حتى الآن لم تشمل الزيادات التي أقرت لموظفي القطاع العام في مجلس النواب اللبناني أعضاء البرلمان، في وقت كان يفترض أن تحتسب رواتبهم على أساس الزيادات التي سبق وأقرتها الحكومة منذ أشهر، والتي تقضي بإضافة سبعة أشهر لكل شهر للنواب الحاليين وستة أشهر للسابقين.
وكشف الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر لـ”اندبندنت عربية”، أن قرار الحكومة لم يطبق بعد، ولم يبلغ مجلس النواب بأية زيادات إضافية على رواتب الأعضاء. وسربت معلومات عن عدم تقاضي النواب رواتبهم منذ يوليو (تموز) 2023، ليتبين أن الخبر غير صحيح، وأن المقصود هو استثناء النواب من الزيادات الجديدة.
ومجموع ما يتقاضاه النائب اليوم قبل الزيادات التي أقرتها الحكومة، لما يعرف بأساس الراتب والإضافات، كان عشرة ملايين و970 ألف ليرة (ما يعادل 970 دولاراً) بعدما كان 7200 دولار قبل هبوط الليرة اللبنانية. ومع الزيادات الجديدة، إن طبقت، يصبح راتب النائب نحو 76 مليوناً و790 ألف ليرة، إضافة إلى ثلاثة ملايين ليرة تمنح له كمساعدة اجتماعية من مجلس النواب.
ويؤكد عدد من النواب أن الكلام عن وجود مخصصات غير صحيح، فباستثناء الراتب لا يمنح النائب أية مخصصات إضافية، لكن صندوق التعاضد التابع للمجلس يوفر له التأمين الصحي الذي تراجعت قيمة تغطيته الاستشفائية من 200 ألف دولار سنوياً إلى عشرة آلاف، والمعاينات الخارجية والفحوصات باتت 500 دولار.
في الأزمة نفسها
يعتبر عدد كبير من النواب أنهم يتقاضون حالياً أقل من 10 في المئة من قيمة رواتبهم قبل بداية الأزمة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، مما دفع عدداً منهم إلى تخفيف الخدمات والمساعدات الاجتماعية، الأمر الذي يؤثر في شعبيته خصوصاً إذا كان يمثل بيئة اعتادت على الخدمات والمال السياسي، على عكس النواب الذين ينتمون لأحزاب لديها هيكليتها الاجتماعية ويمكن أن تساعد في تلبية الطلبات والخدمات الإنسانية، لكن حتى هذه الأحزاب اضطرت إلى تقليص خدماتها.
ويقول أحد النواب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إن على النائب اليوم أن يكون إما منتسباً لحزب أو لديه عمله الخاص أو أن يأتي من عائلة ميسورة ليتمكن من إكمال واجباته الاجتماعية. موضحاً أن النائب لا يصل إلى المال العام للاستفادة من الصفقات والتلزيمات كما هي حال الوزير.
فيما من المعلوم أن النواب السابقين يستمرون بتقاضي راتب بنسب متفاوتة وفق عدد الدورات النيابية، حيث يتقاضى النائب السابق الذي بقي في المجلس لثلاث دورات 75 في المئة من الراتب، والنائب السابق بدورتين 65 في المئة، والنائب لدورة واحدة 55 في المئة، أما المساعدة الاجتماعية التي تمنح للنائب الحالي من صندوق المجلس فلا تعطى للنواب السابقين.
العمل أصبح تطوعاً
يعترف النائب السابق أنطوان زهرا، الذي انتخب عام 2005، وأعيد انتخابه لثلاث دورات متتالية، أنه عندما دخل إلى مجلس النواب كان وضعه المالي مقبولاً وعندما خرج أصبح مديوناً.
فيما نائب قضاء بعبدا ألان عون دخل مجلس النواب منذ عام 2009 ولا يزال. وكان راتبه كما يقول قبل تراجع قيمة الليرة اللبنانية جراء الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019، ستة ملايين ليرة (ما يعادل أربعة آلاف دولار) زائد 2600 دولار مخصصات، أما اليوم فلا يتخطى ما يتقاضاه من مجلس النواب الـ500 دولار قبل الإضافات الأخيرة.
عون يشرح لـ”اندبندنت عربية” أن العمل في القطاع العام أصبح نوعاً من التطوع مع وصول الرواتب إلى مستويات هزيلة، مؤكداً أنه “حتى الزيادات الأخيرة التي حاولت الحكومة أن تقرها لم تخرج هذه الرواتب من مستويات دنيا لا تتناسب إطلاقاً مع غلاء المعيشة”.
ويضيف عضو البرلمان النيابي منذ 15 عاماً، “بعد كل الزيادات التي اعتمدت، ما زال موظفو القطاع العام (ومنهم السلطات العامة طبعاً، أي الرؤساء والوزراء والنواب) يتقاضون أقل من 10 في المئة من قيمة رواتبهم قبل انهيار 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019”.
يعترف عون بتأثير تراجع قيمة راتبه على مستوى معيشته، خصوصاً أنه لا يملك وظيفة أخرى كما يقول، علماً أنه مهندس وحاصل على ماجيستر في إدارة الأعمال، فالنواب المتفرغون للعمل السياسي والتشريعي، والذين لا يملكون أعمالاً سابقة أو أشغالاً أو مهناً أو وظائف إلى جانب عملهم النيابي تأثروا بشكل كبير في مستوى معيشتهم على غرار كل العاملين في القطاع العام، وراتب النائب عون حالياً قد يسدد فقط فواتير البنزين، أما الخدمات التي كان يمكن أن يؤمنها لناخبيه فتراجعت بشكل كبير.
ورداً على سؤال عن تأمين “التيار الوطني الحر” الذي ينتمي إليه بعض المساعدات لسد الثغرات، يكشف عون أنه لم يصله يوماً ليرة من التيار، وأن عملهم كان دائماً تطوعاً. مؤكداً أنه يعتمد على المدخول الثابت لزوجته التي تعمل في شركة عالمية، وهي مهندسة كهربائية ميكانيكية.
هل النائب الحزبي أفضل؟
يعترف النائب المستقل إبراهيم منيمنة المنتخب حديثاً عن بيروت، أن تراجع قيمة راتب النائب وبالتالي قدرته على تلبية حاجات الناس ستنعكس على شعبيته، خصوصاً أن هناك التباساً لدى المواطن اللبناني لجهة دور النائب غير المحصور فقط بالتشريع.
ويؤكد منيمنة لـ”اندبندنت عربية” أنه اضطر إلى تكثيف عمله الخاص كمخطط مدني واستشاري لمشاريع استثمارية، على حساب عمله السياسي والتشريعي، بالتالي تراجعت قدرته على التواصل مع الناس. موضحاً أنه كنائب مستقل يسعى من خلال العمل السياسي إلى تشكيل نموذج شبيه بالأحزاب عبر خلق بنى تحتية سياسية لسد نفقات الخدمات وتغطية جزء منها.
في المقابل يشتكي النائب في “حركة أمل” عن الجنوب قاسم هاشم، من الضائقة المالية أيضاً. فعضو البرلمان منذ عام 2000 وهو طبيب أسنان يعتبر أن راتب النائب بات أقل من عشرة في المئة مما كان عليه قبل الأزمة، وهو لا يكفي لتسديد إلا الجزء القليل من متطلبات الحياة اليومية لمدة شهر.
ويصف هاشم الواقع في البلد بالصعب، ويعتبر أن الظروف الحالية لا تسمح بالعودة إلى القيمة التي كان عليها الراتب، مضيفاً أن من المفترض الانتظار حتى انتظام الوضع المالي ليصار عندها إلى تصحيح الموضوع، لكن لا يمكن الآن إلا الأخذ في الاعتبار وضع البلد والأزمة الاقتصادية والمالية المنعكسة على كل اللبنانيين، والنواب بحسب رأيه جزء من هذا الواقع.