بالتزامن مع وصول منصة الحفر النفطي إلى البلوك رقم 9 (التابع للبنان وفق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل) قبالة الساحل الجنوبي للبنان، عقد في بلدة رأس الناقورة اجتماع ثلاثي بين ممثلين عن الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي برعاية قائد قوات حفظ السلام الدولة (اليونيفيل) آرولدو لاثارو.
وطبقاً لبيان اليونيفيل، فإن المناقشات “ركّزت على الوضع على طول الخط الأزرق والانتهاكات الجوية والبرية، وقضايا أخرى في نطاق ولاية اليونيفيل”.
فيما نقل عن قائد قوات اليونيفيل “قلقه إزاء سلسلة من الحوادث على طول الخط الأزرق في الأشهر الأخيرة، والتي أدّت إلى زيادة التوتر بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني”.
مطالبات لبنان وهواجس إسرائيل
ووفق مصدر أمني لبناني رفيع، فإن الاجتماع ركز على ملفين رئيسيين: الخيمتين اللتين نصبتهما عناصر من حزب الله قبل نحو شهرين في مزارع شبعا والخط الأزرق، فيما كان الجانب اللبناني حريصاً على استكمال التفاوض حول النقاط الـ13 المتحفظ عليها من قبل الجانب اللبناني، بهدف إظهار لبنان لحدوده أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
يأتي هذا في وقت قام فيه الجانب الإسرائيلي مطلع شهر يوليو/تموز بضم الجزء الشمالي من بلدة الغجر والتي تعتبر أرضاً لبنانية بحسب الأمم المتحدة، واعتبرتها ضمن الجغرافيا الإسرائيلية.
بالمقابل – بحسب المصدر – فإن قائد قوات حفظ السلام الدولة آرولدو لاثارو، والذي زار إسرائيل منذ أقل من أسبوع بدعوة رسمية من الجانب الإسرائيلي، نقل للجانب اللبناني الانزعاج الإسرائيلي من خيم حزب الله التي يتواجد فيها عناصر أمنية من الحزب.
وأكد لاثارو حجم الحرج والإرباك اللذين تسببت بهما الخيمتان للحكومة الإسرائيلية أمام الرأي العام الإسرائيلي بعدما ظهر بموقع العاجز عن إزالة خيم بلاستيكية للحزب.
بالمقابل فإن الوفد اللبناني وخلال اجتماعه أمس أعاد تكرار الجواب اللبناني وهو ما جرى الاتفاق عليه ضمن الحكومة، وهي أن “الخيمتين تعتبران على أراضٍ لبنانية جرى تحريرها في العام 2000، وإزالتهما ستكون مشروطة بخطوات، على إسرائيل القيام بها، وهي إلغاء قرار ضم قرية الغجر والذهاب لمسار تفاوض جدي حول النقاط الخلافية”.
أزمة توسيع صلاحيات اليونيفيل
في إطار متصل، تشهد أروقة مجلس الأمن الدولي تحركات قبل أيام من جلسة إقرار التمديد الجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان.
وهذه الجلسة تتضمن كشف حساب سنوياً، تعده دول معنية بالملف اللبناني ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، وتتطرق الجلسة لمسألة عمل هذه القوات في جنوب لبنان.
في هذا الإطار، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ”عربي بوست” عن محاولات تجري من قبل لندن وباريس وواشنطن لإدخال تعديلات جديدة على صلاحيات عمل قوات الطوارئ الدولية.
وتضم هذه المقترحات توسيع نطاق عمل اليونيفيل لتشمل حرية الحركة لقوات الطوارئ في الجنوب دون التنسيق مع الجيش اللبناني أو مديرية المخابرات.
ووفقاً للمصدر، فإن تلك الدول ترفض التراجع عن هذه البنود، وهي تعمل في إطار التنسيق المستمر فيما بينها على إدخال إضافات أخرى كمراقبة الحدود البرية والبحرية والمطار.
وأشار المصدر إلى أن ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ناقشوا خلال اجتماع جرى منذ أيام واقع عمل قوات الطوارئ الدولية، عبر كشف الحساب، الذي ناقش كل الحوادث والاعتداءات التي طالت قوات اليونيفيل في الجنوب.
هذا بالإضافة إلى القيام بتحركات كثيرة قوضت عمل القوة الدولية، وساهمت في خرق القرار الدولي 1701 الصادر في العام 2006؛ أي عقب الحرب الإسرائيلية مع حزب الله، وأهمها قتل عنصر حزب الله لعسكري أيرلندي، وهذا الأمر أثبته القرار القضائي الذي أدان عنصر الحزب بشكل مباشر، إضافة لخروقات إطلاق الصواريخ المتهم بها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بحسب المصدر.
وقال المصدر إن الدول المعنية تحضر لمطالعة تظهر كل الخروقات التي قام بها الجانب اللبناني طوال السنة الماضية وحتى تاريخه، من إطلاق صواريخ على إسرائيل.
بالإضافة إلى تقارير قامت إسرائيل بتزويدها للدول الثلاث تشير لتورط حزب الله والحرس الثوري الإيراني في تهريب أسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة عبر مافيات إسرائيلية يجري التحقق من نشاطها بشكل مستمر، وصولاً إلى اتهامه بخرق الخط الأزرق، وإصراره على إبقاء الخيمتين اللتين عمل على نصبهما قبل فترة في مزارع شبعا وبلدة كفرشوبا.
مراقبة المخيمات الفلسطينية
ولا يغفل المصدر أن الأطراف الدولية الثلاثة تلقت أحداث مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بحذر شديد، وما يرتبط بواقع المخيمات الفلسطينية، عبر استخدام بعض المخيمات في مدينة صور اللبنانية لإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، من قبل بعض الفصائل الفلسطينية وتحديداً حماس والجهاد الإسلامي والتي تتهمها إسرائيل بإطلاق الصواريخ، أو من خلال التركيز على تطورات الوضع في مخيم عين الحلوة.
لذا يشير المصدر إلى وجود مقترح أمريكي يقضي بأن تشمل صلاحيات القوات الدولية مراقبة المخيمات الفلسطينية، وتحديداً مخيم الرشيدية في مدينة صور، حيث تستخدمه الفصائل هناك للاستنفار العسكري.
لكن المصدر يستبعد إمكانية الوصول إلى مثل هذا القرار، لحساسية واقع المخيمات وعدم القدرة على ضبط أي أمر متعلق به، إضافة إلى أن الدول المشاركة في عداد تلك القوة الدولية لن تستسيغ هذا الشأن، وتتوقع أن يبقى في خانة الطرح التصعيدي فقط.
وأشار المصدر إلى أن كل هذه العوامل ستشكل عناصر ضغط متعددة على لبنان ستدفع الدول إلى المطالبة بأمرين أساسيين وهما، إما توسيع صلاحيات اليونيفيل بشكل يشمل القيام بأنشطة واسعة تضبط الواقع الأمني والميداني في كل المواقع الحدودية والبحرية.
وإما ستلجأ تلك الدول للمطالبة بإنهاء عملها وأعبائها وتكاليفها طالما أن عملها لا يأتي بالنتائج المطلوبة والمرجوة في السنوات الأخيرة التي باتت ترسانة حزب الله أكبر وأوسع.
لبنان يتحرك
في هذا الإطار، كشف مصدر دبلوماسي لبناني في وزارة الخارجية اللبنانية لـ”عربي بوست” أن الوزارة وبالتعاون مع الجيش اللبناني يقومان بجهود استثنائية لمنع تمرير أي بند يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية والأمن القومي اللبناني، لأن تلك البنود تسيء إلى مصلحة لبنان، كما حصل العام الماضي وجرى رفضها نهائياً؛ بناء على إصرار الدولة بكل أطرافها على رفضها.
وأشار المصدر إلى أن لبنان حذر بشكل جدي من محاولات حرف مسار الأزمة الجارية بسبب قرار إسرائيل بالتعدي على الأرض في الغجر وغيرها، مؤكداً أن هكذا محاولة تسيء إلى الجيش اللبناني عبر التشكيك في عمله واتهامه بغض النظر عن نشاط حزب الله والفصائل الفلسطينية في نطاق منطقة عمل اليونيفيل في جنوب نهر الليطاني بما يخالف القرار 1701.
وأوضح المسؤول اللبناني أن لبنان يؤكد أن إسرائيل هي التي تبادر دوماً إلى اختراق الخط الأزرق، براً، بحراً وجواً. وآخر الاختراقات كانت اختراقات بحرية على مرأى من سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن خلال زيارتهم برفقة الجيش اللبناني إلى الجنوب وإطلاعهم على إحداثيات الخط الأزرق والنقاط الـ13 المختلف عليها.
وذكر المصدر نفسه أن الخارجية اللبنانية ستتحرك باتجاه السعودية وقطر ومصر كونهما الدول العربية المشاركة في اللجنة الخماسية حيال الملف الرئاسي، للضغط على واشنطن وباريس بعدم التصعيد والانحياز لصالح إسرائيل في هذا الشأن السيادي الحساس، وخاصة في ظل المعلومات التي تشير إلى انعقاد اللجنة الخماسية قريباً على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة المصرية القاهرة.
حزب الله: توسيع صلاحيات اليونيفيل “احتلال”
أما الجهة المعنية الأولى في الملف -أي حزب الله، فأوضح مصدر قيادي رفيع في الحزب لـ”عربي بوست” أن الحزب يتابع مجريات الملف، ويعتبر بشكل واضح أن القوى الدولية وتحديداً واشنطن وحلفاءها يعملون بكل قوتهم على حصار “المقاومة” وتقييد عملها، وهذا الأمر ليس وارداً بالنسبة للحزب كونه موجوداً للدفاع عن لبنان من أي عدوان محتمل.
وأكد مصدر الحزب أن السماح للقوات الدولية بالدخول والعمل دون تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني وباقي أجهزة الدولة يعتبر “احتلالاً مبطناً” للأرض اللبنانية، وهذا التواجد هو في إطار ربط النزاع وليس في إطار الدخول في مسائل داخلية حساسة تتعلق بسيادة الأرض والبحر.
ولا يخفي المصدر أن لحزب الله شعوراً دائماً أن هذا الكلام المتواصل عن توسيع صلاحيات القوات الدولية ليس إلا محاولة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لتبرير “قضم الأرض” واستمرار قرارات الضم، مشيراً إلى أن موضوع إزالة الخيم ليس وارداً، وأن الحزب قد يذهب إلى توسيع تواجد الخيم وربما تحويلها إلى مخيم إسمنتي.