أعادت المواجهات المشتعلة في جنوب لبنان منذ أكثر من مئتي يوم، أجنحة مسلّحة لأحزاب لبنانية لتلعب دوراً عسكرياً والمشاركة في حرب المشاغلة التي أطلقها حزب الله تحت شعار “وحدة الساحات”.
ولعل أبرز هذه الأجنحة هي “قوات الفجر” التابعة لـ”الجماعة الإسلامية”، حيث تشارك في الأعمال العسكرية جنوب لبنان إلى جانب فصائل فلسطينية، على رأسها “كتائب القسام” التابعة لحركة حماس.
ظهور مسلح وترويع للأهالي
وتصدّرت تلك القوات المشهد اللبناني منذ أيام عقب قيام عناصرها بعرض عسكري في ببنين بعكار شمال البلاد بعد وصول جثمان عنصري الحركة اللذين قضيا باستهداف سيارتهما قبل أيام بغارة إسرائيلية في البقاع الغربي، ما أثار موجة انتقادات في الشارع اللبناني.
وفي السياق، أكد عدد من أهالي بلدة ببنين تواصلت معهم “العربية.نت”: “أن معظم المسلحين “الملثمين” الذين ظهروا خلال التشييع في الفيديوهات المنتشرة ليسوا من أبناء البلدة”.
لكنهم أوضحوا “أن الجماعة السياسية ناشطة في ببنين اجتماعياً وصحياً (لديها مستوصفات) وليس عسكرياً، والمؤيدون لها من أبناء ببنين ليسوا أكثرية”.
كما أكدوا أنهم تفاجأوا بمقتل اثنين من البلدة بمسيّرة إسرائيلية ضمن الحرب القائمة جنوبا.
“ندفع فاتورة إيران”
واعتبروا أن اللبنانيين يدفعون “الفاتورة عن إيران التي تُصفّي حساباتها على الأرض اللبنانية”، حسب تعبيرهم.
إلى ذلك، رأوا أن “حزب الله استفاد من الفراغ السياسي على الساحة السنية ليستغل أبناءنا، وهو يستبيح مناطقنا خدمة لإيران”، حسب قولهم.
لكنهم شددوا على أن “الدولة ممثلة بالجيش والقوى الأمنية هي مرجعية أبناء البلدة فقط دون سواها”، قائلين “نرفض كل أشكال التنظيمات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة والقانون”.
الانتخابات الداخلية لحماس
من جهته، أوضح سامر زريق، الكاتب المتخصص بشؤون الإسلام السياسي “أن دخول قوات الفجر على المشهد الجنوبي مرتبط بحركة حماس”.
وأضاف في تصريحات لـ”العربية.نت” أنه بعد الانتخابات الداخلية للحركة عام 2017، حصل تحوّل كبير أوصل يحيى السنوار وصالح العاروري (الذي اغتالته إسرائيل مطلع العام في الضاحية الجنوبية لبيروت) إلى القيادة، وجعل الحركة ضمن ما يسمى بمحور الممانعة وشعار “وحدة الساحات”، ومن ضمن الأهداف التي تم العمل عليها توسيع ساحات القتال في لبنان لتشمل تنظيمات سنّية، فكان الخيار “الجماعة الإسلامية” التي هي جزء من الإخوان المسلمين في المنطقة، من خلال تعزيز قدراتها العسكرية”.
دور العاروري
كما أوضح أن “العاروري ساهم بشكل كبير في تعزيز القدرات العسكرية لقوات الفجر”، مضيفا أن المجموعة الناشطة فيها التي تقوم بالعمليات كانت مرتبطة مباشرة به.
وأشار زريق إلى “أن عدداً كبيراً من مقاتلي الجماعة الإسلامية أعضاء في حماس أو ما يُسمّى الأذرع الخيرية للحركة ويتقاضون رواتب شهرية”.
كذلك أكد أن “العمليات التي نفّذتها قوات الفجر من جنوب لبنان كانت من قبل عناصر فلسطينية تابعة لحماس”.
“السلاح المتفلّت”
واستدعى الظهور المسلّح لمناصري الجماعة الإسلامية الملثمين وإطلاق الرصاص عشوائياً في شمال البلاد، ما أدى لإصابة عدد من المواطنين، ردود أفعال سياسية وشعبية، رافضة لما اعتبروه تكريسا لمنطق السلاح المتفلّت.
في حين قال رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية علي أبو ياسين لـ”العربية.نت”: “إن الظهور المسلّح خلال التشييع كان لا بد منه من أجل منع أي استغلال للمناسبة، لاسيما أن القوى الأمنية كانت غائبة، علماً أن إطلاق النار خلال التشييع أمر مدان ومرفوض”.
كما أكد أن “قوات الفجر ستستمر بعملياتها طالما الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتداءاته، نافيا أن يكون قرار الجماعة الإسلامية في لبنان مرتبطا بأي حزب.
إلا أنه أوضح أن “التنسيق الميداني مع حزب الله قائم”، معتبراً أن “الدفاع عن لبنان ليس حقاً حصرياً لطرف محدد دون سواه”، حسب قوله.
رسالتان من حزب الله
في المقابل، اعتبر مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسّان القطب “أن حزب الله أراد من خلال مشاركة قوات الفجر بالعمليات جنوب لبنان إيصال رسالتين: الأولى أن قرار الحرب والسلم ليس بيده حصراً كما يتّهمه خصومه وإنما مشترك، والثانية تهديد للداخل والخارج بالحصول على مكاسب سياسية وإلا فإن فلتان الحدود جنوباً سيبقى قائماً، وهامش حرية الحركة لشتى التنظيمات سيكون كبيراً”.
كما أشار إلى “أن “الجماعة”لديها حضور في القرى السنية الحدودية جنوباً، (منطقة العرقوب وكفرشوبا والقرى السبع في القطاع الغربي)، وتحاول الإيحاء أن لديها عملا مقاوما ليس تابعاً لحزب الله، لكن هذا الأمر غير صحيح، والحزب يمارس دوره بناءً على إرشادات إيرانية”. وقال “الجماعة الإسلامية أسست قوات الفجر مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وانتهى دورها مع اتفاق الطائف عام 1989، لكنها بقيت تمارس العمل العسكري إلى أن مُنعت من ذلك بقرار من حزب الله والنظام السوري”.
معركة بشروط إيران
كما أردف متسائلا “لماذا تدخل الجماعة الإسلامية في معركة تُحدد شروطها إيران وتستفيد وحدها منها”.
أما النائب أشرف ريفي فأكد في تصريحات لـ”العربية.نت”، رفضه مبدأ السلاح المتفلّت، مشددا على أن رهان اللبنانيين على الدولة.
لكنه أعرب عن “أسفه لكون كل سلاح يدور في فلك حزب الله لا يجرؤ القضاء اللبناني على إدانته”. وقال “إن حزب الله لم يكن يسمح لأي تنظيم أو فصيل فلسطيني بحمل ولو مسدسا في جنوب لبنان، لكن الوضع تغيّر اليوم ويبدو أنه محشور ويفتّش عن شريك سنّي لعملياته جنوباً”.
كما شدد على أن “قوات الفجر لا تُمثّل الضمير السني في لبنان”. وختم قائلا “نحن مع القضية الفلسطينية، لكننا نرفض زجّ لبنان بالحرب وتقديم قرابين مجانية تخدم المشروع الإيراني في المنطقة”.
يذكر أن الظهور المسلح لتلك القوات قبل يومين كان أثار العديد من الانتقادات من سياسيين وإعلاميين ومواطنين عاديين أيضاً، بعد أن انتشرت مشاهد عشرات العناصر من قوات الفجر بأسلحتهم ورشاشاتهم يستعرضون وسط شوارع بلدة ببنين العكارية.
فبعد طول غياب عن ساحة المواجهات جنوباً، أطلت “قوات الفجر” لأول مرة في 18 أكتوبر الماضي (2023)، عند إطلاق صواريخها نحو إسرائيل، لتنعى لاحقا خمسة من مقاتليها سقطوا في الجنوب اللبناني منذ انطلاق المواجهات حتى اليوم.