على مشارف التمديد الجديد لولاية القوة الدولية الموقتة العاملة في جنوب لبنان المرتقب أن يقرّه مجلس الأمن في 31 أغسطس الجاري، أطلّت من «أرض الـ 1701» أوّل مطالبة سياسية – شعبية بتفعيل البند 12 من هذا القرار الدولي عبر وضع «المدنيين المعرّضين لتهديد وشيك من أعمال عنف جسدية» تحت حماية «اليونيفيل» ضمن نطاق عملياتها جنوب الليطاني.
وجاءت هذه الدعوة غير المسبوقة خلال تحرُّك نفّذه أهالي بلدة «عين إبل» (بنت جبيل – الجنوب) وعائلة المسؤول في حزب «القوات اللبنانية» المعارِض الياس الحصروني، بعد مرور 18 يوماً على جريمة قتْله التي «أوحيَ» بدايةً من منفّذيها أنها حادث سير ليتبيّن بموجب أشرطة التقطتْها إحدى كاميرات المراقبة أنها عملية مدبَّرة بدأت بالخطف، واتهّمت «القوات» حزب الله بالوقوف وراءها، على ما كرر أمس رئيسها سمير جعجع، معلناً أن «الجريمة وقعت في عمق مناطق نفوذ(حزب الله)حيث لديه كامل السيطرة الأمنية والعسكرية (…) وبكل صراحة، جميع أصابع الاتهام متجهة نحو الحزب انطلاقاً من ظروف حدوث الجريمة المتعمّدة».
وبدأ التحرّك الاحتجاجي على عدم كشف الحقيقة حتى الساعة في قتْل الحصروني، بتجمُّع على الطريق العام أمام مدرسة الراهبات قبل أن تنطلق مسيرة حاشدة سادها الحزن والغضب الى ساحة الكنيسة تخلّلها رفْع لافتات كُتب عليها «الحقيقة لدم الشهيد البطل الياس الحصروني»، وأخرى باللغتين العربية والانكليزية طالبت بالحماية من القوة الدولية بموجب القرار 1701 كما من الأجهزة الأمنية اللبنانية، مع دعوة البطريركية المارونية وجميع المعنيين الأمنيين للإسراع بكشف كل خيوط الجريمة وإنزال أشد العقوبات بالفاعلين.
وركّزت كلمات ألقيت في هذا التحرك وبينها لابنة الحصروني على وجوب تنفيذ البند 12 من الـ 1701 الذي صدر في 1 أغسطس 2006 وأنهى حرب يوليو 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل.
معلوم أن هذه الفقرة تنص على «تلبية لطلب الحكومة اللبنانية التي تريد نشر قوة دولية لمساعدتها على ممارسة سلطتها على كل الأراضي، يُسمح لقوة الطوارئ الدولية باتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات في كل القطاعات التي تنتشر فيها قواتها، والعمل عندما ترى ذلك ممكناً في حدود إمكاناتها، حتى لا يُستخدم قطاع عملياتها لنشاطات عدائية أياً تكن طبيعتها، ولمقاومة المحاولات التي تهدف إلى منعها بالقوة من القيام بواجباتها في إطار التفويض الذي منحه لها مجلس الأمن الدولي، وحماية موظفي ومقار ومنشآت ومعدات الأمم المتحدة، وضمان أمن وحرية تحرك موظفي الأمم المتحدة والعاملين في القطاع الإنساني، ولحماية المدنيين المعرّضين لتهديد وشيك من أعمال عنف جسدية من دون المساس بمسؤولية الحكومة اللبنانية».
وبمعزل عن الأبعاد المتشابكة التي باتت تكتسبها جريمة قتْل الحصروني في منطقة عمل «اليونيفيل»، والتي يزداد الاقتناع «الشعبي – السياسي» بأنها ليست فردية كلما تأخّر تحديد هوية المرتكبين، وهذا ما بات يتم إسقاطه على كل الأحداث الأمنية التي تبقى «برسم مجهول» باعتبار أن اياً من الجرائم «غير السياسية» لم تستعص على الأجهزة الأمنية، فقد جاءت المطالبةُ بتفعيل البند 12 من الـ1701 بارزة كونها تزامنت مع بدء العد التنازلي للتجديد لـ «القبعات الزرق»، وهو الاستحقاق الذي يشهد كباشاً ديبلوماسياً تحت عنوان محاولة بيروت إلغاء التعديل الذي أُدخل على قرار تمديد عمل القوة الدولية قبل عام وأعطاها حق القيام بدوريات من دون أن يواكبها الجيش اللبناني.
وفيما اعتُبر هذا التعديل تغييراً لـ «قواعد الاشتباك» أثار استياءً من «حزب الله» سرعان ما تُرجم على الأرض التي لم تعد «بيئة آمنة» لـ «اليونيفيل» على ما عبّر عنه أكثر من احتكاك مع دوريات لها وكان أكثرها خطورة حادثة العاقبية (ديسمبر الماضي خارج أرض الـ1701) التي قُتل فيها عنصر ايرلندي وأصيب ثلاثة آخرون بجروح، فإن طريق الديبلوماسية اللبنانية لتعديل هذا التعديل ستكون «وعرة» ولا سيما في ضوء مناخاتٍ عن مساعٍ مضادة للتشدّد تجاه السلطات الرسمية اللبنانية في ما خص وجوب التزام مندرجات القرار 1701 الذي كان صيغ وفق معادلةٍ اعتُبرت حينها تحت سقف «الفصل السادس زائد ثلاثة أرباع» أي وفق مزيج من الفصلين السادس السابع لجهة منح القوة الدولية صلاحية الدفاع عن النفس و«استخدام ما يلزم من إجراءات» (البند 12) لمنع أي محاولة لاستخدام منطقة عملياتها للقيام بأنشطة خارجة عن منطوق القرار.
عقوبات أميركية
واستوقف أوساطاً سياسية، أن واشنطن أعطت إشارةً بالغة الدلالات قبيل التمديد الدوري لـ «اليونيفيل» بفرضها قبل أيام عقوبات على جمعية «أخضر بلا حدود» على قاعدة أن «هدفها المعلن يتمثل بالحفاظ على المساحات الطبيعية وإعادة زرع الأشجار، ولكنها تشكّل في الواقع غطاءً لأنشطة حزب الله على طول الخط الأزرق، حيث لدى الجمعية مواقع يديرها أعضاؤها في عشرات النقاط»، وقد شملت العقوبات أيضاً رئيس الجمعية زهير صبحي نحلة.
ووفق هذه الأوساط، فإن مجموعة الأحداث التي وقعت في الأشهر الأخيرة، لن تساعد لبنان في «مهمته الشائكة» بل هي تشكل «مضبطة اتهام» له وقد تتحوّل «مصيدة» يستخدمها أكثر من كرف دولي، وليس أقلّها استخدام الجنوب منصة لإطلاق عشرات الصواريخ في اتجاه إسرائيل في أبريل الماضي بالتزامن مع أحداث غزة حينها وخلال زيارةٍ لرئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية لبيروت، وصولاً لمقتل الحصروني ضمن نطاق عمل اليونيفيل، وليس انتهاء بشاحنة الذخائر التابعة لـ «حزب الله» التي انقلبت في الكحالة قبل نحو اسبوعين والتي كانت مراجع ديبلوماسية قاربتْها بوصفها «خرقاً لمضامين القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان ومنها الـ 1559 (نزع سلاح الميليشات اللبنانية وغير اللبنانية) و1680 (تعيين الحدود بين لبنان وسورية وإقامة علاقات ديبلوماسية ودعوة حكومة لبنان لاتخاذ إجراءات ضدّ عمليات نقل الأسلحة إلى أراضيها) وصولاً الى القرار» 1701 (يرتكز ايضاً على القراريْن السالفيْن).
«فلاش ميموري» سلامة
في موازاة ذلك، انشغلت بيروت بما كشفته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانيّة عن أنّ «مكتب المدّعي العام الأميركي في المنطقة الجنوبية من نيويورك، فتح تحقيقاً في قضيّة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة» الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأميركية (في 10 أغسطس الجاري) عقوبات متزامنة مع كندا وبريطانيا بتهم فساد مالي و«إساءة استغلال موقعه في السلطة لإثراء نفسه وشركائه، من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي» ما «ساهم في انهيار دولة القانون في لبنان».
ونقلت الصحيفة في تقرير عن «سياسي لبناني رفيع المستوى» أنّ «هناك فلاش ميموري أرسلها سلامة إلى الخارج فيها أسرار عن عمله… تحسباً في حال حصل له أي مكروه».
وذكّرت بأنّ «سلامة غادر مكاتب المصرف المركزي للمرّة الأخيرة في 31 يوليو الماضي، لكنّ سمعته الآن في حالة يُرثى لها، وشُوّهت خدمته الّتي استمرّت 30 عاماً في مصرف لبنان، باتّهامات بأنّه ساعد في قيادة البلاد في طريقها إلى الخراب».
وأشارت الى أنّ سلامة «هو محور تحقيقات قضائيّة في لبنان والولايات المتحدة وسبع دول أوروبيّة على الأقلّ، تحقّق في مزاعم الجرائم الماليّة. اثنان منها، أصدرت مذكّرات توقيف دولية بحقّه».