صمود الهدنة غير المعلنة مع لبنان لستة أيام، لا يلغي احتمال حربٍ قد تشنّها إسرائيل على جبهتها الشمالية في أي وقت، في ظلّ عوامل عدّة أبرزها رفض المستوطنين العودة إلى المناطق القريبة من الحدود مع لبنان، ما دام أن خطر «حزب الله» لا يزال قائماً، إلا أن المتابعين لمسار الأحداث استبعدوا أن «يجازف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحرب مع لبنان، ما لم يحظ بضوء أخضر أميركي، وهذا الضوء لا يبدو متوفراً حتى الآن».
ومع تراجع وتيرة التوتّر، فإن الحياة لم تعد إلى طبيعتها في جنوب لبنان؛ إذ أكد مصدر أمني بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع لا يزال مقلقاً، في ظلّ الاستنفار الإسرائيلي القائم». وأوضح أن «المواطنين الذين نزحوا من البلدات الحدودية ما زالوا خارج منازلهم ولا يأمنون العودة، باستثناء الذين تفقدوا الأضرار التي لحقت بأرزاقهم وعادوا إلى الداخل اللبناني»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الجيش الإسرائيلي ما زال بحالة استنفار كامل، وبدأ بترميم المواقع التي استهدفها (حزب الله)، وهذا ما يبقي التوتر على حاله».
وشهدت الحدود اللبنانية – الإسرائيلية خروقات متكررة من الجانب الإسرائيلي، بدأت بإطلاق الجيش الإسرائيلي ليل الأحد الماضي أربع قذائف مدفعية أصابت أطراف بلدة مروحين، كما استهدفت قذيفة إسرائيلية بلدة عيتا الشعب الحدودية صباح الثلاثاء الماضي، أما آخر هذه الخروقات فتمثّل بإطلاق جنود إسرائيليين النار من داخل موقع العباد، على دورية للجيش اللبناني كانت قريبة من موقع لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل»، من دون أن تؤدي إلى إصابات. ورأى مراقبون أن هذه العمليات تندرج في سياق المحاولات الإسرائيلية لاستدراج «حزب الله» إلى ردّ كبير قد تتخذ منه تل أبيب سبباً لإشعال الجبهة الشمالية.
صحيح أن الهدنة مع غزّة قد تمدد، ما دامت عملية تبادل الرهائن والأسرى تتقدّم، لكن ذلك لا يمنع نتنياهو من التورّط في حرب مع «حزب الله»، للهروب من أزمته الداخلية التي تهدد مصيره ومصير حكومته، واعتبر رئيس «لقاء سيّدة الجبل» النائب السابق فارس سعيد، أن «خطر إشعال الجبهة الجنوبية قائم بقوّة؛ لأن المستوطنين الإسرائيليين الذين هجّروا من المستوطنات الشمالية، يضعون نتنياهو أمام تحدي ضمان أمنهم عبر التخلّص من خطر (حزب الله)». ورأى سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ضمان أمن شمال إسرائيل يقع على عاتق حكومة نتنياهو، وهذا يحصل إما بحرب مع (حزب الله)، وإما بالتفاهم مع إيران التي تمسك بقرار جبهة لبنان، وأعتقد أن الأمور تنحو باتجاه التفاهم مع إيران، وعندها لن يشعل (حزب الله) هذه الجبهة».
وتستمرّ التهديدات الإسرائيلية للبنان على لسان نتنياهو ووزير خارجيته يوآف غالانت ورئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، والتلويح بإعادته إلى القرون الوسطى في حال أقدم «حزب الله» على قصف مواقع استراتيجية في العمق الإسرائيلي، لكن لا يبدو أن الحزب بوارد منح إسرائيل هذه الفرصة لاعتبارات متعددة، وبرأي فارس سعيد، فإن «إيران قطفت ثمار عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول)؛ إذ نجحت بإجراء مفاوضات سرّية مع أميركا عبر الوسيط القطري، من أجل إطلاق سراح الأسرى الأجانب، وهي ما زالت تفاوض سراً على ضمان أمن شمال إسرائيل، لذلك فإن خطر اندلاع الحرب بات أقلّ مما كان عليه قبل بدء سريان الهدنة»، مشيراً إلى أن «(حماس) التي دخلت في 7 أكتوبر إلى المستوطنات في غلاف غزّة تنكل بالإسرائيليين وتعتقل المدنيين، عادت الآن لتعطي صورة إنسانية عبر إطلاق الأسرى على مرأى من العالم»، معتبراً أن «كل يوم هدنة هو مكسب إيراني».
تدرك تل أبيب، كما «حزب الله»، أن الحرب بينهما ليست نزهة، وستكون نتائجها مدمّرة على الجانبين، ولم يستبعد المنسق السابق للحكومة اللبنانية مع قوات «اليونيفيل» العميد منير شحادة، أن «يذهب نتنياهو إلى إشعال الجبهة الشمالية ليهرب من استقالة حكومته أو محاكمته شخصياً». لكنه أشار إلى أن الإسرائيلي «يدرك أن هذه الحرب ستكون مدمّرة ليس على لبنان بل على كامل إسرائيل». وأوضح شحادة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «(حزب الله) ورغم مضيّ أيام على الهدنة يقف بكامل جهوزيته على الحدود الجنوبية ويتحضّر لكل الاحتمالات». وأضاف: «لقد كشفت الهدنة عن مدى الخسائر التي لحقت بإسرائيل على طول الخطّ الأزرق مع لبنان، وبيّنت أنه تمّ تدمير خمسة مواقع كبيرة بواسطة صواريخ (بركان)، وأعتقد أن الإسرائيلي القادر على إلحاق دمار هائل بلبنان، بات مقتنعاً بأن (حزب الله) يمتلك قدرات عسكرية كبيرة».
ثمة من يراهن على دور أميركي في كبح جماح إسرائيل، ومنعها من التورّط في جبهة جديدة تنذر بحرب واسعة، ولفت العميد شحادة إلى أن «أميركا ليست بوارد إعطاء ضوء أخضر لنتنياهو لشنّ حرب على لبنان، والمؤكد أن الأخير لن يشعل الحرب إلا بموافقة أميركية».