صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

أعلى مستويات التوتر والحزن.. تقرير يكشف حال موظفي لبنان

بقلم : أسرار شبارو - أطلق تقرير دولي، صادر عن مؤسسة "غالوب"، صرخة مدوية عن عمق معاناة الموظفين في لبنان، كاشفاً الصورة القاتمة لغرق هؤلاء في مستنقع التوتر والحزن، إذ سجلوا أعلى معدلات هذه المشاعر السلبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى ترتيب منخفض لمشاركتهم في العمل.

ويضيء التقرير، الذي يحمل عنوان “حالة مكان العمل العالمية 2024″، على مسار انهيار الجهاز الوظيفي في لبنان، حيث يواجه الموظفون منذ بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019 أوضاعاً صعبة تتسم بتدهور قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى تآكل قيمة رواتبهم وانخفاض قدرتهم الشرائية بشكل كبير.

يُذكَر أن تقرير “غالوب” (وهي شركة تحليلات واستشارات عالمية)، يقدّم تحليلاً لحالة الموظفين في بيئة العمل وحياتهم اليومية، معتمداً على نتائج استطلاعات تجريها المؤسسة سنوياً، تشمل أكثر من 160 بلداً، مستهدفة ألف شخص في كل بلد.

ويرتكز التقرير على 4 مقاييس هي: مشاركة الموظفين (لقياس مدى انخراطهم وتحفيزهم في عملهم)، والمشاعر السلبية اليومية (تحدد مدى معاناة الموظفين من التوتر أو الغضب في مكان العمل)، بالإضافة إلى سوق العمل (تقيم آراء الموظفين بشأن مناخ العمل واستعدادهم للانتقال إلى وظيفة جديدة)، وتقييم الحياة (لقياس مستوى رضا المشاركين عن حياتهم ورؤيتهم للمستقبل).

جحيم من المشاعر السلبية

يعاني الموظفون اللبنانيون، بحسب تقرير “غالوب”، من أعلى معدلات التوتر والحزن اليومي في بيئة عملهم على مستوى المنطقة، إذ أظهرت النتائج أن 68 في المئة منهم يعانون من التوتر يومياً، بينما يشعر 41% منهم بالحزن أثناء العمل، أما العام الماضي فاحتل لبنان المرتبة الثانية في ترتيب بلدان المنطقة لجهة معاناة الموظفين من التوتر اليومي في بيئة عملهم، وذلك بنسبة 67 في المئة”.

كما بيّنت الأرقام الأخيرة أن حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظفين في لبنان هي ثالث أعلى نسبة في المنطقة، إذ وصلت إلى 40%، وحافظ هذا البلد على المرتبة التي سجلها العام الماضي.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

وتعود أسباب النتائج التي سجلها، بحسب رئيس المؤسسة اللبنانية للتأهيل والتطوير، أستاذ السياسات العامة والادارة في الجامعة اللبنانية، برهان الدين الخطيب، إلى “شعور الموظف اللبناني بعدم الاستقرار وصعوبة التخطيط لحياته العملية والخاصة، بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأزمات المتلاحقة”.

وأخطر ما كشفه التقرير، بحسب ما يقوله الخطيب لموقع “الحرة”، أن “لبنان يحتل المركز السابع في ‏المنطقة لجهة نية الموظفين ترك عملهم، إذ أن 50% منهم يبحثون عن وظيفة جديد”، ويرجع الخطيب ذلك إلى “تدني الرواتب والسعي لتحسين وضعه، إضافة إلى عدم تطبيق عقود العمل وعدم الالتزام بقوانين العمل وغياب الرقابة والتفتيش على المؤسسات لضمان تطبيق القوانين الحمائية”.

وفيما يتعلق بمشاركة الموظفين في لبنان، وصلت النسبة إلى 8%، ليحتل هذا البلد المرتبة قبل الأخيرة بين 17 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متقدماً فقط على مصر التي سجلت نسبة مشاركة 6%.

ويرجع الخطيب ذلك إلى “طغيان الوساطات والعلاقات الشخصية والمناطقية والطائفية والسياسية والمنفعية. بالإضافة إلى اعتماد عدد من القادة الإداريين سياسة فرق تسد، وعدم تحضير القيادات المستقبلية سعياً الى بقائهم في مواقعهم”.

وعلى الصعيد العالمي، كشف التقرير أن حوالي 20 في المئة من العاملين على مستوى العالم يشعرون بالوحدة أو الغضب أو الحزن بشكل يومي، بينما يشعر 41 بالمئة منهم بالتوتر.

وأظهر أن 23% من الموظفين حول العالم مشاركون في عملهم، وهي أعلى نسبة منذ إطلاق التقرير  عام 2009. كما أظهر أن 62% من الموظفين غير مشاركين في عملهم، مما يعني أنهم يعملون دون شغف حقيقي، في حين أن 15% من الموظفين غير راضين عن عملهم ويعيقون عمل زملائهم. 

وأشار التقرير إلى أن انخفاض مشاركة الموظفين في عملهم يكلّف الاقتصاد العالمي حوالي 8.9 تريليون دولار.

متطلبات بيئة العمل

كما احتل لبنان أدنى مرتبة بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث مناخ العمل، وذلك رغم الأهمية الكبيرة التي تُعطى لبيئة العمل كعامل مؤثر على إنتاجية الموظفين في القطاعين العام والخاص، بحسب ما يؤكده الخطيب.

 ويشرح الخطيب أن” البيئة الإيجابية تساهم في تحسين رفاهية الموظفين وزيادة رضاهم الوظيفي، كما تحد من التوتر وتحسن الصحة العقلية. وهذه العوامل تؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وجودة الخدمات المقدمة، والابتكار”.

كما تؤثر بيئة العمل الإيجابية على “قيم الموظفين ومواقفهم وسلوكياتهم، مما يساهم في خلق ثقافة من الاحترام والتعاون والثقة داخل المؤسسة”.

أما الرئيسة السابقة لرابطة موظفي الإدارة العامة، نوال نصر، فتعتبر أن الحديث عن بيئة العمل والقدرة على الانخراط فيها بشكل فعال، يعني الحديث عن “الكفاءة والمؤهلات والخبرة لدى الموظفين. ولطالما تميز هؤلاء في لبنان بها ونهضوا بالإدارة العامة والقطاع العام، وأمنوا بمسؤولية ونجاح شؤون الوطن والمواطن، حتى فوجئوا بأرتال من موظفي المحسوبيات اقتحمت الإدارات دون أي معايير أو ضوابط قانونية أو منطقية، وعلى مرأى من كل أجهزة الرقابة المعنية”.

واحتل موظفو المحسوبيات، بحسب نصر، مراكز الموظفين الأكفاء، ونافسوهم على صلاحية اتخاذ القرار، واستفزوهم بالرواتب العالية. وعاثوا في هذه الإدارات خللاً وحولوها إلى ملكيات خاصة، مما حد كثيراً من دور الكفاءات والمؤهلات الموجودة فيها”. 

كما أن الحديث عن بيئة العمل يشمل، وفقاً لما تقوله نصر لموقع “الحرة” “أدوات الإنتاجية، وفي مقدمتها التكنولوجيا، التي بدأ العمل عليها منذ عقود واستُقدمت لأجلها خبرات الدول الممولة بالقروض. رغم ذلك، ما زالت هذه الأدوات خجولة، وما زال الموظفون، بالإضافة إلى همومهم الحياتية، يرزحون بين الملفات الورقية، مع كل ما يرافق ذلك من شح في مختلف مستلزمات العمل، مثل القرطاسية، والأجهزة، والوقود، وغيرها.”

وتضيف أن العمل يتطلب بيئة صحية نظيفة، وكفاية واستقراراً مادياً ومعنوياً، لتحقيق الرضا والرغبة والقدرة، وبالتالي إنتاجية أفضل.

“كتلة مهمّشة”

معدو تقرير “غالوب” حافظوا على بعض ماء الوجه للبنان بعدم إزالته كلياً من لائحة الدول، كما ترى نصر، وتؤكد أنه تم تحويل موظفي الإدارة العامة إلى كتلة مهمّشة لا تحصل على أبسط احتياجاتها الأساسية، “إذ تلامس رواتبهم العدم، والحوافز المعطاة لهم تفشل تماماً أن تكون عنصر ترغيب، لأنها بالكاد تمكّنهم من القيام بفروض السخرة، فما هي إلا أدوات ترهيب وقنابل موقوتة، إذ إنهم مهددون بوقفها في أي لحظة”.

وبعد ما يقارب الخمس سنوات على الأزمة الاقتصادية، يعيش الموظفون، بحسب نصر “في قلق وخوف مما قد يحصل لهم في أي لحظة، سواء كان ذلك من نقل أو طرد تعسفي، أو من مستلزمات طارئة لعائلاتهم، كأن يمرض أحد أفرادها، أو يطرد أحد الأبناء بسبب العجز عن دفع القسط المدرسي، أو أن يصاب أحدهم بفيروس ما بسبب البيئة الموبوءة المفروض على الموظف تقبلها، التي تستثنى أجنحة القادة منها”.

وتضيف “آخر البدع التعنيف المادي والمعنوي عبر التمييز الاستنسابي الذي يواجهه الموظفون دون أدنى احترام للمعايير القانونية والدستورية والإنسانية، وحين يستصرخون أجهزة الرقابة يجدونها بين المميزين ودون المهام الأساسية التي وجدت من أجلها”.

واللحظة المحتومة الأكثر رعباً لدى الموظفين، بحسب نصر “لحظة إنهاء خدماتهم وخروجهم من الوظيفة بعد عمر من الشقاء والصبر دون أدنى أمل في لقمة عيش كريمة أو حبة دواء، فتعويضاتهم احتجزت في ضمائر القائمين عليها”.

ويؤكد تقرير “غالوب” أن مشكلات الصحة النفسية ليست كلها مرتبطة بالعمل، إلا أن العمل يعتبر عاملاً مؤثراً في تقييمات الحياة والمشاعر اليومية. 

ويوضح أن الموظفين الذين يكرهون وظائفهم يعانون من مستويات عالية من التوتر والقلق اليومي، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات المشاعر السلبية الأخرى.

وأشار التقرير إلى أن الشعور بعدم الاندماج الفعّال في العمل يمكن أن يكون له تأثير مشابه، أو حتى أسوأ من البطالة، على جوانب الرفاهية مثل الضغط والغضب والقلق والوحدة. من جهة أخرى، عندما يجد الموظفون عملهم وعلاقات العمل ذات معنى، فإن ذلك يرتبط بمستويات عالية من الرضا اليومي وانخفاض المشاعر السلبية.

وأبرز التقرير أن نصف الموظفين الذين يشعرون بالاندماج في العمل يزدهرون في حياتهم بشكل عام، مما يسلط الضوء على أهمية ذلك الشعور وتأثيره الإيجابي على الأداء المهني والحياة الشخصية.

نهج تدميري.. ومواجهة

معالجة الصحة النفسية للموظفين، تتطلب بحسب تقرير “غالوب” دعم الازدهار في الحياة والاندماج في العمل، ويرى التقرير أن على أصحاب العمل توفير مزايا ومرونة مناسبة لدعم رفاهية الموظفين، دون إهمال أكبر رافعة لديهم لتقييم حياة الموظف: بناء فرق منتجة وعالية الأداء.

ولا بد، بحسب الخطيب، من “إنشاء بيئة عمل إيجابية ومنتجة ومحفزة، تسودها عوامل الاستقرار المادي والنفسي والوظيفي، وذلك من خلال بناء ثقافة مؤسسية تشجع العلاقات الهادفة والحقيقية بين الزملاء، والتصرف كعائلة، فعندما يثق فريق العمل ببعضه البعض، يتحقق التميز في العمل”.

كما ينصح الخطيب بإثارة “الطاقة الإيجابية لتعزيز السعادة في العمل وتحفيز الموظفين للاستمرار في بذل الجهد، وتقديرهم ومنحهم المكافآت المالية مع التعبير عن الامتنان الذي له تأثير أكبر في تعزيز الرضا الوظيفي”، مشدداً على أن “التقييم الوظيفي يجب أن يكون المعيار الوحيد للتقدير والمكافآت”.

لكن السلطات اللبنانية تستمر، بحسب نصر، في تبني نهج غير فعال، بل تدميري في إدارة الشؤون العامة.

وتشدد على أنه “رغم الأزمة التي طالت الإدارة العامة والموظفين في لبنان على كل الصعد، ورغم معاناتهم، ناضل هؤلاء لاستعادة قدراتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم للنهوض من جديد بالإدارة العامة، وما لها من دور أساسي في قيام الدولة الراعية لشؤون الوطن والمواطن. لكن الحائط المسدود الذي يواجه هذا الهدف ما زال قائماً وصلباً.”

وتؤكد نصر أن “تمكين الموظفين من المشاركة الفاعلة في بيئة العمل لاستعادة الإدارة العامة والنهوض بها من جديد، رهن قرار السلطة السياسية، كما رهن قرار متخذ وبإصرار من قبل الموظفين، ومن قبل كل الحريصين على الوطن”. 

وتختم نصر مشددة على أنه “لا تنازل عن الإدارة العامة، لا تنازل عن القطاع العام، وبالتالي لا تنازل عن علم واسم لبنان ليتصدر لوائح الدول في كل التقارير التي تعنى بمؤشرات النهوض والعودة إلى الحياة”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading