تواصل السويداء السورية ما بدأته قبل 26 يوما، وبينما ظلّت الشعارات والمطالب ذاتها بإسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد أصبح زخم الانتفاضة والمشاركة فيها يتوسع يوما بعد يوم، حتى تجاوز عدد المتظاهرين يوم الجمعة حاجز الـ10 آلاف، حسب ما قال ناشطون ومشاركون لموقع “الحرة”.
وخرج الآلاف من أبناء المحافظة يوم الجمعة بمظاهرات شعبية وصفت بـ”الأكبر من نوعها” قياسا بسابقاتها على مدى الأسابيع الماضية. وفي حين هتفوا بإسقاط النظام وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، اتجهوا لأداء “قسم” وإعلان بيانات قرأها ناشطون تؤكد على مطالبهم، وأنه “لا عودة عنها”.
وكان لافتا خلال الساعات الماضية تأكيد المتظاهرين على سلمية الحراك، في ردٍ على حادثة إطلاق النار التي نفذها عناصر يعتلون أسطح مقر “حزب البعث”، يوم الثلاثاء، وأسفرت عن إصابات بين المحتجين.
وترجم المتظاهرون التأكيد على السلمية من خلال الهتافات وإقدامهم على الدخول لفرع الشرطة وسط المدينة، وتقديمهم أطباق من “المنسف” الذي تعرف به المحافظة للعناصر الموجودين داخله، فيما اتجه آخرون للتعبير عن ذلك وسط “ساحة السير”، التي بات يطلق عليها اسم “ساحة الكرامة”.
ويوم الخميس قرأت سيدة بيانا باسم المنتفضين في الشارع، مؤكدة على “استمرار المظاهرات السلمية والمدنية في ساحة الكرامة حتى رحيل النظام السوري”، كما طالب نص البيان بـ”تحقيق الانتقال السياسي لمرجعية القرار الأممي 2254 الصادر في 2015″، وتفعيل القرر 2118 الذي يحول مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات.
وطالب أيضا بـ”الكشف عن المغيبين قسرا والإفراج عن المعتقلين والكف عن ملاحقة المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ومحكمة الإرهاب، مع إلغاء قراراتها غير الشرعية”.
وبعد ساعات من انطلاق جولة جديدة من المظاهرات الجمعة أظهرت تسجيلات مصورة أداء المحتجين قسما على وحدة السوريين في جميع البلاد. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان بيان صادر عن “الهيئة السياسية للعمل الوطني في المحافظة”، تم التنسيق فيه مع شيخ العقل، حكمت الهجري.
وجاء في البيان أن “السويداء انتفضت كي يصل كفاح السوريين إلى الحياة بوطن حر وموحد”، وأن “الشعب السوري يعاني منذ عقود من هيمنة نظام فاسد حكم بأدوات القمع والعنف، ولم تتوارى أجهزته الأمنية عن ارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحق السوريين والسوريات”.
واعتبر البيان أن “النظام السوري جعل سوريا عز الشرق وخزان ثروته وطنا للجائعين المحرومين من أبسط حقوق الحياة”، وجعل “فلاح البلد يزرع ولا يأكل.. والعامل يصنع ولا يلبس.. والجندي يدافع ولا أحد يدافع عنه”، فيما أكد على الاستمرار في التظاهر حتى “نيل الحرية”.
“محطة فارقة”
ويعتبر ناشطون سياسيون من السويداء أن الانتفاضة في المحافظة دخلت في “محطة فارقة” بعد حادثة إطلاق النار التي حصلت قبل يومين، والتي دفعت شيوخ العقل إلى اتخاذ موقف تصعيدي ضد النظام السوري.
وحصلت الحادثة أمام فرع “حزب البعث” ظهر الثلاثاء، وأسفرت عن 3 إصابات بالتزامن مع محاولة محتجين اقتحام المكان من أجل تحطيم تمثال حافظ الأسد، وإعادة إغلاق المقر الحزبي، بعدما أقفل شبان أبوابه بالحديد، قبل أسبوع.
وفي أعقابها ألقى الشيخ حكمت الهجري كلمة هاجم فيها النظام السوري وإيران وميليشياتها واعتبرها “محتلة”، في وقت أكد على ضرورة “ضبط النفس”، وأن ما حصل “عبارة عن مؤامرة”.
وانضم إليه بعد ذلك الشيخ أبو وائل حمود الحناوي، معلنا أن “إطلاق النار لا يمكن السكوت عنه. إلي بدو يطلق النار على ولادنا بعدوا ما عاش”.
وظهر الحناوي في تسجيل مصور، الجمعة، وهو يحمل غصن زيتون في إشارة إلى السلمية بين جموع من المتظاهرين، وذلك بعدما تردد اسم الهجري في البيان الذي أكد على مطالب المتظاهرين حتى إسقاط النظام السوري.
ويوضح الناسط السياسي، مروان حمزة أن “البيانات التي صدرت الجمعة متممة للحراك، وتؤكد على أنه سلمي وضد العسكرة وضد إطلاق أي طلقة رصاص”.
ويقول حمزة لموقع “الحرة”: “أعداد المتظاهرين تفوق 10 و12 ألف نسمة في ساحة الكرامة. جاءوا من كل أنحاء المحافظة، وردّوا على الاعتداء الذي حصل من سطح فرع البعث”.
“المشاركة الكبيرة يوم الجمعة تؤكد أننا سلميين ولا نفتعل أي أذى”.
ويتابع حمزة: “نحن لا نفاوض على حقنا في لحياة ونطالب دول العالم بسماع صوتنا. شعارنا هو تطبيق القرار 2254 الذي ينص على رحيل النظام السوري”.
ولم تتسع “ساحة الكرامة” للمحتجين خلال الساعات الماضية، حسب ما تقول الصحفية السورية، بيسان أبو عسلي، وما تؤكده أيضا الناشطة السورية، لبنى الباسط.
وتوضح أبو عسلي لموقع “الحرة” أن “الحشود كانت الأكبر منذ بدء الحراك”، وأن المشاركة جاءت من جانب مكونات مختلفة من المحافظة، “من الدروز والعلويين والمسيحيين والسنة”.
وكان لافتا بحسب الصحفية السورية “التأكيد على سلمية الحراك” وإظهار العادات التي تشتهر بها السويداء من “صب القهوة المرة في الطرقات واللباس التقليدي ونشر أطباق المنسف، كنوع من التعبير عن المظهر الحضاري للاحتجاجات”.
“لا عودة”
ومن غير الواضح حتى الآن المسار الذي ستسلكه الانتفاضة في المحافظة ذات الغالبية الدرزية في الأيام المقبلة، ولاسيما مع تأكيد المتظاهرين على البقاء في الشارع، وانضمام شيوخ العقل إليهم.
وأيضا في وقت نزع المتظاهرون معظم صور رأس النظام السوري بشار الأسد وتماثيل أبيه حافظ الأسد، وعادوا الجمعة ليغلقوا مبنى “حزب البعث” بالحديد، بعدما تعرضوا لإطلاق نار أمامه، قبل يومين.
ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات قبل 3 أسابيع، وكان الرد الوحيد من جانبه من قبل “فرع حزب البعث في السويداء”، في أعقاب حادثة إطلاق الرصاص.
ويقول الناشط حمزة إن “المظاهرات الشعبية ستستمر، وهي استمرار للمطالب الأولى للثورة السورية قبل 12 عاما”.
ويضيف أن “الإصرار على التظاهر لا يعني أننا نريد قطع العلاقة. نحن من سوريا وإذا تصرف النظام برعونة وحشر المحافظة بالزاوية فلن نقبل ذلك”.
“نحن لا نفاوض على حقوقنا الأساسية”، من ماء وكهرباء ومحروقات وأساسيات، وهو ما أكدت عليه البيانات، بإشاراتها إلى أنها “غير قابلة للتفاوض والمساومة عليها”، حسب الناشط السياسي.
ويشير الصحفي السوري ومدير شبكة “السويداء 24” المحلية، ريان معروف إلى أن تضاعف أعداد المشاركين الجمعة مرده تخصيص هذا اليوم ليكون رئيسيا في الانتفاضة ضد النظام السوري.
ويوضح حديثه بالقول لموقع “الحرة”: “الجمعة هو يوم عطلة والناس لديها قدرة على التحرك والخروج ليس كما هو الحال بالنسبة لباقي أيام الأسبوع”.
وتكلّف عملية الانتقال من القرى والبلدات الواقعة في الأرياف إلى مركز المدينة أكثر من 50 ألف ليرة سورية ذهابا وإيابا، وهو ما يعتبره معروف “مرهقا للمشاركين، ولذلك تم التركيز على الجمعة كأساس للخروج بالمظاهرات”.
وإلى جانب ما سبق اعتبر الصحفي السوري أن تأييد المرجعيات الدينية للحراك جعل زخم المشاركة يتوسع أكثر فأكثر، وأن تأكيدهم على “دولة علمانية مدنية هو الذي يطالب به الجميع ويعتبر خلاص السوريين”.