الحملة جاءت على خلفية منع هبوط طائرة إيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، بسبب تهديدات إسرائيلية بقصف المطار، بدعوى أن إيران تستخدم الطائرات المدنية لنقل أموال إلى حزب الله.
واتهمت إسرائيل حزب الله مرارا باستخدام المطار الوحيد في لبنان لنقل الأسلحة من إيران وقصفت عدة مرات محيط المطار أثناء حربها مع الحزب المدعوم من طهران التي انتهت أواخر العام الماضي.
وبعبارات تتجاوز النقد السياسي إلى التخوين، اتهم أنصار حزب الله عون وسلام بـ”العمالة لإسرائيل” و”التبعية للخارج”، واصفين قراراتهما بـ”تنفيذ الأجندات الغربية”، في محاولة لتحويل قرار منع هبوط الطائرات الإيرانية إلى معركة وجودية.
لم تتوقف الرسائل عند حدود العالم الرقمي، ففي منطقة الجرمق – العيشية بقضاء جزين، أقدم مناصرون للحزب على الاعتداء على نصب تذكاري لرئيس الجمهورية، وكتبوا عليه شعار حزب الله واسم أمينه العام الراحل حسن نصر الله، في خطوة تحمل دلالات تتجاوز الاستفزاز الرمزي إلى التحدي العلني.
وتطرح الحملة التي يشنّها أنصار حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، على عون وسلام تساؤلات حول دوافعها. فإذا كان الرئيسان، وفقاً لاتهامات الحزب، خصمين سياسيين ينفّذان أجندات خارجية، فكيف يمكن تفسير موافقة الحزب على تسمية عون لرئاسة الجمهورية ومشاركته في حكومة سلام بخمس حقائب وزارية عبر تحالفه مع حركة أمل؟
تأزّم وتخبّط؟
الحملة التي يشنّها أنصار حزب الله على عون وسلام “ليست مفاجئة”، وفق المحلل السياسي المحامي أمين بشير، الذي اعتبر أنها “ردّ فعل على شعور الحزب بفقدانه السيطرة على القرار السياسي في لبنان لصالح المؤسسات الشرعية”.
وأشار بشير، في حديث لموقع “الحرة”، إلى أن “هذه الحملة بدأت مع انتخاب رئيس الجمهورية وامتدت إلى تسمية سلام وتشكيل الحكومة”، مشدداً على أن عون وسلام يمثلان “الشرعية”، ما جعلهما في مرمى الهجوم.
وأضاف “بعد انتخاب عون وتكليف سلام، أدرك الحزب أن الأمور انسحبت من يديه. وما زاد الطين بلّة هو إغلاق المنفذ الأخير له لتأمين الدعم المالي واللوجستي، أي مطار بيروت، الذي يعتبره تحت سيطرته بحكم وقوعه في منطقة نفوذه، وذلك بعد قطع خطوط إمداده من سوريا”.
وذكّر بشير بأن “قرار الحكومة عام 2008 بشأن شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب في مطار بيروت كانت أحد الأسباب المباشرة التي دفعت حزب الله إلى تنفيذ أحداث 7 مايو”، ما يفسّر، برأيه، ردّ الفعل العنيف على قرار منع هبوط الطائرة الإيرانية.
من جهته، رأى المحلل السياسي، جورج العاقوري، أن هذه الحملة تعكس “حالة التأزم والتخبط داخل بيئة حزب الله في ظل المتغيرات المتسارعة التي لم يتمكنوا من استيعابها بعد وعدم مصارحة الحزب لهم بحقيقة ما يجري، بل هروبه إلى الأمام عبر سياسة الانكار وادعاء الانتصار”.
وأكد العاقوري، لموقع “الحرة”، أن “هذه المتغيرات تبدأ من اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وكبار قادته، وصولا إلى فقدان النفوذ العسكري وتزايد الضغوط لنقل دور الحزب إلى المسار السياسي المحصور بصناديق الاقتراع، لا بصناديق الرصاص، إضافة إلى واقع محور الممانعة مع سقوط نظام آل الأسد وانقطاع الشريان الأساسي لإمدادات الحزب والقلق الإيراني مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض”.
وتجميد الرحلات الجوية بين بيروت وطهران يمثّل كما يقول العاقوري “انعكاسا جديداً للمشهدية القائمة جراء المتغيرات في لبنان والمنطقة”.
وقال إن “وزير الأشغال السابق علي حمية المحسوب على “الحزب” كان طلب من الإيرانيين خلال الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل الامتناع عن توجيه طائرة لهم إلى بيروت دون أن يحرّك أنصار الحزب أي اعتراض ميداني أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك”.
وأضاف “بعدما كان وزير الخارجية الإيراني يأتي إلى بيروت ويوجّه “أمر اليوم” إلى محور الممانعة، أصبح الإيرانيون اليوم عاجزين حتى عن إرسال طائرة إلى بيروت، بينما بات حزب الله يستجدي في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي السماح بهبوطها”.
هذه الحملات والتحركات لا تعدو وفق العاقوري “كونها محاولة لامتصاص احتقان الشارع داخل بيئة الحزب”، لافتاً إلى أن هذا الجمهور بدأ “يكتشف أن ما يروّجه الحزب لا يعكس الحقيقة، وأن لا انتصار تحقق على الأرض”.
تحذيرات من “ذهنية التعطيل”
من الهجوم على منصات التواصل الاجتماعي إلى الاعتداء الفعلي، انتقلت الحملة التي يقودها أنصار حزب الله على عون وسلام، حيث تم الاعتداء على نصب تذكاري لعون يوم الاثنين الماضي في منطقة الجرمق – العيشية بقضاء جزين.
النائبة غادة أيوب نددت بالاعتداء، واعتبرته “عملاً مداناً بكل المقاييس، واعتداءً على رمز من رموز وحدة لبنان وحامي الدستور”.
وشددت، في تغريدة عبر منصة “إكس”، على أن “هذا الفعل لا يمكن السكوت عليه، وعلى الأجهزة المعنية التحرك بسرعة بما يتناسب مع حجم الجريمة التي تطال قيم لبنان وثوابته”.
وأضافت “الله يحمي لبنان من العابثين بأمنه ومن الذين يتجرؤون على العبث بأمنه، والذين يسعون لتقويض استقراره وتهديد سلمه.”
في المقابل، أصدر حزب الله بياناً دان فيه الاعتداء، واصفاً إياه بأنه “عمل فتنوي مشبوه”، داعياً إلى تفويت الفرصة على أي محاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي.
وفي هذا السياق، يرى العاقوري أن “خطورة الحملة، سواء كانت منظمة أو عفوية، تكمن في أنها تعكس حالة الشحن التي يعيشها جمهور حزب الله”، مشيراً إلى أن هذا الجمهور “اعتاد أن تكون دويلته هي الحاكمة، لا الدولة”.
وذكّر العاقوري بتصريحات مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا في 5 يناير الماضي، عندما قال: “نحن على بعد أمتار من المطار… لا تجربونا”.
واعتبر أن اعتراضات أنصار حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي وتحركاتهم في الشارع، لم يغيّرا القرار الرسمي المتعلّق بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت.
ولفت إلى أن تجميد الرحلات بين لبنان وإيران “حتى إشعار آخر”، يمثّل تراجعاً جديداً لحزب الله، مشابهاً لتراجعه في ملف رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وتمديد اتفاق وقف إطلاق النار.
ضرورة لا خيار
وأعرب بشير عن استغرابه من ازدواجية موقف الحزب، فكيف يهاجم حكومة يشارك فيها بوزراء بالتحالف مع حركة أمل؟.
وقال: “يبدو أنه يعترض ضد نفسه. فمن يتخذ موقفاً تصعيدياً في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يفترض به أن يترجمه عبر وزرائه في الحكومة”.
ورأى بشير أن تمسّك الحزب بالمشاركة في الحكومة يعكس خشيته من فقدان التأثير في حال الانسحاب، مشيراً إلى أن “الحديث عن الميثاقية لن يُسمع منه إذا خرج ونواب حركة أمل من السلطة، مما قد يؤدّي إلى تلاشي نفوذهما”.
كذلك يستبعد العاقوري انسحاب حزب الله من الحكومة في المرحلة الحالية، معتبراً أن الحزب يسعى لتجنب تحمّل أعباء إعادة الإعمار وتداعيات اي تأخير.
ومع ذلك يشير إلى أن “ذهنية التعطيل” لا تزال تتحكم بسياسات الحزب، مستذكراً تعطيله لحكومة فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008 بعد انسحاب وزراء الشيعة منها، إضافة إلى عراقيله المتكررة في انتخاب رئيس الجمهورية.
ويختم العاقوري بأن “واقع حزب الله اليوم، بما يشمله من انكسار محور الممانعة، انتهاء نظام الأسد، وتصاعد الضغوط الدولية، يدفعه إلى التريث وعدم المجازفة بالخروج من الحكومة، خشية فقدان آخر معاقل نفوذه الرسمي”.