تبين سلسلة من الأحداث المتلاحقة أن الأطفال هم الحلقة الأضعف في لبنان، إذ يتعرضون لأشكال شتى من الانتهاكات ليس آخرها ظاهرتا “التخلي عن الرضع” على قارعة الطرقات وحوادث الاعتداء الجنسي، الأمر الذي ينذر بمستقبل قاتم في البلاد التي تعيش آثار الانهيار الاقتصادي على المستويين الاجتماعي والأخلاقي.
مواليد متروكون
صباح الأربعاء الماضي، استفاق أهالي طرابلس في شمال لبنان على خبر العثور على طفلة رضيعة داخل كيس كان يجرها كلب في شارع البلدية. وللوهلة الأولى نسج رواد التواصل الاجتماعي قصصاً حول “إنسانية هذا الكلب” وحسن أخلاقه وحفاظه على حياة الفتاة، قبل أن يظهر المنقذ الحقيقي وهو شاب في مقتبل العمر.
روى الشاب عبر منصات التواصل الاجتماعي كيف “عثر عند الثانية والنصف فجراً على الطفلة التي كان يجرها الكلب في منتصف الطريق وأنقذها قبل مفارقتها الحياة بعد أن تعرضت للنهش وجروح في الوجه والجسد”، كما استعان ببعض الشبان من أجل نقلها إلى المستشفى الإسلامي حيث حظيت بالرعاية، ومن ثم الانتقال إلى المستشفى الحكومي في القبة للعلاج.
وما هي إلا ساعات حتى تكررت القصة بوجوه جديدة وفي منطقة أخرى. فقبل منتصف الليل عثر شاب على طفلين (فتاة وصبي) تحت جسر نهر إبراهيم في جبل لبنان، وتسلمهما الأب وجدي العلاوي، الذي يدير جمعية “سعادة السما”.
ظاهرة خطرة
يروي علاوي لــ”اندبندنت عربية” تفاصيل حادثة جبل لبنان، حيث تلقى اتصالاً، عند الـ11 مساء الأربعاء الماضي، يفيد بالعثور على الطفلين، فما كان منه إلا أن طلب من المبلغ الانتقال إلى مخفر جبيل لتسليمهما إلى القوى الأمنية، التي حصلت على إذن من قبل النيابة العامة لنقلهما إلى المستشفى بسبب وضعهما الصحي السيئ.
وكشف عن أن الطفلين “صبي يبلغ ثلاثة أشهر وبنت عمرها نحو العام، وهما مجهولا الهوية، وننتظر إنجاز القوى الأمنية التحقيقات واستكشاف خيوط القضية، فربما يأتي أحد من الأهل للتعرف عليهما”.
يوضح علاوي “عانت الفتاة من انخفاض شديد في حرارة الجسم بلغت 35 درجة مئوية، وآثار الجوع”، في ما ينتظر قرار قاضي الأحداث في جبل لبنان جويل أبو حيدر تقرير المصير النهائي للأطفال، وقررت النيابة العامة وضعهما موقتاً تحت رعاية “سعادة السما”.
ليست بجديدة
يؤكد علاوي “أنها ليست المرة الأولى التي يعثر فيها على أطفال أو رضع”، مما يؤشر إلى أننا أمام “ظاهرة متصاعدة”، كاشفاً عن “العثور على طفل عمره أربع سنوات في برج حمود خلال الأسبوع الماضي، وقبل شهر عثرنا على طفلة عمرها خمس سنوات في زغرتا”.
يأسف الأب من أن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي يؤثر كثيراً على الأهل، حيث تعجز الأمهات والآباء عن تأمين الحد الأدنى من حاجات الأطفال كالحليب والدواء والطعام، وأحياناً يذهب الطفال ضحية الخلافات الأسرية”.
في المقابل، ينصح علاوي الأهل بدراسة قرار الإنجاب قائلاً “لا نعترض على أن الله هو العاطي، لكن على الأهل قياس الحال الاقتصادية والاجتماعية ومدى جهوزيتهما لرعاية الطفل وحمايته”.
لا ترموا أولادكم
يدين علاوي رمي الأطفال أو تركهم في الشارع، ويدعو الأهل العاجزين عن التربية إلى وضعهم في المؤسسات المتخصصة، لافتاً إلى وجود عديد من الجمعيات ودور حضانة الاجتماعية التي يمكن أن تسهم في حماية الأطفال ورعايتهم صحياً وتربوياً، موضحاً “هذه المؤسسات تخضع لقرارات القضاء وإشراف جهات حماية الأحداث، ومزودة بخبراء نفسيين واجتماعيين حيث يمكن للأهل استعادتهم عندما تتحسن أوضاعهم الاقتصادية والمالية”.
ويتساءل “ماذا كان مصير الطفلة في طرابلس لولا عبث الكلب بالكيس، وما حال الطفلين في الكرتونة عند منطقة نهر إبراهيم لولا توقف الرجل لقضاء حاجته؟ كانوا سيموتون بالتأكيد”.
يحظى هؤلاء الأطفال برعاية المؤسسات الاجتماعية تحت إشراف القضاء، وفي حال كشف هوية عائلاتهم ينظر القاضي في طلب الأهل ويقرر إعادة الطفل في حال التثبت من قدرتهم على رعايته أو يسمح للأهل بزيارة الأولاد ضمن دور الرعاية.
يوضح علاوي أن “القضاء يتابع وضع العائلة من خلال اتحاد رعاية الأحداث للتحقق من كفاءتهم وقدرتهم المالية والاجتماعية على التربية، وقد تكون العودة متدرجة خلال الإجازة الأسبوعية أو العطلة الصيفية أو فترة الأعياد، لأن الهدف هو الحفاظ على العائلة وتماسكها وبقاء الطفل في كنفها”.
من ناحية أخرى، يشير علاوي إلى أنه “ليس بالضرورة أن يسجل الطفل المتروك مكتوم القيد، إذ يمكن لقاضي الأحداث في حال تقدم أحد الأطراف بطلب التبني أن يدرس الملف ويسجله على اسم العائلة المتبنية إذا كانت مؤهلة للرعاية”، متحدثاً عن “قضاء متعاون جداً في ملف حماية الأطفال، حيث يعطي القضاة البعد الإنساني الأولوية”.
سلسة إجراءات
تؤكد رئيسة اتحاد حماية الأحداث أميرة سكر، متابعة ملف الأطفال المتروكين في لبنان، مشيرة إلى تعاون بين ثلاثة أطراف هي القضاء، والجمعيات المتخصصة، واتحاد حماية الأحداث.
وتشير سكر إلى متابعة ملف الأطفال في جبيل تتم مع جمعية “كرامة” المتعاقدة مع وزارة العدل، أما في ما يتصل بطلفة طرابلس فهي في عهدة النيابة العامة.
وتوضح رئيسة الاتحاد الآلية المتبعة عند العثور على طفل متروك، فما إن يبلغهم المخفر بوجود حالة ما يعملون على تأمين جمعية لحماية الطفل فضلاً عن الرعاية الصحية، مضيفة “نتابع دخول الطفل المستشفى لتلقي العلاج إذا كان لديه عارض صحي قبل نقله إلى الجمعية، بعد ذلك يفتح ملف حماية له من قبل القضاء، وتستمر الحماية حتى سن 18 سنة، كما هناك إمكانية لتسليم الطفل لعائلة بديلة بقرار قضائي”.
في موازاة ذلك، عقد المجلس الأعلى للطفولة اجتماعاً استثنائياً، قبل ظهر الخميس الماضي. وأكد متابعة ملف طفلة طرابلس بالسرعة المطلوبة، إضافة إلى تفعيل أجهزة الرقابة والعمل ضمن الإمكانات المتاحة.