ويوضح الدليل السياحي المحلي عماد سماحة وهو من بلدة الخنشارة، أن المطبعة هي أول مطبعة عربية في لبنان والثانية في الشرق (بعد مطبعة حلب التي اندثرت) وثالث مطبعة عربية في العالم (بعد مطبعة روما).
وتأسست المطبعة عام 1731 وطُبع الكتاب الأول فيها عام 1734 واستمر عملها حتى عام 1899، أي لفترة امتدت على نحو 165 عاما متواصلة أنتجت خلالها “كتبا فلسفية ولاهوتية وروحية وغيرها”، وفق سماحة.
كما يشير في حديث معه إلى أن الشماس عبدالله الزاخر أصله من مدينة حلب السورية وهو من أسس المطبعة، وميزتها أنها أنشئت بموقعها الحالي من جهة حفر الأحرف أو إعداد الحبر وصناعة آلاتها، لكن الجلد والورق كانا يُستقدمان من خارج المنطقة. لم تكن الطباعة سهلة منذ قرون، بل كانت تحتاج إلى جهد ووقت، إذ كشف سماحة أن “خط الحرف في هذه المطبعة سُمّي خط اللبّادي”.
وبحسب سماحة “صُنع هذا الخط خصيصا للمطبعة نفسها، إذ بعد حفره على معدن الفولاذ بشكل نافر (بارز) ينقش على معدن النحاس الأحمر ليشكل بدوره القلب الداخلي لقالب الحروف”.
ويضيف “يوضع في هذا قالب خلطة من معدَني القصدير والرصاص مصهروين سويّة، بالإضافة إلى حجر الكحل الذي يقوم عمله على فصل المعدن عن القالب وبذلك يتم إنتاج الأحرف”. ويلفت إلى أن الشماس عبدالله الزاخر “استحق لقب غتنبورغ الشرق على اختراعه هذا”.
ويردف سماحة أن “الأحرف منحوتة بالعكس من أجل أن تكون سويّة خلال عملية الطباعة”، لافتا إلى أن “الحرف اللبادي مميز، فهو واضح وسهل القراءة والصفحات ما زالت مقروءة إلى حد اليوم”.
“ميزان الزمان” هو اسم الكتاب الأول الذي طبع في مطبعة الخنشارة وهو مؤلف من 362 صفحة، بحسب سماحة. الذي يضيف “ما زال الكتاب معروضا في متحف المطبعة ذاتها إلى غاية اليوم سليما ومقروءا، هو كتاب روحي ووصل عدد نسخات من طبعته الأولى إلى 800”.
ويشير سماحة إلى أن المطبعة “طبعت نسخا من 33 كتابا أولها ‘ميزان الزمان’ وآخرها كتاب الزبور الإلهي (أي المزمور الإلهي) للنبي داوود طبع منه 15 نسخة”. ويلفت إلى أن الكتب المطبوعة “كانت تباع في دير ما يوحنا في كلّ من مصر، وحلب ودمشق في سوريا، وعكّا في فلسطين”.
عملية إنتاج الكتاب كانت تمر بمراحل مختلفة، بدءا من اختيار الأحرف إلى صفّها ثم طبعها وحياكة الكتاب. ويلفت سماحة إلى أن “طاولة الأحرف طويلة وممتلئة بالآلاف من الأحرف، لأن الحرف العربي يختلف بشكله في أول الكلمة ونصفها وآخرها، كما قد يتضمن التنوين والشدة”.
ويضيف “أما الكلمات المتكررة، كرؤوس المقاطع والمقالات وأسماء الأشهر والأعداد فتم حفرها كاملة لمرة واحدة بغرض تسهيل عملية الطبع”. ويردف سماحة أن هناك “فرنا يتم فيه صهر المعادن وطبخ الحبر المستخرج من أعشاب موجودة ضمن إطار الدير وهو على لونين الأسود والأحمر، ويتميز بأصالة تركيبته غير المتحللة حتى يومنا هذا”.
ويتابع “بعد جهوز الأحرف يتم تركيبها ضمن الكلمات والأسطر على صفحة خشبية، تُرص على بعضها بملازم حديدة فيتكون لدينا ما يسمى الكليشه، لتصبح جاهزة للمرحلة التالية وهي الطباعة”.
ويقول سماحة “تتم الطباعة ضمن مكبس خاص بعد وضع الحبر ومن ثم الورق على ما يسمى الكليشه فتُكبس بشِدّة لفترة من الزمن لينتقل الحبر على الورق، من ثم يُنشّف بإسفنجات خاصة”. وتابع “بعدها تأتي مرحلة خياطة الكتب بالمعدات التقليدية والتجليد”.
صحيح أن المطبعة اليوم، لا تعمل لكن أهميتها التاريخية والثقافية كبيرة جدا، بحسب سماحة. ويذكر أن “أهمية المطبعة مقسومة لقسمين، ففي عهد عملها كانت تنشر الثقافة والإيمان في بلاد الشام وصولا إلى مصر وحتى كان هناك اتجاه نحو الغرب”.
والقسم الثاني، وفق سماحة، “يكمن بأهميتها اليوم، التي تختصر بالسياحية/ الثقافية بامتياز، إذ تُضيء على حقبة من التاريخ المولِّد للنهضة العربية الحديثة”. ولا تزال هذه التحفة الشرقية العربية مقصودة من قبل السواح من الخارج أو الداخل وطلاب المدارس والجامعات كما تكثر عليها الأبحاث والدراسات.