وذهب البعض إلى الحديث عن “لبننة اللجنة الخماسية” وانتقال الخلافات إليها وللسؤال عن مصير الزيارة الرابعة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت التي وصلها في الساعات الماضية الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني، غداة اجتماع اللجنة لأجل لبنان في نيويورك، ما يعني أن قطر تواصل جهودها لملء الفراغ ولمحاولة إحداث اختراق عجزت عنه باريس لغاية الآن، مستفيدة من علاقاتها القوية بالولايات المتحدة ومن تواصلها مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران.
وفي قراءته لما آل إليه اجتماع اللجنة الخماسية، رأى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط “أن الأزمة الرئاسية في لبنان عادت إلى نقطة الصفر”، محمّلاً المسؤولية لمن “يلعب مع اللبنانيين”.
واعتبر “أن نتائج اجتماع المجموعة الخماسية الأخير في نيويورك مجرد “لعب مع اللبنانيين” وبداية تهميش لمهمة المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، وبالتالي قفزة نحو المجهول”، معبّراً عن انطباعه الشخصي وهو “أن بعض أعضاء هذه المجموعة الخماسية يفسدون مهمة السيد لودريان، والنتيجة أن الخماسية أصبحت رباعية”.
وأضاف جنبلاط: “فلتشرح لنا السعودية ماذا تريد، لأن الأمور أصبحت بمستوى صارخ وغير مقبول. هناك من يلعب مع اللبنانيين! وهذا ما يغذّي النظريات السخيفة لمن يريد الفراغ”.
ومن أستراليا، واصل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إطلاق المواقف المتشددة من الرئاسة والدعوة إلى الحوار، واعتبر “أن إيقاف الجلسة الرئاسية رغم وجود مرشحَيْن يحظيان بنسبة أصوات مهمة يحرم عمداً العنصر المسيحي من أن يكون هناك رئيس”. وسأل الراعي في حديث إلى قناة MTV “كيف نقبل بتعطيل وتهميش الدور الماروني؟! ومن هنا نسأل عن شرعية العملين الحكومي والنيابي”.
وعن تغيير الموقف الفرنسي من رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية إلى مرشح ثالث، قال: “سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن أكد لي أن الحديث عن دعم فرنسي لفرنجية هو مجرد اتهام”. وأكد “أن الحوار بمن حضر “ما إلو طعمة” ويجب أن نعرف عما سيدور ومن الأسهل عقد جلسات متتالية، إذ هناك إسمان وهناك أسماء أخرى، وإذا لم يُنتخب رئيس عندها نبحث عن اسمٍ ثالث”.
وأضاف الراعي: “نعرف المُعطلين من أي جهة، وكمسيحي أسأل كيف تعطلون الدور المسيحي في لبنان؟ ولماذا تهميش العنصر الماروني؟”.
وعن رأيه في الحوار بين التيار الوطني الحر وحزب الله قال: “لستُ مع المقايضة، ولماذا إضاعة الوقت؟ الدولة تتفتت والشعب يجوع والسوريون اجتاحوا لبنان وما زلنا من دون رئيس. النازحون السوريون أكثر من نصف الشعب اللبناني وهم أكبر خطر على لبنان ونعيش على فوهة بركان”، منتقداً “عدم المبالاة الدولية بعودة السوريين إلى بلادهم، وربط المجتمع الدولي عودتهم بعدم وجود الأسد في الحكم”.
من جهته، لم يوافق المحلل السياسي الياس الزغبي على تشبيه وضع اللجنة الخماسية بلبنان واستخدام عبارة “اللبننة”، وقال “هذا التشبيه لا يصح بين المريض اللبناني والدول الخمس السليمة ذات السياسات والاستراتيجيات المقررة والثابتة. وإذا حدث فعلاً شرخ سياسي بين أحد أعضائها والأعضاء الآخرين يكون الحل بخروج العضو المخالف، وليس بشلل عملها كهيئة دولية ذات مهمات واضحة”.
وأضاف الزغبي “هذا يعني أن فرنسا، على أهميتها كدولة كبرى ذات دور تاريخي في لبنان والشرق، وفي حال إصرارها على التمايز عن الدول الأربع الأخرى، ستجد نفسها في حالة عزلة، ويتضاءل تأثيرها في الأزمة اللبنانية إلى حد التحلل، كما حدث للدبلوماسية الفرنسية في إخفاقاتها الأفريقية الأخيرة”.
ورأى “أن مهمة الموفد الفرنسي تبدو معلّقة على مدى انسجامها مع مواقف سائر أعضاء الخماسية، إلى درجة احتمال إلغاء جولته اللبنانية الرابعة المقررة في تشرين/ أكتوبر المقبل”.
ولفت الزغبي إلى أنه “ليس من باب الصدفة أن يصل الموفد القطري أبو فهد قاسم آل ثاني فجأة إلى بيروت أمس غداة فشل اجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك، كرسالة شديدة التعبير إلى باريس كي تصحح رمايتها السياسية في لبنان، وتخرج من مناورة استرضاء إيران وحزب اللّه على خلفية مصالح الاستثمار بين مرفأ بيروت وشاطئ الناقورة ومشاريع طهران”.
تزامناً، برزت حادثة إطلاق نار نادرة على مقر السفارة الأمريكية في عوكر شمال بيروت، وقد أكد المتحدث باسم السفارة جيك نيلسون “أن أعيرة نارية أطلقت على مدخل السفارة، ليل الأربعاء، دون وقوع إصابات”، وقال “منشأتنا آمنة، ونحن على اتصال وثيق مع سلطات إنفاذ القانون في البلد المضيف”.
وتضاربت المعلومات حول كيفية وصول المسلّح إلى عوكر، فذكر البعض أن سيارة رباعية الدفع من نوع “باثفيندر” لا تحمل لوحات أطلقت النار من سلاح من نوع كلاشينكوف وأكملت طريقها، فيما أفاد البعض الآخر أن المسلح وصل على متن دراجة نارية ونفّذ عمليته وغادر. وبعد عملية إطلاق النار تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة.
وذكر شهود عيان في عوكر أن السفارة الأمريكية أطلقت انذاراً لأهالي المنطقة لأخذ الحيطة والحذر، وهي تقوم بهذا الإجراء كلما دعت الحاجة. وأفادوا أن قوة من الجيش اللبناني لحقت بالسيارة نظراً لتواجد نقاط وحواجز تفتيش ومركز دائم في المكان وتم تبادل لإطلاق النار بعد محاولة فرار السائق من شارع إلى آخر في المنطقة المحيطة بالسفارة حيث الطرقات متشابكة ومقفلة.
وكشفت تقارير أمنية عن إطلاق 15 رصاصة في اتجاه المدخل الرئيسي للسفارة، وأظهرت كاميرات المراقبة أن المسلح كان يرتدي لباساً أسود، كما تم العثور عند مدخل مبنى مواجه لمكان إطلاق النار على مشطين فارغين يعتقد أنهما للتمويه.
وجاء إطلاق النار على السفارة في وقت يُعتبر اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون متقدماً بين أسماء المرشحين للرئاسة مدعوماً من الولايات المتحدة وقطر. وقرأ بعضهم في إطلاق النار رسالة مزدوجة إلى كل من قائد الجيش والسفارة الأمريكية من قبل قوى الأمر الواقع.
وغرّد عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب زياد الحواط قائلاً: “إطلاق النار على السفارة الأمريكية في عوكر والحوادث الأمنية المتنقلة وآخرها نشر حواجز في بنت جبيل يكشف محاولة للتوتير الأمني”، وحذّر من “اللعب بالنار في هذه اللحظة الدقيقة والحساسة”، مؤكداً أن “لبنان لم يعد يحتمل سياسة صندوق البريد وإطلاق الرسائل خدمة لمصالح خارجية”.
وعلى الصعيد الرسمي، تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من نيويورك حادث اطلاق النار على مدخل السفارة الاميركية، فأجرى سلسلة اتصالات بقادة الاجهزة الامنية للاطلاع على المعطيات المتوافرة عن الحادث، وطلب التشدد في ملاحقة القضية وجلاء ملابساتها.
وشدد على “أن حماية البعثات الديبلوماسية في لبنان أمر لا تهاون فيه على الاطلاق، ومن غير المسموح لأي كان العودة إلى أنماط قديمة في توجيه الرسائل السياسية التي عانى اللبنانيون الكثير بسببها”. وقال”ان الاجهزة الامنية مستنفرة لجلاء ملابسات هذا الحادث المدان وتوقيف الفاعلين”.
بدوره، ندّد وزير الخارجية عبدالله بوحبيب خلال اتصال هاتفي بالسفيرة الأمريكية دوروثي شيا بالاعتداء الذي تعرضت له السفارة، وأكد أنه “من الضروري محاسبة الفاعلين وإنزال أشد العقوبات بهم”، مشدداً “على التزام لبنان بتأمين الحماية اللازمة للمقرات الدبلوماسية الأجنبية بما يتوافق مع إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية”.