله» الذي يَمْضي في «استدعاء» إسرائيل إلى حيث يَعتقد أنها «لن تجرؤ»، في سياق محاولته رَدْعها عن المزيد من استنزاف قادة وكوادر فيه بالاغتيال وإبقاء «إيقاع» المعارك وجغرافيتها في يده، وجَعْلِ تل أبيب «تعدّ إلى الألف» قبل التفكير في حربٍ واسعة لتغيير مَوازين المَيْدان وإسقاطها على المَسار الذي سيَحْكُم «اليوم التالي» لبنانياً.
ولم يكن عابراً أن ينطبع 13 يونيو 2024 بأنه يومُ «أولِ مَرة» على مستويات عدة، دفع تَقاطُعُها بالكثيرين في الداخل والخارج إلى استشعارِ أن الحربَ المحدودةَ تقف على مشارف الخروج عن السيطرة، وأن «الأرض تهتزّ بعنفٍ» تحت الحدود اللبنانية – الإسرائيلية التي تَحكمها منذ 8 أكتوبر مواجهاتٌ تتصاعد وتيرتها أحياناً وتخفّ أحياناً أخرى ولكنها بقيتْ منضبطةً ومحسوبةً على قاعدة أن طرفيْ المعركة لا يريدان صِداماً لن يكون إلا… مروّعاً.
«هجوم مركب»
وأبرز تطورات «أول مرة» هي:
– شنّ «حزب الله» الهجوم الأوسع والأشمل على إسرائيل منذ بدء الحرب في الجنوب، وذلك بهجوم مركّب بـ150 صاروخاً و30 مسيّرة انقضاضية استهدفت 15 موقعاً عسكرياً، دفعة واحدة، في الجليل والجولان المحتلّ.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأنّ صفارات الإنذار دوّت لأكثر من نصف الساعة من دون توقّف في عدد كبير من مستوطنات الشمال، وأن ما لا يقلّ عن 15 حريقاً اندلع في الجولان والجليل الأعلى، وأنّ صاروخاً أصاب هدفاً بشكل مباشر في صفد (حيث تلقّت المدارس توجيهات بإنهاء اليوم الدراسي) وأن إسرائيلييْن أصيبا في كتسرين (الجولان) وأنّ أضراراً مباشرة لحقت بأحد المباني في كيبوتس يرؤون.
وبعدما نقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر في «حزب الله»، أنّ «الهجوم المركب في الجولان والجليل هدفه ردع إسرائيل والردّ على اغتيال القائد العسكري طالب عبدالله (في بلدة جويا)»، أعلن الحزب في بيان، أنه في هذا الإطار شنّ «هجوماً مشتركاً بالصواريخ والمسيَّرات حيث استهدف بصواريخ الكاتيوشا والفلق 6 ثكن ومواقع عسكرية هي: مرابض الزاعورة، ثكنة كيلع، ثكنة يوأف، قاعدة كاتسافيا، قاعدة نفح وكتيبة السهل في بيت هلل».
وأضاف: «بالتزامن شن مجاهدو القوة الجوية بعدة أسراب من المسيّرات الانقضاضية هجوماً جوياً على قاعدة دادو (مقر قيادة المنطقة الشمالية)، وقاعدة ميشار (مقر الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة الشمالية المسؤولة عن الاغتيالات) وثكنة كاتسافيا (مقر قيادة اللواء المدرع النظامي السابع التابع لفرقة الجولان 210)، وأصابت أهدافها بدقة».
«بتوجيه من إيران»
– ان إسرائيل صعّدت لهجتها لأعلى مستوى في ضوء الأبعاد العميقة لصورة تَحوُّل الشمال «حقلَ رمايةٍ» وفقدانها بالكامل القدرةَ على ردع «حزب الله» عن توسيع نطاق استهدافاته وفرْض قواعد اللعبة من دون أن يكون في وسعها الخروج من وضعية الدفاع إلى الهجوم.
وفي الإطار، حمّلت إسرائيل الحكومة اللبنانية والحزب بـ «توجيه من إيران»، «المسؤولية الكاملة» عن تزايد العنف عبر الحدود، ملمحة إلى أن تصعيداً قد يجري التخطيط له.
وإذ قال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر أنه «سواء من خلال الجهود الديبلوماسية أو غير ذلك، فإن إسرائيل ستستعيد الأمن على حدودنا الشمالية»، أكد أن تل أبيب ستردّ بقوة على كل اعتداءات «حزب الله».
قلق دولي
– تسجيل واشنطن والمجتمع الدولي أعلى قلق من الغليان على جبهة الجنوب، وهو ما عبّر عنه ما نُقل عن مسؤول أميركي رفيع المستوى من «اننا نشعر بالقلق الشديد حيال التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ونسعى إلى منع تحوُّل الوضع عليها إلى حرب شاملة»، قبل أن يؤكد قادة مجموعة السبع بعد اجتماعهم في إيطاليا «اننا قلقون للغاية» إزاء الوضع على امتداد هذه الحدود.
سلاح العصور الوسطى
– «أول ظهور» للجيش الإسرائيلي بـ «لباس» العصور الوسطى، وفق ما ظهّره مقطع فيديو نشره جندي على موقع «إكس» قبل أن يقوم بحذفه لاحقاً لقيام جيشه باستخدام «المنجنيق» لإطلاق قذائف نار على جنوب لبنان عبر جدار خرساني بارتفاع أمتار عدة، بهدف إشعال الحرائق.
وتحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن استخدام الجيش «سلاحاً من العصور الوسطى، كما في روما»، لتنفيذ عملياته ضدّ الأراضي الزراعية.
ونقلت القناة 12 عن «الرقابة العسكرية» أنّ «الجيش يستخدم أداة تشبه المنجنيق، وهو سلاح معروف من العصور الوسطى، وذلك لتنفيذ عمليات كشْف بإشعال حرائق في جنوب لبنان».
والكشف هو مصطلح للجيش الإسرائيلي «يصف الإجراء الذي يكشف فيه عن طرق إزالة العوائق والأشياء التي قد تعوق مجال الرؤية أو العبوات الناسفة أو التموضعات العسكرية، بما في ذلك التعرجات والنباتات والأشجار والبساتين والمباني».
وتابعت القناة «أنّ أعمال الكشف تجري عادة باستخدام جرافات مدرعة طراز (D9)، لكن الجيش اختار الطريقة القديمة على الحدود اللبنانية».
كما أوردت صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن الجنود استخدموا هذه الطريقة بهدف إشعال النباتات الجافة لمنع مقاتلي «حزب الله» من الاختباء في المنطقة، لافتة إلى أن الجيش استخدم في البداية الزجاجات الحارقة (المولوتوف).
وأشارت إلى تقارير عن أن قادة الجيش لم يعجبهم الحلّ «الإبداعي والتاريخي» الذي وجده الجنود، وفق تعبيرها، وقرّروا تنفيذ عمليات الحرق بمساعدة طائرات مسيّرة لإلقاء القنابل.
وقوبل هذا الفيديو بتعليقات ساخرة من إسرائيليين اعتبروا «اننا عدنا حرفياً إلى القرون الوسطى»، في الوقت الذي لطالما توعّدت تل أبيب بإعادة لبنان «إلى العصر الحجري».
الامبراطورية الفارسية
– عودة إيران إلى زمن الامبراطورية الفارسية في إسقاطٍ على دور «حزب الله» في إعادة «أمجادها»، وفق ما عبّر عنه إعلان المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى والقائد السابق للحرس الثوري اللواء يحيى رحيم صفوي من أن «الإيرانيين وصلوا ثلاث مرات إلى البحر الأبيض المتوسط، مرتان منها في عهدي الملكين الأخمينيين، قورش الأول وأحشويروش أو خشايارشا الأول، وآخر مرة بواسطة حزب الله».
وقال صفوي (كما نقلت قناة «العربية»): «توجّهنا إلى البحر الأبيض المتوسط نحو 500 سنة قبل الميلاد، حيث ذهب قورش الكبير إلى أورشليم وحرر أورشليم واليهود».
وأضاف: «وفي عام 480 قبل الميلاد، قاد الملك خشايارشا الأول 600 ألف جندي من إيران إلى الأناضول، وعبروا مضيق الدردنيل أو مضيق البوسفور، واستولوا على اليونان، وللمرة الثالثة، مع تشكيل جبهة المقاومة وبواسطة حزب الله، أصبحنا نحن في جوار البحر الأبيض المتوسط».
في موازاة ذلك، صعّدت إسرائيل من استهدافاتها لجنوب لبنان حيث شنّت غارات على أطراف عرمتى في جبل الريحان (قضاء جزين)، والعديد من البلدات على الحافة الحدودية.
وإذ أدت غارةٌ على محيط القطراني إلى نشوب حريق كبير في جبل بوراشد (منطقة جزين)، تَسَبَّب استهداف أطراف بلدة مرجعيون (تُستهدف للمرة الثانية منذ بدء الحرب) جوياً باشتعال النار في حرش بركات خلف مستشفى مرجعيون الحكومي.