فرضت إسرائيل على لبنان حزاماً نارياً كثيفا قبل إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، ووسعت نطاق غاراتها الجوية في الجنوب والبقاع وبعلبك، فضلا عن بيروت التي أصدرت أوامر إخلاء لعدد من أحيائها خارج نطاق الضاحية الجنوبية لأول مرة منذ بدء الحرب، وشملت رأس بيروت والمزرعة والمصيطبة وزقاق البلاط، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه «هجوم جوي نهائي واسع على البنية التحتية لحزب الله».
وإذ صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي على اتفاق وقف النار على أن يبدأ صباح اليوم، وفي أول رد فعل غربي على الاتفاق، نقلت شبكة «سي بي إس» عن مسؤول أميركي أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ينظر بإيجابية إلى خطة وقف إطلاق النار بعد أن تم إطلاع فريقه عليها.
وقال مرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي مايك والز: تسعدنا رؤية خطوات لخفض التصعيد بالشرق الأوسط.
من جهته، طالب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي المجتمع الدولي بـ «تنفيذ فوري» لاتفاق وقف إطلاق النار، منددا بقصف «هستيري» طال العاصمة بيروت.
وقال ميقاتي في بيان إن «المجتمع الدولي مطالب بالعمل سريعا على وقف هذا العدوان وتنفيذ وقف فوري لإطلاق النار»، معتبرا أن «العدوان الإسرائيلي الهستيري على بيروت ومختلف المناطق اللبنانية والذي يستهدف بشكل خاص المدنيين يؤكد مجددا ان العدو الإسرائيلي لا يقيم وزنا لأي قانون او اعتبار».
وكان الثلج المصنف في لبنان ذهبا أبيض حمل الخير إلى اللبنانيين، مع اعلان اتفاق وقف الحرب الإسرائيلية الموسعة على البلاد التي شنتها إسرائيل اعتبارا من 23 سبتمبر الماضي، بعد حرب مضبوط إيقاعها منذ 8 أكتوبر 2023.
ثلج خالف هذه المرة مثلا شائعا حول ذوبان الثلج وظهور المرج، اذ جاء ليطمس آثار الدمار ورائحة الموت التي لفت البلاد، مودية بأكثر من 3768 قتيلا حتى مساء الاثنين، وفق إحصاء رسمي صادر عن وزارة الصحة العامة، إلى خراب طال البيوت والبلدات وقضى على معالم الحياة في مناطق واسعة بالجنوب تحديدا.
وسيمر وقت طويل تتحول فيه النقاشات في لبنان سجالا بين مكوناته حول نتائج الحرب وتصنيفها بين انتصار وهزيمة وبدء مرحلة جديدة. إلا أن الثابت أن البلاد ستنتقل إلى مرحلة انتظرتها منذ ردح طويل من الزمن، تحديدا منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أكتوبر 1990، وصولا إلى تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو العام 2000، وقبلها الإخفاق في نزع السلاح غير الشرعي من الأطراف جميعهم.
في أي حال، يقف لبنان أمام مرحلة جديدة يراد منها عودة مؤسسات الدولة وانتظام عملها، وفي طليعتها رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة بصلاحيات تتجاوز تصريف الأعمال. وهذا أمر مدرج ضمن ملحق خاص بالجانب اللبناني في اتفاق وقف إطلاق النار، ومحدد ضمن مهلة الـ 60 يوما. ومتوقع انطلاق خطواته التنفيذية في «اليوم التالي» لوقف العمليات الحربية.. يوم يعول عليه اللبنانيون في رفع الركام وإعادة الإعمار، لا بل إعادة بناء البلاد على أسس واضحة ومداميك صلبة.
ولا بد من الإشارة إلى ان لبنان نجح في تسويق الحل الديبلوماسي غير العسكري للحرب، وكانت لمقاومته كلمتها في الميدان في «الوقت القاتل» من الحرب، وبمواكبة من أهل السياسة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقيادة الجيش بشخص العماد جوزف عون، لجهة حماية الموقف العسكري اللبناني على الأرض، على الرغم من الانتقادات الداخلية التي تعدت الملاحظات.. وبدا لبنان الرسمي متماسكا ومعولا على الميدان لكسر الغطرسة العسكرية الإسرائيلية.
كذلك لا بد من الإشارة إلى ضبط الحرب الإسرائيلية الشرسة من قبل المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والحاضنة العربية لجهة التمسك بلبنان وعدم تركه فريسة أمام إسرائيل، التي خاضت حربا شرسة ضد «حزب الله» وعبره أمام إيران.
حرب جنب فيها المجتمع الدولي البلاد التعرض لتدمير مكوناتها من بنى تحتية أساسية، في طليعتها التواصل مع العالم عبر مطار بيروت الدولي، وتأمين صمود اللبنانيين في عدد واسع من المناطق، بتكريس الحياة الطبيعية إلى حد كبير.
وكانت نشطت في الساعات الأخيرة الاتصالات من أجل إنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار من المعارضة المتشددة لليمين الاسرائيلي المتطرف الرافض لوقف الحرب. وركزت المساعي في إسرائيل على ضرورة التمسك بما تحقق وعدم التفريط بالاتفاق. ولعبت الولايات المتحدة الأميركية عبر نائب وزير الدفاع دان شابيرو خلال اجتماعاته في تل أبيب دورا في جعل إسرائيل تتراجع عن بعض الشروط.
هذا وتتولى الحكومة اللبنانية في اجتماعها برئاسة الرئيس ميقاتي الذي حدد التاسعة والنصف قبل ظهر اليوم الأربعاء في السرايا، إعلان الاتفاق عن لبنان بناء على طلب وإلحاح رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكان الأخير طمأن الجنوبيين بانتهاء الحرب، في رسالة صوتية لعضو كتلة «المقاومة والتحرير» التابعة لحركة أمل النائب علي خريس. ونقل فيها إلى المحازبين إشادة الرئيس بري بصمودهم، وخصوصا عناصر الإسعاف والدفاع المدني التابع للحركة، الذين سقط منهم العشرات باستهداف مباشر من الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عمليات رفع الأنقاض ونقل الجرحى. وقد أمعن الجيش الاسرائيلي في منع نقل الجرحى وتركهم ينزفون حتى الموت. وهناك عدد لا يحصى من الذين قضوا تحت الركام، ولم تتمكن قوات «اليونيفيل» وأفراد الصليب الأحمر الدولي من الوصول اليهم على الرغم من المحاولات المتكررة.
وفيما كان لبنان قد انجز ما هو مطلوب منه في الاتفاق قبل أسبوع خلال زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وبقي ينتظر الموقف الإسرائيلي، حيث كان الانتظار ثقيلا وسط الغارات المتواصلة والمجازر في الجنوب والبقاع، ومع ترقب الرد الإسرائيلي، كانت الابنية في الضاحية الجنوبية تتساقط الواحدة تلو الأخرى بفعل الغارات بأقوى أنواع الصواريخ التي يزن الواحد منها 2000 رطل.
وأعلن أنه قصف 20 موقعا في بيروت خلال دقيقتين، منها 13 هدفا في الضاحية الجنوبية، بينها مركز للوحدة الجوية ومقر استخبارات و7 أهداف لإدارة وتخزين أموال تابعة لحزب الله ومقار قيادة وفروع لجمعية القرض الحسن. وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من عدة مناطق بعدما كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنذر سكان 20 بناء ومحيطها بإخلائها.
من جهتها، قالت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية إن طيران الاحتلال الإسرائيلي دمر مبنى قرب «جامع خاتم الأنبياء» في النويري ببيروت، وقالت وزارة الصحة إن الغارات على العاصمة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
وفي الجنوب، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، بأن قوات من لواء غولاني وصلت إلى منطقة نهر الليطاني على عمق 10 كيلومترات.
وقبل أن يتم الاعلان عن وقف إطلاق النار أيضا، حذر وزير الدفاع يسرائيل كاتس، خلال اجتماعه في تل أبيب مع مبعوثة الأمم المتحدة بلبنان جينين هينيس بلاسخارت، من أن أي خرق للاتفاق، مثل إعادة التسلح في الجنوب، سيدفع إسرائيل إلى التصرف «بحزم».
بنود اتفاق وقف إطلاق النار
كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، والذي يتضمن التالي:
٭ حزب الله، وجميع الجماعات المسلحة الأخرى الموجودة في الأراضي اللبنانية، لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل.
٭ إسرائيل، في المقابل، لن تقوم بأي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك على الأرض، وفي الجو وفي البحر.
٭ إسرائيل ولبنان تعترفان بأهمية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
٭ هذه الالتزامات لا تلغي حق إسرائيل أو لبنان في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.
٭ القوات الأمنية والعسكرية الرسمية في لبنان ستكون المجموعات المسلحة الوحيدة المرخص لها بحمل الأسلحة أو تشغيل القوات في جنوب لبنان.
٭ أي بيع وتوريد وإنتاج أسلحة أو مواد متعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف ورقابة الحكومة اللبنانية.
٭ سيتم تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المشاركة في إنتاج الأسلحة والمواد المرتبطة بها.
٭ سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة التي لا تفي بهذه الالتزامات.
٭ سيتم تشكيل لجنة تكون مقبولة لدى إسرائيل ولبنان، وتقوم بمراقبة ومساعدة ضمان تنفيذ هذه الالتزامات
٭ إسرائيل ولبنان سيبلغان اللجنة وقوات «اليونيفيل» عن أي انتهاك محتمل لالتزاماتهما.
٭ سينشر لبنان قواته الأمنية الرسمية وقواته العسكرية على طول الحدود والمعابر كافة والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية الموضح في خطة الانتشار.
٭ ستسحب إسرائيل قواتها بشكل تدريجي جنوب الخط الأزرق خلال مدة تصل إلى 60 يوما.
٭ ستعمل الولايات المتحدة على تعزيز المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان للوصول إلى حدود برية معترف بها.