وأحصت وزارة الزارعة 340 حريقاً في الفترة الممتدة بين 7 أكتوبر و14 نوفمبر، نتيجة القصف الإسرائيلي، معلنة أن مساحة الأراضي المحترقة “تجاوزت 900 متر مربع”، وأنه تم” استهداف أكثر من 47 شجرة زيتون، إضافة إلى أشجار الصنوبر والسنديان”.
وأوضحت الوزارة في رسم بياني، خريطة الحرائق و”عدد استهدافات كل بلدة”، مشيرة إلى أن “60 في المئة من الاستهدافات طالت مناطق حرجية تحتوي على أشجار السنديان والملول والغار، و30 في المئة منها طال أراض مزروعة بالحمضيات والأشجار، و10 في المئة طال مناطق مغطاة بالأعشاب”.
كما أدى القصف “الذي استهدف 53 بلدة جنوبي لبنان، إلى تضرر 60 خيمة زراعية و250 قفير نحل، إضافة إلى نفوق 200 ألف طير دجاج، و700 رأس ماشية، ودمّر بشكل كلي مستودعاً للأعلاف مساحته 600 متر مربع”.
وتصاعدت الاشتباكات على الحدود، بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران، في الأسابيع القليلة الماضية، منذ دخول إسرائيل في حرب ضد حركة حماس، حليفة حزب الله.
وفي السابع من أكتوبر، شنت حركة حماس هجوما على إسرائيل، مما أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال. كما خطفت الحركة رهائن يقدر عددهم بأكثر من 240، بينهم أجانب، ونقلتهم إلى القطاع الفلسطيني.
وردا على ذلك، تشن إسرائيل غارات متواصلة على قطاع غزة، بالإضافة إلى توغل بري، مما أدى إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص، أغلبهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال.
القصف الإسرائيلي زاد من خسائر لبنان لثروته الحرجية التي يتكبدها بالفعل، إما بسبب الحرائق التي تجتاحها كل عام، والتي أوصلت بعضها إلى الترميد الكامل، أو نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ عام 2019، حيث أصبحت الأشجار، الوسيلة الوحيدة لعدد كبير من اللبنانيين لحمايتهم من الموت برداً أو جوعاً، إذ يُستخدم حطبها لإعداد الطعام، وإن كانت التكلفة البيئية والصحية لقطعها كبيرة.
ويأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع اللبنانيين للجوء إلى قطع الأشجار، انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وانخفاض قيمة رواتب الموظفين، وارتفاع سعر المازوت، وهو الوقود الرئيسي للتدفئة، وكذلك فاتورة المولدات الخاصة الباهظة، وذلك في ظل التقنين القاسي لكهرباء الدولة ورفع تعرفتها بصورة خيالية.
وقبل أيام، أكد وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحاج حسن، خلال مشاركته في معرض “أرضي”، أن “الجيش الإسرائيلي يقصف الثروة الحرجية والنباتية والحيوانية اللبنانية بقذائف الفوسفور الأبيض المحرّمة دولياً، من أجل حرق المساحات الخضراء والأشجار والحقول الزراعية والمزارع”، واعداً بـ”زرع 10 شجرات مكان كل شجرة يتم إحراقها”.
شكاوى أممية
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تسلط فيها وزارعة الزراعة اللبنانية الضوء على قضية استهداف الأشجار على الحدود، منذ بدء تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
فقبل أسبوعين، كشف الحاج حسن عن “حرق أكثر من 40 ألف شجرة زيتون باستخدام قنابل الفوسفور الأبيض” في جنوبي البلاد، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الإعلان أنه يُحقق في اتهامات موجهة له من جانب وزير الزراعة اللبناني.
وأكد الوزير اللبناني في بيان، أن الحكومة اللبنانية “ستُقدم احتجاجاً رسمياً للأمم المتحدة، اعتراضاً على انتهاك القانون الدولي وسيادة لبنان”، كما ذكرت شبكة “سي إن إن”، لافتة إلى أن طاقمها “شاهد على الأرض حرائق وأشجار تحترق ودخان يتصاعد، في أعقاب الغارات الإسرائيلية على جنوبي لبنان”.
وقام فريق “سي إن إن” بتصوير حقول الزيتون المهجورة خلال موسم الحصاد المستمر، “حيث فرّ آلاف السكان من البلدات والقرى على طول الحدود اللبنانية-الإسرائيلية”.
ورفضاً لـ”سياسة الأرض المحروقة واستخدام الفوسفور الأبيض”، كما وصف وزير البيئة اللبناني، ناصر ياسين، فإنه أكد قبل أسبوع، أن لبنان “سيتقدم بشكوى موثقة إلى مجلس الأمن”.
وأشار ياسين في تغريدة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، إلى أن الحرائق “امتدت على مساحات حرجية شاسعة ذات أهمية بيئية عالية، وأراض زراعية وعشرات آلاف أشجار الزيتون”.
كما سبق أن أوعز وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إلى “بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة، تقديم شكوى جديدة إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة استخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض في اعتداءاتها المتكررة ضد لبنان، وقيامها عمداً بحرق الأحراج والغابات اللبنانية”.
بين الاتهام والنفي
للفوسفور الأبيض استخدامات مسموح بها قانوناً، فهو غير محظور كسلاح كيماوي بموجب الاتفاقيات الدولية، لكن يمكن أن يسبب حروقاً خطيرة ويشعل الحرائق، كما ذكرت وكالة “رويترز”.
ويعتبر الفوسفور الأبيض سلاحاً حارقاً بموجب البروتوكول الثالث لاتفاقية حظر استخدام أسلحة تقليدية معينة. ويحظر البروتوكول استخدام الأسلحة الحارقة ضد الأهداف العسكرية الواقعة بين المدنيين، لكن إسرائيل لم توقع عليه وغير ملزمة به.
وسبق أن اتهمت منظمة العفو الدولية، الجيش الإسرائيلي بإطلاق قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض في عمليات عسكرية على طول الحدود الجنوبية للبنان في الفترة الممتدة من العاشر إلى 16 أكتوبر.
واعتبرت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، آية مجذوب، في بيان، أن “استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض بشكل لا يميز بين المدنيين والعسكريين، هو فعل مروّع وينتهك القانون الدولي الإنساني”.
كذلك اتهمت “هيومن رايتس ووتش” إسرائيل بـ”استخدام الفسفور الأبيض في عملياتها العسكرية في غزة ولبنان”، لكن المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، الرائدة إيلا، نفت في تصريحات سابقة لموقع “الحرة” هذه الاتهامات، قائلة: “نحن لا نستخدم أسلحة محرمة دولياً”.
وكشف آخر إحصاء بشأن مساحة الغابات في لبنان، أُعد عام 2005، أن الغابات “تغطي أكثر من 13 في المئة من مساحة الأراضي اللبنانية، في حين أن الأراضي الحرجية الأخرى تمثل نسبة 11 في المئة من المساحة الإجمالية، مما يعني أن حوالي ربع مساحة لبنان هي غطاء حرجي”.
ويعتبر عدد من خبراء البيئة، أن غابات لبنان هي “الرئة لمنطقة شرق المتوسط ودول الجوار والداخل العربي”، كونها تؤمن كميات الأكسجين المطلوبة لتلك المناطق، وأي تهديد لها “يشكل خطراً كبيراً على البيئة العالمية وعلى الإنسان وكل الكائنات الحية”.
وللغابات دور مهم في حماية كوكب الأرض من آثار تغير المناخ. وفي يوليو الماضي، حذّر مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، من أن “تغير المناخ ينذر بمستقبل مرعب حقاً”، ينتشر فيه الجوع وتسوده المعاناة.
وقال خلال نقاش في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بشأن الحق في الغذاء، إن “الظواهر المناخية المتطرفة تقضي على المحاصيل وقطعان الماشية والنظم البيئية، وهذا يقوّض قدرة المجتمعات على إعادة بناء نفسها وإعالة نفسها، ويجعل هذه المهمة مستحيلة”.
وخلال مؤتمر “الواقع البيئي والعدالة المناخية في لبنان: نحو مؤتمر الأطراف 27″، الذي عقد العام الماضي، أكد وزير البيئة اللبناني، أن “باحثين لبنانيين وخبراء في وزارة البيئة والجامعة اللبنانية والمؤسسات الدولية، وضعوا سيناريوهات كارثية محتملة لتأثيرات تغير المناخ”.
وأضاف: “حتى هذه الساعة لم يتم التوصل إلى مقاربات جدّية لحل هذه المشكلات، وذلك لعدة أسباب، أولها تأثير الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، رغم أن التغير المناخي شكل عاملاً ضاغطاً على التأزم الاقتصادي، كون مخاطر المناخ تؤثر على القطاعات كافة”.