منذ الضربة الإسرائيلية التي اغتالت القيادي العسكري الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر داخل شقة بمبنى سكني في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، يضع عدد من سكان هذه المنطقة خططاً بديلة في حال اندلعت حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل.
وخطط معظم هؤلاء تقوم على الانتقال للسكن مع الأقارب في مناطق آمنة أو استئجار منازل في بلدات ذات هيمنة مسيحية أو درزية أو سنيّة، والتي تعتبر في الغالب أكثر أمناً من المناطق ذات الأكثرية الشيعية حيث يحظى “حزب الله” بالدعم وحيث يقيم مقاره وعملياته الأساس.
لكن بالنسبة إلى عدد قليل من سكان الضاحية فإن خطة الطوارئ هي الانتقال إلى سوريا، فعلى رغم أن هذه الدولة المجاورة قد دخلت عامها الـ 14 من الحرب، إلا أن القتال فيها متوقف منذ فترة طويلة في معظم أنحاء البلاد.
ويزور كثير من اللبنانيين دمشق بانتظام، إذ يحق لهم عبور الحدود من دون تأشيرة، كما أن الإيجارات السكنية في سوريا أرخص بكثير من لبنان.
التصعيد عقب اغتيال شكر
وفي الـ 30 من يوليو (تموز) الماضي قتل إلى جانب شكر طفلان وثلاث نساء وأصيب العشرات في الضربة الموجهة التي استهدفت الشقة حيث كان القيادي في “حزب الله”.
وقبيل هذا الاغتيال كانت العاصمة اللبنانية بمنأى عن القصف اليومي المتبادل بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي عند الحدود، والذي دفع منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نحو 100 ألف شخص في جنوب لبنان وعشرات الآلاف في شمال إسرائيل لترك منازلهم والنزوح هرباً من النيران، فعقب الهجوم الذي شنته حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واعتقال 250 رهينة، بدأ “حزب الله” إطلاق صواريخه على شمال إسرائيل دعماً لـ “حماس” وإسناداً لمقاومتها في غزة، فيما ردت تل أبيب بشن حرب على القطاع أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
وفي الأسابيع الأخيرة بعد اغتيال شكر بدا الصراع في لبنان بين “حزب الله” وإسرائيل على وشك الخروج عن السيطرة.
ارتفاع أسعار الإيجارات
ومشهد المبنى السكني الذي تحول إلى أنقاض في قلب حي مزدحم بالضاحية، أصاب زهرة غدار وعائلتها بالصدمة، ففكروا في البداية بالانتقال داخل لبنان على حد قولها، لكنهم تراجعوا عن ذلك في ضوء المنشورات التي قرأوها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تلقي باللوم على المدنيين النازحين إلى جانب “حزب الله” في التهديد باندلاع حرب شاملة.
كما أدى الطلب المتزايد على الشقق السكنية إلى ارتفاع حاد في الإيجارات، وقالت زهرة “وجدنا أن الإيجارات تبدأ من 700 دولار، وهذا بدل منزل لن نكون مرتاحين فيه كفاية”، فبدأوا البحث خارج البلاد، علماً أن هذا المبلغ يفوق المدخول الشهري لكثير من اللبنانيين.
ووجدت عائلة غدار منزلاً مؤلفاً من أربع غرف نوم في مدينة حلب شمال غربي سوريا لقاء 150 دولاراً شهرياً، فدفعت إجاره مسبقاً لستة أشهر وعادت للبنان.
وتشن إسرائيل دورياً غارات على سوريا تستهدف بالعادة مواقع عسكرية مرتبطة بإيران أو بمسلحين موالين لها، لكن على رغم ذلك ظل نظام بشار الأسد بمنأى عن الصراع المشتعل في المنطقة.
تجربة الـ 2006
في عام 2006 خاض “حزب الله” وإسرائيل حرباً شرسة في يوليو (تموز) أسفرت عن تدمير معظم بلدات الجنوب في لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، مما دفع نحو 180 ألف لبناني للجوء إلى سوريا حيث تم إيواء كثير منهم في مدارس ومساجد ومعامل فارغة، فيما استأجر المقتدرين منهم منازل أو اشتروها.
ومن بين هؤلاء رواد عيسى الذي كان مراهقاً حين فر إلى سوريا برفقة والديه، وبعد انتهاء الحرب عادوا للبنان، لكن والده خصص بعض مدخراته لشراء منزل في محافظة حماة السورية احتياطاً في حال طرأ أي مكروه.
وقال عيسى، “بهذه الطريقة إن وقعت حرب أخرى فسيكون لدينا منزل آخر جاهزاً”، وأضاف أن المنزل والمنطقة المحيطة به لم يتأثرا بحرب سوريا، وأن أخته وزوجها توجها إليه منذ بضعة أسابيع لتجهيزه للعائلة بحال تدهورت الأوضاع في لبنان.
وأوضح عيسى الذي يعمل في إنتاج الفيديوهات أنه كان في البداية يخطط لاستئجار منزل في لبنان إن توسع الصراع، عوض الانضمام لعائلته في سوريا، لكن في المناطق “الآمنة” في بيروت “يطلبون أسعاراً خيالية” على حد قوله، مشيراً إلى أن أحد مالكي العقارات كان يطلب 900 دولار للغرفة الواحدة داخل شقة مشتركة، فيما “الأسعار خارج بيروت ليست أفضل بكثير”.
أعداد صغيرة
وقال الصحافي السوري عزام علي الذي يعمل في دمشق لوكالة “أسوشيتد برس” إنه في الأيام الأولى عقب اغتيال شكر رصد تدفقاً للبنانيين الذين يحجزون غرفاً في الفنادق أو يستأجرون منازل في العاصمة السورية.
وأضاف عزام أنه استقبل بنفسه في منزله ولبضعة أيام عائلة لبنانية صديقة لأحد أصدقائه، ورحب في منشور عبر “فيسبوك” باللبنانيين قائلاً إنهم “جعلوا المدينة القديمة في دمشق أكثر جمالاً”.
وأوضح الصحافي السوري أنه بعدما هدأت الأوضاع في لبنان “عاد بعضهم له فيما بقي بعضهم هنا، لكن معظمهم اختاروا البقاء” في دمشق.
ولا تستتبع أي منظمة عدد الأشخاص الذين انتقلوا من لبنان لسوريا خلال الأشهر الأخيرة، وهم منتشرون في مختلف أنحاء البلاد وغير مسجلين كلاجئين، مما يجعل رصد اللجوء صعباً، أما الأدلة فتشير إلى أن الأعداد صغيرة.
ومن بين 80 نازحاً من جنوب لبنان يعيشون في بيروت الكبرى، بمن فيهم لبنانيون وسوريون ولاجئون فلسطينيون، قال ما لا يقل عن 20 شخصاً إنهم يفكرون في اللجوء إلى سوريا إذا تصاعدت الحرب في لبنان، ووفقاً لمقابلات أجراها باحثون تحت إشراف ياسمين مديرة معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت ليليان دياب.
وأوضحت دياب أن اللبنانيين الذين يفكرون في هذا الخيار هم مجموعة محددة لديهم “شبكات مسبقة في سوريا، إما شبكات أعمال أو عائلة أو أصدقاء”.
السوريون باقون في لبنان
في غضون ذلك لم يسفر التهديد بالحرب عن هجرة عكسية جماعية للسوريين من لبنان، حيث يوجد نحو 775 ألف سوري مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إضافة إلى مئات الآلاف غيرهم من غير المسجلين.
وعلى رغم توقف القتال في سوريا لكن كثيراً من اللاجئين يخشون أن يتم اعتقالهم إذا عادوا لبلادهم بسبب ارتباطهم الحقيقي أو المزعوم بمعارضي الأسد، أو أن يتم تجنيدهم قسراً في الجيش.
وإضافة إلى ذلك يمكن أن يفقد هؤلاء صفتهم كلاجئين إذا غادروا لبنان هرباً من الحرب، ولذلك يعبر بعضهم الحدود ذهاباً وإياباً عبر طرق التهريب من دون تسجيل تحركاتهم.
وفي الوقت الراهن اطمأن كثير من سكان الضاحية بعدما خفت شبح الحرب الشاملة عقب إعلان “حزب الله” انتهاء رده على مقتل شكر “مبدئياً”، وذلك في الـ 25 من أغسطس (آب) الماضي حين تبادل “حزب الله” وإسرائيل القصف المكثف.
لكن على رغم ذلك قالت زهرة إنها لا تزال قلقة من تدهور الوضع مما يجبرها وعائلتها على الفرار، مضيفة أنه “من الضروري أن يكون لدينا خطة بديلة في كل الأحوال”.