تخيم الأجواء الأسطورية الممزوجة بالحداثة على الجناح اللبناني في المعرض العالمي للفن المعاصر- بينالي البندقية، إذ يستعيد بتصرّف أسطورة أوروبا الفينيقية كما تراها الفنانة البصرية منيرة الصلح، في عمل تجهيزي يركز على كون المرأة “مصدر القوة”.
وستتولى الجمعية اللبنانية للفنون البصرية برعاية وزارة الثقافة اللبنانية تنظيم الجناح اللبناني في الدورة الستّين من المعرض العالمي التي ستقام ما بين 20 أبريل و24 نوفمبر المقبلين.
وهذا التجهيز الفني متعدّد الوسائط، والذي يتألّف من 41 عملاً، يحمل عنوان “رقصة من حكايتها” وسيشغل فضاء الجناح اللبناني البالغة مساحته 180 متراً مربعاً داخل “الأرسنالي”.
ويتناول أسطورة أوروبا، ابنة ملك مدينة صور الفينيقية، وعلاقتها بإله السماء والصاعقة في الميثولوجيا الاغريقية زيوس، من منظور الفنانة منيرة الصلح.
ويتمحور تجهيز “رقصة من حكايتها”، الذي وضع له السينوغرافيا المهندس المعماري كريم بكداش، حول قاربٍ يدعو الزائر إلى رحلة رمزية، غير أن هيكل القارب الرئيسي الذي يتوسط المعرض غير مكتمل، ومحاط بستة قوارب و18 رسماً وخمس لوحات و15 قناعاً. ويتناول شريط مصور مدته 12 دقيقة الأعمال التي يتضمنها المعرض بطريقة متحركة وتتخلله مشاهد تمثيلية ويعرض على شاشة تشكل شراع القارب الرئيسي.
وقالت الفنانة البصرية متعددة الاختصاصات منيرة الصلح (46 عاما) لوكالة فرانس برس على هامش مؤتمر صحفي عقد وسط التماثيل والنواويس في القاعة الرئيسية للمتحف الوطني في بيروت إنها “استوحت التجهيز من أسطورة أوروبا ابنة أجينور ملك صور، وهي أميرة فينيقية اقترب منها زيوس بشكل ثور أبيض وخطفها على جزيرة كريت”. ويضم المتحف نفسه فسيفساء تمثل أسطورة أوروبا.
غير أن الفنانة اللبنانية ارتأت أن تبدل حوادث القصة “فبدلاً من أن يخطفها زيوس إلى حضارة ثانية تتحكم أوروبا في قصتها وتمسك بزمام الأمور وتغيّر سياقها مظهرة أنها ليست المرأة المظلومة والضحية”. وأضافت “يهمني أن تكون المرأة مصدر القوة”. وأوضحت أنها كتبت هذه القصة من منظورها “كامرأة لبنانية”، مذكّرة بأن “معظم من كتب هذه الأساطير الإغريقية كانوا رجالاً”.
ورأى ممثل وزير الثقافة اللبناني الإعلامي روني ألفا أن “عمل الصلح متعدد الأبعاد يحاكي الأسطورة والواقع، التاريخ والحداثة”، واصفاً إياه بأنه “رحلة نضال تحرري يتحدى المجتمع الذكوري بغوايته وسط سينوغرافيا تحمل الزائر إلى الشاطئ اللازوردي في صور”.
وشرحت القيّمة الفنية على الجناح اللبناني ندى غندور أن المعرض هذه السنة يسلط الضوء على القضايا والتحديات التي تواجهها المرأة، ويبدو الجناح اللبناني سنة 2024 صرحا “يمجّد الانعتاق والحرية والتضامن والمساواة بين الجنسين”.
ولفتت إلى أن لبنان سيشارك للمرة الأولى بدورتين مُتتاليتَين في بينالي البندقية. وأملت أن يعزّز ذلك “مكانة لبنان على الساحة الفنية العالمية، مركزا للإبداع والابتكار الفني. وأن يمهّد الطريق لإقامة جناح لبناني دائم”.
وتقول الأسطورة إن أوروبا (أميرة فينيقية)، ابنة أجينور ملك صور الفينيقي، كانت تتمشى على شاطئ البحر ويرافقها عدد من وصيفاتها. لاحظها زيوس، كبير آلهة جبل الأولمب، وانبهر بجمالها وقرر التقرب منها، فتحول إلى ثور ذي قرنين على شكل الهلال وجلس عند قدمي الفتاة. وعبر بها المياه وأكمل طريقه حتى جزيرة كريت. واستعاد زيوس شكله وتطورت علاقتهما وأنجبا ثلاثة أطفال: مينوس وساربيدون وريهادامانت. وهكذا حملت القارة اسم “أوروبا”.
وتلخص هذه الأسطورة الحقائق التاريخية والاقتصادية والثقافية التي تعكس تحركات الحضارات وانتقالها من الشرق الأدنى إلى مناطق الغرب، وأيضا كيف أن الفينيقيين قاموا بإدخال الحروف الأبجدية الفينيقية إلى اليونان.
ويعتبر المفكرون أن فرادة الفينيقيين تكمن في أنهم سعاة بريد حضاري حول حوض البحر المتوسط؛ نقلوا حضارتهم، وما أخذوه عن حضارات غيرهم، إلى المناطق التي انتشروا فيها واستقروا منذ القرن العاشر قبل الميلاد، بدءا من موانئ شرق المتوسط وجنوبه وصولاً إلى الجزر البريطانية.