ورصدت منظمات دولية ولبنانية معنية، معاناة اللبنانيين في قراهم وبلداتهم أو الذين أجبروا على النزوح عن منازلهم وممتلكاتهم بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل والمتصاعد على المناطق اللبنانية، حيث أكد تقرير المنظمة الدولية للهجرة، أن 80 في المئة من النازحين يقيمون عند أقاربهم في مدن وبلدات لبنانية، و17 في المئة من النازحين اللبنانيين استأجروا منازل، في وقت يعيش 3 في المئة منهم في 14 مأوى جماعي.
وكشف التقرير الدولي عن استشهاد العشرات من المدنيين خلال الخمسة أشهر الماضية من عمليات القصف، في وقت أكدت فيه وزارة الزراعة أن القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان، أتلفت 50 ألف شجرة زيتون بسبب إلقاء جيش الاحتلال القنابل الفسفورية المحرمة دوليا على الأحراش والمزروعات، وإحصاء عشرات المزارع التي دمرت بالكامل، وعشرات الآلاف من رؤوس الماعز والأبقار والأغنام ونفوق عشرات الآلاف من الطيور.
وذكر حيدر الأخرس رئيس دائرة الاستقصاء في مجلس الجنوب التابع للحكومة اللبنانية، أن أكثر من 245 وحدة سكنية هدمت كليا، و25 مزرعة تم حرقها ودمار أكثر من 200 مركبة. وليس جديداً أن ينزح الجنوبيون ولا سيما أبناء ما يُعرف بالشريط الحدودي، عن بلداتهم وقراهم، وإن كانوا عرفوا موجات نزوح منذ سبعينيات القرن الفائت، فإن موجة النزوح الحالية تختلف بسبب تغيّر كبير في الظروف المعيشية وانهيار الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية فضلاً عن عدم وجود أفق للتهدئة.
لذلك ما زالت أعداد النازحين من الجنوب تشهد ارتفاعاً مطّرداً مع اشتداد الاعتداءات الإسرائيلية وعدم اقتصارها على ما بات يُعرف بالحافة الأمامية، أي تلك البلدات والقرى المتاخمة للحدود والممتدة من الناقورة وصولاً الى الوزاني مروراً بعيتا الشعب ورميش وعيترون وحولا وكفركلا.
وبعدما كانت أعداد النازحين في شهر تشرين الأول/اكتوبر الماضي الـ15 ألفاً ارتفعت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى 26 ألفاً، وسجّلت في كانون الأول نحو 70 ألفاً واستقرت مطلع العام على 86 ألفاً لتلامس حالياً الـ90 ألفاً.
وحسب أرقام «منظمة الهجرة العالمية» قبل أيام قليلة، فقد سجّل نزوح نحو 86000 شخص من المناطق التي تُصنّف ساخنة إلى مناطق أكثر أماناً، والمناطق الساخنة هي تلك البلدات الملاصقة للحدود.
واستنادا لأرقام «منظمة الهجرة العالمية» (التي تتصاعد بين يوم وآخر) يتوزع النازحون حالياً بشكل أساسي على أقضية صور والنبطية وصيدا.
وتوزع الباقون على البقاع الغربي وبعلبك والهرمل وكذلك على القرى في قضاء بنت جبيل البعيدة نسبيا عن خط المواجهة، ووصل بعض النازحين إلى طرابلس وكذلك البترون.
أما كيفية تأمين منازل للنازحين فتوزعت بنسبة كبيرة على عائلات مضيفة (نحو ثلثي النازحين) وأكثر من 15 في المئة استأجروا منازل أو شققاً سكنية، فيما انتقل نحو 4 في المئة إلى منازل يملكونها خارج مناطق المواجهة، واستقبلت مراكز الإيواء الجماعية قرابة 2 في المئة (مدارس ومؤسسات أخرى).
واختلفت نسب النزوح بين بلدة وأخرى، ففيما تسجّل بلدات الحافة الأمامية نسب نزوح تفوق أحياناً الـ80 في المئة، فإن بلدات أخرى تصل فيها نسب النزوح إلى 50 في المئة مع الإشارة إلى خلوّ تام لأطراف البلدات الحدودية من السكان.
أما عن التقديمات للنازحين، فالنازحون المسجّلون يفيدون من تقديمات المؤسسات الرسمية من خلال برنامج إدارة الكوارث والجمعيات الخيرية وما يرسله المغتربون وأقاربهم في الخارج.
وحسب متابعي ملف النزوح فإن التقديمات لا تزال متواضعة من قبل الجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية ولا تصل إلى 50 في المئة من الحاجات.
أما نوعية المساعدات فتراوح بين مبالغ مالية شهرية (100 دولار) وحصص تموينية وغذائية وأدوات تنظيف وحليب للأطفال وكذلك حفاضات وغيرها، فيما قدمت جمعيات خيرية أخرى مبالغ مالية قدرت بـ 200 دولار شهرياً لـ70 مزارعاً في بلدات عيترون وورميش ودبل ومارون وبنت جبيل، كتعويض بسيط عن الخسائر التي لحقت بهم.
إلى ذلك هناك نازحون لا يتلقّون أي مساعدات إما بسبب عدم التسجيل لدى المراجع المختصة أو بسبب عدم التواصل مع مسؤولين محليين رسميين أو حزبيين، أو بسبب التقصير.
بيد أن النزوح في هذه الفترة يُعدّ الأكثر قساوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من أربع سنوات، عدا عن أن هناك عائلات لم تستطع النزوح لعدم توفر الأموال بدل الانتقال وتأمين مستلزماته، وهناك عائلات لم تستطع النزوح لعدم توفر مكان لنقل المواشي أو الطيور وبالتالي فضّلت البقاء في القرى الحدودية.
أصبح العدوان الإسرائيلي اليومي خطرا راسخا في القرى الحدودية جنوب لبنان، وهي التي كانت تزهو بالسهول والمزارع والبساتين الخلابة، وامتلأت اليوم بشظايا «حرب مصغرة» أو «حرب الاستنزاف» وبأكوام الدمار وبقايا الفسفور الذي التهم خضار الأرض، كما خلت من صخب سكانها وحركة مركباتها، باستثناء تلك التابعة لقوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» لتضج بصدى الصواريخ وغارات الطيران الحربي الإسرائيلي، ما يفاقم معاناة أهالي الجنوب سواء صمدوا في ديارهم ومزارعهم معرضين لآلة الموت والدمار الإسرائيلية، أم نزحوا عنها وعانوا من عذابات الهجرة واللجوء.