ارتفعت سندات لبنان الدولية بأكثر من سنت واحد أمس الاثنين بعد مرور يومين على تشكيل لبنان حكومة جديدة في خطوة تهدف إلى تسريع حصول البلاد على التمويل اللازم لإعادة الإعمار بعد حرب مدمرة بين إسرائيل وجماعة حزب الله.
وأظهرت بيانات تريدويب أن سندات لبنان المقومة بالدولار قفزت بما يصل إلى 1.1 سنت لتطرح للبيع عند نحو 18.3 سنت عبر معظم آجال الاستحقاق، وهو أعلى مستوى منذ مارس 2020.
وتمثل التحركات الأحدث تحولا حادا في السندات التي ظلت في مستويات بالغة التعثر عند نحو خمسة سنتات خلال معظم السنوات الثلاث الماضية لكنها ارتفعت عدة أمثال منذ اتفاق حزب الله وإسرائيل على وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي.
وحققت السندات الدولارية، التي يتراوح تاريخ استحقاقها بين عامي 2026 و2037، عائدا مجمعا بنسبة 7.6 في المئة للمستثمرين خلال الأسبوع المنتهي الأربعاء الماضي، لتحصّل مكاسب بأكثر من مئتين في المئة خلال العام الفائت، بحسب البيانات التي جمعتها وكالة بلومبيرغ.
ويُعد ذلك أفضل أداء بين 70 دولة ناشئة وواعدة خلال هذا الأسبوع ومنذ فبراير 2024 أيضا. ويأتي الارتفاع بعد موجة بيع قصيرة أدت إلى تسجيل سندات لبنان أسوأ أداء بين الأسواق الناشئة.
وتعهد رئيس الحكومة الجديدة نواف سلام منذ أيام قليلة بتشكيل حكومة “إصلاح تضم كفاءات عالية،” مشدداً على أنه “لن يسمح بأن تحمل في داخلها إمكانية تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال،” وسط تصاعد الآمال بعهد جديد يشهد الاستقرار بعد طول غياب.
وعقب تشكيلها قال سلام السبت الماضي إن الحكومة، التي تضم 24 وزيرا، “ستعطي الأولوية للإصلاحات المالية وإعادة الإعمار وتنفيذ قرار للأمم المتحدة يعتبر حجر الزاوية لاستقرار الوضع على الحدود اللبنانية مع إسرائيل.”
ويعتقد المراقبون أن التقدم في إعادة هيكلة السندات الدولية للبنان، الذي تخلف عن سدادها منذ ربيع 2020، ربما لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت.
وذكر محللو بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان في مذكرة للمتعاملين السبت الماضي أنه “ربما لا يزال (موعد) مناقشة إعادة هيكلة الديون بعيدا، كما أن عملية إعادة البناء والإعمار يجب أن تكون لها الأولوية.”
يواجه لبنان أزمة اقتصادية منذ 2019 نتيجة الفساد وسوء الإدارة، ما أدى إلى تخلفه عن سداد سندات دولية بقيمة 30 مليار دولار.
وفي ظل تزايد الفقر وتكاليف الحرب استمر الخلاف بين ساسة البلاد حول الطريق إلى المستقبل، ما ترك منصب الرئيس شاغرا لمدة 26 شهرا.
كما أخفقوا في تنفيذ الإصلاحات التي اشترطها صندوق النقد الدولي، ما حرم البلاد من حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار جرى الاتفاق عليها في 2022.
والآن، يقف لبنان على أعتاب استحقاقات اقتصادية تتمثل في الحفاظ على بعض المنجزات التي حدثت خلال الفترة الماضية، مثل سعر صرف الليرة اللبنانية المستقر، والتوازن المالي .وبالإضافة إلى ما سبق تمثل إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة مع إسرائيل تحديا إضافيا.
ويقدر البنك الدولي كلفة إعادة إعمار لبنان بنحو 8.5 مليار دولار، ولا يستطيع البلد تحمل هذه الكلفة، ما يعني أنه سيحتاج إلى دعم دولي وعربي.
ويعيش اللبنانيون تحت وطأة تضخم مفرط، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل هائل، لتقفز من 2.9 في المئة في عام 2019 إلى أكثر من 170 في المئة خلال العام الماضي، وطيلة هذه الفترة أحدث هذا الأمر تفاوتا في القدرة الشرائية للناس.
ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة لعام 2023، يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 5.3 مليون نسمة تحت خط الفقر وسط تضخم مرتفع تجاوز في بعض المراحل 300 في المئة، ما أثّر على القدرة الشرائية وجعل تأمين الاحتياجات تحديا يوميا.
وللتعامل مع هذه الأزمة يحتاج الرئيس جوزيف عون وحكومته إلى وضع سياسات اقتصادية عاجلة، في مقدمتها تعزيز الأمن الغذائي وتشجيع الإنتاج المحلي ودعم الفئات الأكثر ضعفا عبر برامج حماية اجتماعية فعالة.
ويعاني لبنان اليوم عجزا عن تلبية إمدادات السوق المحلية من مشتقات الطاقة إلى جانب الوقود المستخدم في توليد الكهرباء، ما أدى إلى انتعاش السوق السوداء لتوفير الوقود.