منذ انتهاء الحرب الأهلية المدمرة، غرق لبنان بالديون، حيث بدأت ترتفع قيمة الاستدانة، لتصل إلى نسب قياسية مقارنة بالناتج المحلي.
ولعلّ المفارقة أن لبنان لم يكن دينه العام يتعدى الـ3 مليارات دولار مع نهاية الحرب عام 1990، ليقفز ويصل عام 2019 إلى أكثر من 90 مليار دولار.
كيف غرق لبنان في مستنقع الديون؟
تراكمت الديون مع غياب الخطط وانحسار النشاط الريعي، في وقت استسهلت الحكومة الاستدانة مع ارتفاع الهدر والإنفاق العشوائي والفساد.
وتضاف إلى ذلك 3 أسباب رئيسة لارتفاع الدين، منها عجز مؤسسة كهرباء لبنان وترهلها وتمويل الدولة لعمليات شراء الفيول لتشغيل المعامل.
كما أن رواتب القطاع العام الضخم الذي يضم أكثر من 300 ألف موظف، أزمة إضافية للواقع المتردي، دون أن ننسى تضخم كلفة فوائد الدين العام بسبب السياسات النقدية.
وكانت هذه العوامل سببًا في انهيار حادّ هو من الأسوأ في العالم ضرب البلاد في عام 2019، فتخلّفت الدولة عن سداد ديونها.
تضارب في أرقام الديْن العام في لبنان
بالأرقام، تقول وزارة المالية إنّ الدين العام اليوم يناهز عتبة الـ100 مليار دولار، لكنّ الأرقام في لبنان متضاربة، علمًا أنّ توحيدها كان أحد شروط صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان.
وفي قراءة مفصّلة، يقول الخبراء إنّ رقم وزارة المالية مضخَّم، وإنّ الديْن العام يبلغ نحو 40 مليار دولار على الصورة التالية:
- قيمة الدين العام المقوّم بالعملة الأجنبية، أو ما يُعرَف بسندات اليوروبوند: نحو 38 مليار دولار؛
- قيمة الدين العام المقوّم بالعملة المحلية: بحدود 60 مليار دولار، إذا ما احتُسِب وفق سعر الصرف القديم، وهو ما ينتقده خبراء الاقتصاد، الذين يقولون إنّه باحتسابه وفق سعر صرف السوق، سينخفض الرقم إلى نحو ثلاثة مليارات فقط.
وبين الرقمين، تبرز أرقام أخرى، فقد أصدر حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة قبل نهاية ولايته عدة قرارات وصفها البعض بأنها ألاعيب حسابية، سجل وفقها سلامة ما يفوق الـ50 مليار دولار على شكل ديون جديدة على الدولة، في مسعى يهدف بحسب خبراء الاقتصاد إلى تقليص خسائر المصارف وتسجيلها على الدولة.
وبمعزل عن الحجم الحقيقي للدين العام في لبنان، فإنّ كل الأرقام تفوق حجم الاقتصاد اللبناني، ولا حلّ بحسب خبراء الاقتصاد إلا بتنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي، وخصوصًا إقرار قوانين الكابيتال كونترول، وتوحيد سعر الصرف، وهيكلة المصارف، وثمّ هيكلة الديْن العام.
لكنّ كثيرين يشكّكون في جدية الحكومة ومجلس النواب، ويقولون إنّ الأسوأ قد يكون قريبًا.