بعد سنوات سوداء على قطاع السياحة في لبنان، أمل الكثيرون بأن يكون صيف 2025 مختلفاً، بخاصة مع دخول لبنان مرحلة جديدة يغلب عليها التفاؤل. وكانت هناك توقعات كبرى حيال رفع الحظر عن سفر الخليجيين إلى لبنان، وبالتحديد السعوديون، وترقب عودتهم للاستفادة من الموسم السياحي فيه. هذا إضافة إلى السياح الأجانب والمغتربين، حيث سجلت في الأسابيع القليلة الماضية أرقام حجوزات قد تكون الأعلى منذ سنوات عديدة مضت.
لكن الضربة الإسرائيلية على إيران فجر الـ 13 من يونيو (حزيران) الجاري أتت لتضع حداً لتطلعات لبنانية بشأن الموسم السياحي المقبل، وانعكاسه على الاقتصاد المتهالك أصلاً بفعل الأزمة الاقتصادية الكبرى المستمرة منذ عام 2019.
ولم تكد تمر ساعات قليلة على بدء الضربات العسكرية بين إسرائيل وإيران حتى ألغيت رحلات كثيرة كانت ستحط في مطار رفيق الحريري الدولي، وليس على صعيد لبنان فقط بل حتى على صعيد منطقة الشرق الأوسط برمتها، إذ تسبب الوضع الأمني في المنطقة بحالة من الإرباك، ولا تزال.
آمال ووعود قبل الضربة
بالعودة إلى ما قبل التطورات الأمنية غير المسبوقة في المنطقة، كانت المؤشرات الإيجابية للموسم السياحي المرتقب بدأت تتضح خلال عيد الأضحى حيث سجلت حركة نشطة للوافدين إلى لبنان خلال عطلة العيد، وقد انعكست من خلال حجوزات لافتة في الفنادق والمؤسسات السياحية والمطاعم. وقد ترجمت هذه الحركة من خلال نسبة إشغال في الشقق المفروشة والفنادق بلغت 70 في المئة، وكذلك في المنتجعات السياحية والفنادق.
أما أرقام الوافدين، وفق المعنيين بهذا القطاع، فكانت الأعلى منذ عقد مضى في مثل هذه الفترة من السنة. وكانت المؤسسات السياحية قد استعدت بالفعل من حيث التحضيرات اللوجيستية أو الكوادر البشرية للموسم السياحي الواعد المرتقب الذي تعول عليه، بخاصة أن بعض التقارير تحدثت عن نحو مليون سائح سيصلون خلال فترة الصيف. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان وخابت الآمال مع بداية الهجوم الإسرائيلي على إيران. كذلك فإن حالة الإرباك التي حصلت في المطار والرحلات من وإلى لبنان أكدت أكثر بعد أن هذه الضربة قد تقضي على تلك الأحلام الكبرى بشأن الموسم السياحي. إلا أنه وعلى رغم سوداوية الوضع الراهن، لكن المعنيين يؤكدون أنه قد يكون الوقت مبكراً لحسم الأمور بشأن ما سيحصل من تغيير في هذا الإطار، لكن المؤشرات الأولى لا تبدو إيجابية.
في حديثها الخاص مع “اندبندنت عربية” لا تنكر وزيرة السياحة اللبنانية لورا لحود أن الحالة الأمنية المتأزمة في المنطقة أثرت في القطاع السياحي، وتقر بأن الأمور يمكن أن لا تسير بشكل طبيعي، وكأن شيئاً لم يكن، أو قد تبقى الحركة على حالها، فلا شيء مؤكد بعد. لكن إذا تطورت الأمور وساء الوضع الأمني أكثر مما هو عليه اليوم، من المتوقع أن تتأثر المنطقة كلّها، والمسألة لا تعني لبنان حصراً، على حد قولها.
في المقابل، طمأنت لحود بالتأكيد على أن الاتصالات جارية من قبل الجهات الرسمية، من رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، وبقية الأطراف لتحييد لبنان وتجنب انجراره في أي تصعيد يحصل في المنطقة. ومن المتوقع أنه إذا بقي لبنان على الحياد، قد يبقى من الممكن الحفاظ على الموسم السياحي بالحد الأدنى الممكن، ولو استمرت الظروف على ما هي عليه الآن.
وفي هذا السياق، تعتبر وزيرة السياحة أن استمرار الرحلات وعدم إقفال المطار قد يعني استمرار قدوم المغتربين وغيرهم ممن يرغبون بالاستفادة من الموسم السياحي المميز في لبنان. لكن، كون الأمور لم تتضح بعد، فهذا يعني أنه لا يمكننا أن نقيم الواقع وفق أرقام محددة، متمنية ألا تتطور الأمور نحو الأسوأ ولا يتأزم الوضع أكثر بعد، علّ ذلك يسمح بالحفاظ على الموسم السياحي المرتقب والواعد كما ما قبل الضربة على إيران، وفق ما كانت التوقعات والآمال التي علّقت عليه.
اللبناني سريع التأقلم
تعتبر حجوزات الفنادق ونسبة إشغالها من المؤشرات الأساسية التي يستند إليها القطاع السياحي، بخاصة أنها تظهر بشكل مبكر ويمكن أن تعطي فكرة عما قد يكون عليه الموسم السياحي. بعد مرور أيام على الهجوم الإسرائيلي على إيران، يبدو الوقت مبكراً لوضع توقعات جديدة بشأن الموسم السياحي والحجوزات، وفق ما يوضحه نقيب أصحاب الفنادق بيار الاشقر، الذي يؤكد لنا أن ذلك يرتبط بما ستؤول إليه الأمور، وما إذا كان الوضع سيستمر على ما هو عليه، أو ما إذا كان سيتخذ مساراً مختلفاً. فهناك تساؤلات اليوم حول ما إذا كان الطرفان سيستمران بالتصعيد أو ما إذا ستكون هناك تهدئة خلال الأيام المقبلة.
لا ينكر الأشقر أن التأثير متوقع، وإن كانت الأمور لم تتضح بعد حتى اللحظة. فهناك حكماً أثر على الموسم السياحي، وعلى نسبة الحجوزات التي كانت متوقعة. هذا الأثر لم يظهر بعد بشكل نهائي لأن هذه الأمور لا تظهر بين ليلة وضحاها. “بالنسبة للبناني لا يحصل أي تغيير في ظل هذا الوضع. فالمغترب الذي ينوي القدوم إلى لبنان في موسم الصيف سيحضر، طالما أن المطار مفتوح. لكن قد يتأثر من يظهر تردداً في ذلك أو لديه مخاوف. بشكل عام ينسى اللبناني سريعاً ويتأقلم مع أي وضع سائد مهما كانت صعوبته. فقد تأقلم مع حروب، وأزمات، وتحديات، وتخطاها سريعاً. ولا يمكن أن ننكر أن ما يحصل سيكون له أثر حكماً، لكن ما علينا إلا أن ننتظر آملين بأن تتجه الأمور نحو الأفضل للاستفادة من الموسم السياحي الواعد الذي كان مرتقباً”.
كان لبنان على موعد مع موسم واعد بالفعل مع توقع رفع الحظر عن سفر الخليجيين إلى لبنان. كذلك فإن المؤشرات الإيجابية لناحية القرارات المتخذة من قبل العهد الجديد، وعلى رغم كل الانتقادات، كانت تعد بارتفاع أعداد السياح وبموسم سياحي لم يشهده منذ نحو عقد.
السياح والخليجيون قد يتأثرون بما يحصل
في هذا الشأن، أشار الأشقر إلى أن السياح والخليجيين قد يتأثرون بما يحصل، ومن الممكن أن يكونوا أكثر تردداً بشأن السفر في المنطقة. فما كانت البلاد موعودة به من ارتفاع في أعداد الخليجيين الوافدين الذين هم الأكثر إنفاقاً بين السياح، يمكن أن يتأثر بسبب المخاوف، لأن الأمور قد تبدو مقلقة لمن يأتي من الخارج. هذا، فيما كان قدوم الخليجيين أساسياً للموسم السياحي. أما في بيروت، فيستمر الوضع على حاله، ولن يكون هناك تغيير، ومن المتوقع أن يكون الصيف حافلاً في البلاد وتستمر الحياة على طبيعتها.
ويتابع “تفاعل اللبناني مع كل الضربات التي شهدتها البلاد في الأشهر الماضية، يظهر مدى تأقلم المواطن مع مختلف الظروف، ومع الموت، والحرب، والمصائب، والأزمات. لذلك، يبقى الخوف فقط على السياح الذين كان من المفترض أن يأتوا للاستفادة من موسم سياحي حافل، وكانت البلاد تعول عليهم فعلاً. أما المغتربون، فمن المتوقع أن يحضروا بشكل طبيعي”.
وتسبب التغيير في مواعيد الرحلات الجوية في مطارات المنطقة ومطار بيروت، بسبب الضربة الإسرائيلية على إيران، بحالة ارتباك بين المسافرين. من المتوقع أن يترك هذا الوضع الذي يدخل في إطار المجهول أثره على حجوزات المسافرين، بخاصة إذا استمر الوضع بالتأزم وتطورت الأمور نحو الأسوأ.
راهناً، يأمل الجميع بألا تطول فترة الحرب وتنتهي بأسرع وقت ممكن ليكون من الممكن الاستمرار بالمشاريع المرتقبة للصيف وبما يسمح بأن ينعم لبنان بالموسم السياحي الواعد الذي يترقبه من سنوات. هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة بحسب الاتجاه الذي يمكن أن تتخذه الأمور ومسار النزاع القائم.