وباستثناء الادعاء على رياض سلامة وتوقيفه، لا جديد في الملف قبل مباشرة الاستماع إليه من قبل قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي الإثنين مع بروز تداخل قضائي من خلال محاولة القاضية غادة عون الدخول على الملف مجدداً رغم كف يدها في وقت سابق وطلب المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار من الضابطة العدلية والأجهزة الأمنية عدم تنفيذ طلباتها.
وتعتبر القاضية عون المقرّبة من «التيار الوطني الحر» أن ملف شركة «أوبتيموم» الذي بموجبه أوقف سلامة هي من فتحته في النيابة العامة في جبل لبنان منذ تاريخ صدور تقرير هيئة الأسواق المالية أي منذ حوالي السنتين وتأسس أيضاً بناء على الإخبار الوارد من تقرير «الفاريس». وتضيف «لا يحق لأحد قانوناً أن يسحب مني أي ملف بحجة فتحه بنفس الوقائع الآن وتحويله إلى مكان آخر» محددة موعداً لاستجواب سلامة في هذا الملف وغيره، طالبة إحضار سلامة طالما أنه موجود في النظارة. فهل تنجح محاولة غادة عون أم أن قرار مدعي عام التمييز يبقى ساري المفعول وتواجَه محاولتها بالرفض؟
ولا شك أن قضية سلامة تحوّلت ليس من اليوم بل منذ فترة طويلة إلى قضية رأي عام خصوصاً أن الأزمة المالية غير المسبوقة أصابت اللبنانيين عموماً والمودعين في المصارف خصوصاً الذين فوجئوا بأن ودائعهم طارت وبأن الليرة انهارت بشكل كبير وبأن كل التطمينات حول سلامة الوضع النقدي في البلاد كانت تطمينات فارغة ومخادعة، وبأن المصارف وظّفت الودائع في مصرف لبنان الذي بدوره استجاب لضغوط الطبقة السياسية ولطلباته بالاستدانة، وهدَرَ المال العام والخاص على تثبيت سعر صرف الليرة وعلى تغطية العجز الكبير وشراء الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان مع الإبقاء على التعرفة الكهربائية بمستويات متدنية جداً ثم أيضاً على الدعم في معظم الحكومات ولاسيما في حكومة الرئيس حسان دياب.
ويحمّل بعضهم رياض سلامة المسؤولية عن القبول بالخضوع للطبقة السياسية على مدى عقود وعدم رفض طلبات هذه الطبقة كما فعل الحاكم الأسبق إدمون نعيم رغم أن القانون يحميه ويمنحه حصانة ليقول للسياسيين كفى، وهذا ما عرّض البلاد لصدمات واهتزازات كبرى.
وبناء على سير التحقيقات ومجريات القضية لدى القاضي بلال حلاوي المقرّب من الثنائي الشيعي يمكن رصد ما سيؤول إليه مصير سلامة الذي يدعوه كثيرون في حال التوسع بفتح الملف المالي إلى كشف المستور والبوح بالأسرار التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع المنهار ومَن هم المسؤولون والشركاء عن الكارثة المالية. مع العلم أن هناك تخوفاً على حياة رياض سلامة بهدف دفن الأسرار والتعتيم على الحقائق والارتكابات خاصة أن رياض سلامة كان بمثابة المحاسب لدى المنظومة المالية والسياسية ولا يمكن حسب البعض رمي كل المسؤولية على شخصه وتحويله إلى كبش فداء عن كل الطبقة السياسية.
حتى تاريخه، توحي المؤشرات بأن التحقيق مع سلامة سيقتصر فقط على ملف شركة «اوبتيموم» ومبلغ الـ 42 مليون دولار المحوّل إلى حسابه الخاص في المصرف المركزي من حساب الاستشارات في مصرف لبنان، لأن فتح أكثر من ملف سيطيل المحاكمة وقد يطال رؤوساً كبيرة متورطة بالفساد والعمولات والصفقات من دون استبعاد هذه الفرضية في حال تطوّرت الأمور وارتفعت الأصوات الشعبوية.
ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن ما استدعى توقيف رياض سلامة في هذا التوقيت هو أولاً تهديد لبنان بوضعه على اللائحة الرمادية بسبب عدم التزامه مجموعة من المعايير المطلوبة لملاحقة الفساد وعمليات تبييض الأموال ما يعرّض البلد لتفاقم أزمته المالية والاقتصادية. وثانياً عدم امكانية التغاضي عما وصل إليه التدقيق الجنائي لشركة «ألفاريز أند مارسال» حول عمولات غير منطقية بقيمة 111 مليون دولار تم دفعها من حساب المصرف المركزي بين عامي 2015 و2020.
من هنا، يجري ترقّب لتأثير فتح المحاكمة على الوضع النقدي في البلد مع استبعاد حدوث تأثيرات سلبية نظراً للسياسات التي ينتهجها مصرف لبنان حالياً لجهة عدم الاستجابة لأي استدانة ولأي صرف غير قانوني ونظراً لسحب جزء كبير من السيولة بالليرة اللبنانية من الأسواق والتي وصلت إلى 57 تريليون ليرة إضافة إلى تسجيل فائض ولو غير كاف بالعملة الأجنبية في المصرف المركزي ليصبح حجم الاحتياطي حوالي 10 مليارات دولار.
وفي انتظار ما سيرشح عن المحاكمة، يلتزم الحاكم السابق لمصرف لبنان الذي تحوّل إلى محكوم «بحق الصمت وبقرينة البراءة» وفقاً لما ورد في بيان مكتبه الإعلامي داعياً إلى احترام المبادئ وأصول المحاكمات الجزائية.