خَطَفَ «فطورُ اليرزة» الذي استضاف فيه السفير السعودي وليد بخاري أمس زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية إلى مائدةٍ صباحية، الأضواءَ في بيروت التي تعيش أجواء أن المكونات الخارجية لـ «طبخة» الانتخابات الرئاسية باتتْ متوافرة وينقصها «الوعاء» اللبناني الذي مازال يحتاج إلى إنضاجٍ ويسابِق واقعياً «طنجرةَ ضغط» الوضع المالي والمعيشي.
وكما في كل مرةٍ منذ أن وجّهت المملكة العربية السعودية عبر السفير بخاري رسالةً إلى «مَن يعنيهم الأمر» في لبنان والخارج بأنها على الحياد في الملف الرئاسي، لا ترفض مرشحاً ولا «ترفع» آخَر ولا تضغط على حلفائها للسير باسمٍ أو آخَر، قوبلتْ محطةُ فرنجية البارزة في اليرزة بقراءاتٍ متناقضة، هو الذي يصرّ «حزب الله» والرئيس نبيه بري على اعتباره مرشح «الساعة وكل ساعة» في مقابل رفْض قوى المعارضة بتقاطُعٍ مع «التيار الوطني الحر» انتخابَه.
وبعدما كان داعمو زعيم «المردة» تعاطوا مع تشديد الرياض على أن لا فيتو لديها على أي مرشّح، على أنه إعلان «عدم ممانعة» لوصول «مرشح الممانعة» ربْطاً بمناخاتِ التفاهم بين المملكة وإيران، في موازاة تأكيد حلفاء السعودية أن هذا الموقف امتداد لسياستها الراسخة باحترام سيادة لبنان ورفْض التدخل في شؤونه أو الضغط على أصدقائها لدفعهم في اتجاه خيارٍ رئاسي محدّد، جاء الفطور المفاجئ أمس ليعزّز مقاربة «الشيء وعكسه» بين الطرفين المنخرطيْن في لعبة «عضّ أصابع» تُستخدم فيها شتى أنواع «الأسلحة» النفسية والسياسية.
وفيما غرّد فرنجية بعد تلبيته الدعوة إلى مائدة الفطور التي أعقبها خروجه والسفير السعودي إلى حديقة منزل الأخير أمام وسائل الإعلام معلناً «شكراً على دعوة سفير المملكة العربية السعودية الكريمة، اللقاء كان وديّاً وممتازاً»، ساد بين مؤيّدي ترشيحه ارتياحٌ لِما اعتبروه عنصرَ دعم جديداً لمسار وصول زعيم «المردة» إلى قصر بعبدا والذي لا يقوم على فوز بالضربة القاضية بل «بالنقاط» التي يُراكمها خارجياً وداخلياً، مؤكدين أن دعوةَ بخاري لا يمكن فصْلها عن وضعية فرنجية كمرشّح معلَن استُقبل على هذا الأساس ما يؤكد بالحد الأدنى عدم وجود إشارة حمراء بوجه انتخابه.
وعلى المقلب الآخَر، أكدت أجواء المعارضة أن استقبال بخاري لفرنجية ليس في سياق إعطاء ضوء أخضر «ولا من أي لون»، لأن المملكة أعلنت حيادَها في الملف الرئاسي بوصفه «شأناً سيادياً لبنانياً»، وتأتي خطوتها تجاه زعيم «المردة» في إطار طبيعي مكمّل لحلقة اللقاءات التي يعقدها السفير السعودي مع مختلف الأطراف (ما عدا حزب الله)، معتبرة أن عدم زيارة بخاري لبنشعي (حيث دارة فرنجية) بل دعوته الأخير إلى اليرزة هي إشارة شكلية ذات مضمون بارز، لافتة إلى أن هذه الخطوة تكرّس موقف الرياض من أن لا موقف شخصياً من أي مرشح والمرجّح أن تكون جاءت على طريقة «ليس لدينا موقف ضدَّك، ولا معك، فنحن لا نتدخّل».
وإذ كان لافتاً أن بخاري زار بعد ظهر أمس مقر تكتل «الاعتدال الوطني» الذي يضم 5 نواب سنّة من أصل 6 يتألف منهم، استكمالاً للبحث (على مائدة غداء) الذي كان حصل في اليرزة مساء الاثنين حين استقبل التكتل، استوقف أوساطاً سياسية ما نُقل عن مصادر ديبلوماسية أبلغت إلى تلفزيون LBCI أنه «لم تكن هناك زيارة مقررة للسفير السعودي لبنشعي، وكل ما يتم تناقله عن أن السفير سيزور فرنجية الأسبوع المقبل لنقل دعوة له لزيارة المملكة هو كلام عارٍ عن الصحة».
ولم يقلّ دلالةً ما أوردتْه محطة mtv عن «مصدر ديبلوماسي سعودي» من أن «الحراك السعودي يهدف إلى حضّ القوى السياسية اللبنانية المعتدلة على الإسراع في التوافق لاختيار رئيس توافقي والمشاركة في الجلسات الانتخابية في الأيام المقبلة»، موضحاً «ان المملكة متمسكة بمعايير اللجنة الخماسية (تضم السعودية والولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر) التي تنصّ على رئيس إصلاحي لم ينخرط بالفساد والسلطة وانهيار الوضع، ويملك خطة اقتصادية إنقاذية وقادر على تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني»، ولافتاً إلى «أن السعودية تدعو الكتل السياسية الى تحمّل مسؤولياتها التاريخية والتلاقي من دون إبطاء على إنجاز الاستحقاق الرئاسي».
وأتى تزخيم الحِراك السعودي في لبنان، في الوقت الذي ازداد الحديث عن سقوط المبادرة الفرنسية التي حاولت تسويق فرنجية رئيساً مقابل رئيس حكومة قريب مما كان يُعرف بقوى 14 مارس (نواف سلام) وأن باريس أيضاً صارت في موقع شبه محايِد، من دون أن تكون اكتملت بعد عناصر «خطة باء» خارجية تتقاطع المعطيات عند أن مرتكزاتها ينبغي أن تكون لبنانية.
ومن هنا أبلغت مصادر مطلعة على كواليس التحركات الداخلية – سواء على خط المعارضة أو بين مكوناتٍ رئيسية فيها مثل القوات اللبنانية و«التيار الحر» – إلى «الراي» أن ثمة محاولة جدية للاستفادة من momentum سقوط المبادرة الفرنسية وإقامة Lobbying داخلي للتفاهم على اسم موحّد يكون كفيلاً بحصْد 65 صوتاً وتالياً تحقيق الاختراق المنشود بعيداً من «لعبة التسلية باسمين او 3».
وفي حين أشارت المصادر إلى أن الاتصالات بين أطراف المعارضة لم تصل بعد إلى الهدف المنشود، عبّرتْ عن شكوك في مدى قدرة رئيس «التيار الحر» النائب جبران باسيل على الذهاب بعيداً في التفلّت من «حزب الله» في الملف الرئاسي وإدارته بحساباتٍ منفصلة بالكامل عما يبغي الحزب تحقيقه من ترشيح فرنجية ولا سيما بعدما حجز (الحزب) من خلاله موقعاً متقدماً على الطاولة الرئاسية وباتت الأثمان التي يمكن أن يحصدها من التخلي عنه توازي التي سيحصّلها من وصوله الى قصر بعبدا.
وفي رأي المصادر، أن باسيل الذي أسقط واقعياً برفْضه السير بفرنجية مرشّح «حزب الله»، يتفادى التمادي في انتزاع توقيت التنازل عن هذا الترشيح من يد الحزب، بحيث إن أي اتفاقٍ يعقده التيار مع المعارضة حالياً سيعني أن حزب الله خسر ورقة زعيم «المردة» بلا أي ثمن.
وفيما تعتبر المصادر عيْنها أن انفتاح باسيل على التواصل مع المعارضة يستفيد منه في أحد جوانبه ليستعجل «حزب الله» أن يتفق معه على مرشح غير فرنجية قبل أن يتفاهم مع خصوم الحزب على اسم واحد، مشيرة إلى أنه في اللحظة التي يعلن التيار الاتفاق مع المعارضة على مرشح «يكون بات ظهر حزب الله إلى الحائط، وباسيل يتجنّب حشْر الحزب لهذه الدرجة»، رأت أن التيار الحر يضع في حساباته أيضاً أن «المحور الذي استثمر فيه لسنوات، استعاد حضوره إقليمياً وأن الرئيس بشار الأسد استردّ موقعه عربياً، وهذا ما يجعل أن لا مصلحة له في ترْك مركب الممانعة الذي يَعتبر أنه تجاوَز العواصف، ليعقد تفاهماً مع المعارضة التي لا يمكن أن يتفق معها على قاعدة من المحاصصة، وبالتالي فإن باسيل يفضّل بقاء الربط مع حزب الله في الاستحقاق الرئاسي عبر اللعب على مختلف حباله».
وتشير المصادر إلى أنه «صحيح أن الملف الرئاسي محكوم حتى الساعة بستاتيكو من المراوحة ولكنه مرشّح للتحرك في أي لحظة، في ضوء خروج الخارج من المبادرة الفرنسية ومحاولة الداخل تَلَمُّس طريق لإنهاء الشغور تحت وهج إلحاح عواصم القرار العربية والغربية على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس».