على أهمية الزياراتِ الدولية لبيروت منذ انتخاب العماد جوزف عون، رئيساً للجمهورية قبل 13 يوماً وبعدها بأربعة أيام تكليف القاضي نواف سلام، تشكيل الحكومة، إلا أن المحطتيْن المتواليتيْن المرتقبتيْن غداً والجمعة، لكلٍّ من وزيريْ خارجية السعودية الأميركي فيصل بن فرحان والكويت عبدالله اليحيا، تحتلّان حيزاً استثنائياً من الاهتمامِ في لبنان باعتبارهما أول ترجمةٍ لاحتضانٍ خليجي «سيأخذ بيد» بلاد الأرز في المسارِ الجديد الذي بدأ ولا سيما متى اكتملَ عقدُ «التغيير» بإصلاحاتٍ ذات طبيعة سياسية وسيادية ومالية تؤشّر لاستعادة الدولة مكانتها ومقوّماتها وإمساكها حصراً بالسلاح وقرارات الحرب والسلم.
وتعكس الأيام الخليجية في بيروت، تَناغُماً مع رغبة دولية معروفة في أن تخرج «بلاد الأرز» من بين أنياب الأزمات على متن «شبكة أمان» تبدأ من الداخل ويوفّرها إدراكُ الجميع وجوب تحصين وصول قائد الجيش لسدة الرئاسة والقاضي سلام لرئاسة الحكومة، عبر رفْدهما بما يلزم من قوةِ دفْعٍ بأداءٍ لمختلف الأطراف يعبّر عن فهْمٍ عميق لحجم التحولات كما التحديات.
وليس عابراً أن تتوالى الزيارات لبيروت، في وقت يضع لبنان، عيْناً على مسار استيلادِ تشكيلةٍ وزاريةٍ، لا بدّ أن تعكس في الشكل والمضمون أن التحولاتِ في موازين القوى محلياً واقليمياً والتي ساهمتْ في إنجاز استحقاقيْ 9 يناير و 13 منه – بمواصفاتِ «المرحلة الجديدة» – ستكمل مسارها من دون أن تحبطها «كمائن» داخلية أو ألاعيب على طريقة «الخروج من الباب والعودة من النافذة» بسلوكيات وسياساتٍ «منتهية الصلاحية»، وعيناً أخرى على استحقاقٍ دقيقٍ يتمثّل في بدء العدّ التنازلي لمهلة الـ 60 يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف النار بين «حزب الله» واسرائيل الذي بدأ سريانه فجر 27 نوفمبر الماضي كي تنسحب خلالها الأخيرة من القرى التي تحتلها في جنوب لبنان ويكمل الجيش اللبناني انتشاره في كامل منطقة جنوب الليطاني بعد إزالة أي وجود أو بنية عسكرية للحزب فيها.
وتشير أوساطٌ سياسية، إلى أنه فإنه ولو تَراجَعَ نفوذ «حزب الله» في الوضع اللبناني انطلاقاً من تقلُّص دور إيران في ضوء ما أصاب الحزب من انتكاسة كبيرة في الحرب مع اسرائيل ثم سقوط نظام بشار الأسد في سورية، فإنّ على الداخل مسؤولية في إدارة المرحلة الانتقالية الحساسة بما يَضمن وَضْعَ البلاد على سكة بناء الدولة وفق المفاهيم والمقوّمات البدهية على صعيديْ مكافحة أي مَظاهر أو مزاريب فساد والمحاصصاتِ التي تُغَيِّب عناصر الكفاءة والنزاهة، ووقف امتهان سيادة الدولة بأي سلاح غير شرعي، باعتبار أن في ذلك مصلحةً للوطن الصغير وشعبه الذي ما زال الخطر يتربّص به عبر جبهة الجنوب.
وتُبْدي الأوساط خشيةً من تعقيداتٍ قد يتسبب بها تأخيرُ اسرائيل انسحابها إلى ما وراء «الخط الأزرق»، ولو بزعْمِ أن الجيش اللبناني غير جاهز بعد أو قادر على الانتشار في كل جنوب الليطاني وضمانِ تفكيك البنية العسكرية للحزب، ما يحتّم مضيّ تل أبيب في تنفيذ هذه المهمة «بيدها»، على ما تفعل في العديد من القرى حيث تستمرّ أعمال التفجير والتوغل والتدمير، متوقّفة عند بعض القراءات التي ربطت بين هزة الاستقالات التي ضربت الجيش الاسرائيلي أمس، وبين تحضيراتٍ لإمكان استئنافِ الحرب في غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى، ولمَ لا مع لبنان في حال أخطأ الحزب مجدداً الحساب وعاد إلى تنفيذ عمليات سواء ضدّ ما سيعتبره احتلالاً داخل الأراضي اللبنانية (بعد أن تنقضي مهلة 26 – 27 يناير) أو ضد مستوطناتٍ بعد أن يعود سكانها.
وفي ضوء ذلك، بدأت بيروت تتلقى تباعاً مؤشراتٍ لاحتمال قفز تل أبيب فوق مهلة الـ 60 يوماً بما يُخشى معه أن يشكّل ذلك عاملاً غير مساعِد على صعيد «سحب الذرائع» من «حزب الله» الذي من شأن «عودة الاحتلال» أن تبرّر له «بقاء المقاومة» ولو كشعارٍ مع وقف التنفيذ، وتالياً تأخير كل مسار التعاطي مع سلاحه شمال الليطاني.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كشف في حديث تلفزيوني مساء الاثنين، أنه تبلّغ من رئيس لجنة الإشراف على وقف النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز أن «الانسحاب الإسرائيلي قد يتأخّر لأيام، ولن تكون هناك منطقة عازلة في جنوب لبنان، وآلية الانسحاب الاسرائيلي بدأت ومستمرة»، قبل أن يؤكد الرئيس عون «ان لبنان متمسك باستكمال الانسحاب الإسرائيلي مما تبقى من الأراضي المحتلة في الجنوب ضمن المهلة المحددة في اتفاق 27 نوفمبر».
وأبلغ عون إلى وزيرة الدفاع الاسبانية ماغريتا روبلس التي استقبلها في قصر بعبدا «أن عدم التزام إسرائيل بالانسحاب يناقض التعهدات التي قُدمت للبنان خلال المفاوضات التي سبقت التوصل للاتفاق، ويُبْقي الوضع متوتراً في القرى الحدودية ويحول دون تثبيت الاستقرار وعودة الأهالي الى بلداتهم ويعوق عملية إعادة اعمار ما دمره العدو الإسرائيلي».
وأوضح أنه «أجرى اتصالات عدة لإرغام إسرائيل على الانسحاب»، وانه لقي تجاوباً من المجتمع الدولي «الذي يفترض ان تضغط دوله في هذا الاتجاه».
وكانت روبلس لفتت الى «ضرورة تحقيق الانسحاب الإسرائيلي في موعده حفاظاً على الاستقرار في الجنوب وعلى ما تحقق».
مفترق طرق
وفي إطلالة على الوضع الداخلي، أكد رئيس الجمهورية أمام زواره «اننا على مفترق طرق، فإما ان نستفيد من الظرف، ونخرج من صغائر الأمور الطائفية والمذهبية والسياسية، أو نذهب الى مكان آخر ولا يكون فيه الحق على الآخَرين بل علينا لأننا لم نقم بواجباتنا»، وهو الموقف الذي ترافق مع تزخيم الاتصالات في ما خص تأليف الحكومة التي يفترض أن يكون الرئيس المكلف حمل رسماً تشبيهياً لها، تركيبة وتوازنات وتوزيع حقائب وربما أسماء، مساء أمس، إلى قصر بعبدا وسط إصرار على أن ينتهي استيلادها قبل نهاية الأسبوع.
وأبدت مصادر سياسية مُعارِضة ومواكِبة لمجريات عملية التأليف اطمئنانها إلى أن تشكيل الحكومة يَجْري وفق «الروح الجديدة» التي عَكَسها انتخاب عون وتكليف سلام، لافتة إلى أن صمة بروباغندا إعلامية مُضَلِّلة توحي بأن ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» نجح في فرْض شروطه على الرئيس المكلف.
وقالت المصادر لـ «الراي» إن الترويجَ لأن الحزب ومعه «أمل» نجحا في انتزاع شروطٍ فَرَضاها على سلام هو بمثابة «دعاية سياسية تعويضية عن الخسارات التي مُني بها الحزب خصوصاً في لبنان والاقليم، وهدفُها رفْع معنويات جمهوره والتغطية على التحاقه بالوقائع الجديدة».
وتحدثت عن أن سلام كان صادقاً في مدّ يده لـ «حزب الله» لاقتناعه الراسخ بضرورة عدم استبعاد أي مكوّن سياسي، ولكنه شديد الحرص على ولادة حكومة منسجمة مع تطلعات اللبنانيين وتالياً فإنه يتمسّك بقوة بالمواصفات وليس في وارد القبول بأن تُملى عليه أسماء بعيْنها.