تمكن فريق دولي من علماء الحفريات الفقارية، يقوده علماء مصريون، من الكشف عن حفرية ديناصور مفترس عاش في منطقة الواحات البحرية بالصحراء الغربية في مصر قبل 98 مليون سنة.
واستطاع الفريق البحثي من توثيق الحفرية الخاصة بالديناصور "هابيل" الذي يشبه إلى حد كبير ديناصور "تي ريكس" الشهير، بعد العثور عليها في رحلة حقلية مشتركة في الصحراء الغربية، بين مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، وعلماء من وزارة البيئة في منطقة الواحات البحرية.
والحفرية عبارة عن فقرة مغطاة برواسب صلبة من الحديد والرمل، وبالدراسة التشريحية المفصلة لها، والتي استغرقت عدة سنوات بعد إزالة الرواسب العالقة بها وترميمها، تبين أنها تمثل الفقرة العنقية العاشرة من رقبة ديناصور ضخم آكل للحوم، وجمعت تلك الفقرة من الصفات التشريحية ما يكفي ليوضح أنها تنتمي لفرد من عائلة من الديناصورات تسمى "أبيلو صوريات" أو ديناصورات هابيل والتي يرجع أصل تسميتها بهذا الاسم إلى العالم الأرجنتيني روبيرتوا هابيل مكتشف أول حفرية من هذه العائلة.
الدكتور هشام سلام رئيس الفريق المصري، مؤسس مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة قال لموقع "الحرة" إن "الكشف الهام لحفرية ديناصور هابيل المفترس يمكننا من زيادة الفهم العميق لكوكب الأرض، ويعطينا مزيد من المعرفة حول وجود كائنات قبل الجنس البشري على كوكب الأرض، وكيفية وأسباب انقراضها حتى نتدارك ذلك ولا نلقى نفس المصير".
وأضاف: "قبل نحو 98 مليون سنة لم تكن الواحات البحرية المصرية تعرف بهذا الاسم، بل كانت واحة للديناصورات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وكانت تعج بالحياة، سادت فيها صراعات دامية بين حيوانات مختلفة وعلى قمتها الديناصورات التي عاشت فيها على ضفاف نهر قديم عرف "بنهر العمالقة" حيث عاشت واحدة من أضخم الديناصورات آكلات اللحوم وأيضا آكلات العشب".
وعن الدراسة الجديدة قال سلام: "لأول مرة يكون المؤلف الرئيس لها باحث مصري، هو بلال سالم، المعيد بجامعة بنها وعضو فريق سلام لاب البحثي، وهو مبتعث لجامعة أوهايو الأميركية حاليا ما يعني أن علماء الحفريات الفقارية المصريين أصبحوا مشاركين بقوة في هذا المجال عالميا ويكتبون الدراسات بأنفسهم".
وأوضح أن "الحفرية التي قادت لهذا الكشف الهام عثر عليها عام 2016 وكانت مغطاة برواسب صلبة ملتحمة لرمل وحديد تم فصل كل حبة رمل منها بعناية فائقة للحفاظ على الحفرية وترميمها وصولا للنتائج النهائية التي قادت لحياة الوحش المرعب ديناصور هابيل في مصر قبل عشرات الملايين من السنوات، والذي يساعد في رسم شكل الحياة في مصر قبل 98 مليون سنة بدلائل علمية".
وحش مرعب بجمجمة مخيفة
وكانت ديناصورات هابيل المفترسة تجوب القارات الجنوبية القديمة وأوروبا، ولذلك قام الفريق البحثي بمقارنة الحفرية الخاصة بها مع مثيلاتها من مختلف القارات، وأظهرت نتائج شجرة الأنساب وجود قرابة وثيقة بين ديناصور هابيل المصري وبين أقرانه من ديناصورات أميركا الجنوبية، أقرب حتى من ديناصورات مدغشقر وأوروبا، مما يدعم نظرية انفصال مدغشقر عن أفريقيا قبل انفصال أميركا الجنوبية عنها.
وتتميز الديناصورات المنتمية لعائلة هابيل بشكلها المرعب وجمجمتها المخيفة وتخرج من فكوكها أسنان حادة تشبه أنصل السكاكين، وتظهر قدماها الخلفيتان كتلة عضلية ضخمة تساعدها في الهجوم والافتراس، ورغم قصر طرفاها الأماميان لدرجة الضمور إلا إن تلك الديناصورات كانت من بين الأشرس على الإطلاق.
التشابه الكبير في القوة والشراسة بين ديناصورات هابيل وديناصورات تي ريكس الشهيرة التي عاشت في أميركا الشمالية، دفع المجتمع العلمي لوصف عائلة هابيل بـ "تي ريكس قارات العالم الجنوبية القديمة".
بلال سالم، المؤلف الرئيس للدراسة، قال لموقع "الحرة" إن "العينة التي اكتشفها الفريق البحثي عام 2016 كانت مشبعة بالرمل وأكاسيد الحديد التي جعلتها صلبة للغاية وكان لابد من إزالة تلك الطبقات بطريقة لا تحدث أي ضرر بالنسيج العظمي لها، مما أدى لأن تستغرق عملية الفصل نحو عام كامل قبل استكمال باقي الخطوات العلمية المتعلقة بالوصف والتشريح التي أكدت أنها لزاحف كبير من آكلي اللحوم".
وأضاف: "لم تكن هناك أي دلالة على انتماء العينة المكتشفة لأي من عائلات الديناصورات آكلات اللحوم التي اكتشفت من قبل في الواحات البحرية، ولذلك وسعنا نطاق البحث ليشمل أفريقيا وقارات العالم الجنوبي القديم، حتى توصلنا لأن العينة للديناصور هابيل المفترس وبعد ذلك قمنا بتشريح رقمي متعدد المراحل عن طريق شجرة الأنساب العرقية والتي توصلنا من خلالها لمزيد من التأكد عن الديناصور هابيل المصري".
وعن تحديد المدى الزمني الذي عاش فيه هذا الديناصور في الزمن القديم والمحدد بـ98 مليون سنة قال سالم: "الواحات البحرية تتميز بصخور، التتابع الخاص بها وفقا للدراسات يشير إلى أنها ترسبت في 6 مليون سنة في فترة سابقة تتراوح بين 93 و100 مليون سنة والعينة المكتشفة التي أخضعناها للدراسات والبحث كانت من الطبقات الوسطى لتتابع تلك الصخور وليس الطبقات السطحية أو التي في القاع بما يؤكد أن هابيل عاش في مصر قبل 98 مليون سنة".
وتابع: "على الرغم من أنه لطالما عُرِفت الواحات البحرية بغناها بالمحتوي الحفري؛ لما أنتجته من هياكل لأكثر الديناصورات شهرة في العالم، إلا أنه لم يتم تسجيل أي ديناصور ينتمي لعائلة ديناصورات "هابيل" من الواحات البحرية من قبل، ولذا فإن هذه الدراسة تكشف أسراراً مهمة عن الحياة السحيقة في المنطقة بتسجيلها لديناصور مفترس متوسط الحجم (يقدر طوله بنحو 6 أمتار) بين بقية عائلته، والأوسط حجماً بين أبناء عشيرته من ديناصورات الواحات البحرية".
وذكر عالم الديناصورات الأميركي والمؤلف المشارك في الدراسة مات لمانا أن "الواحات البحرية اتخذت مكانة شبه أسطورية بين علماء الأحافير، لأنها أنتجت أول أحافير معروفة للديناصورات التي أدهشت العالم. ولكن لقرابة القرن، كانت تلك الحفريات موجودة فقط كصور بسبب تدميرها أثناء قصف متحف برلين بألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية".
وقال الأستاذ بجامعة أوهايو الأميركية، المؤلف المشارك في الدراسة، باترك أوكانور: "لقد ألقيت نظرة على فقرات عدة ديناصورات من جميع أنحاء القارات الجنوبية، من باتاغونيا إلى كينيا إلى تنزانيا إلى مدغشقر، ولكن عندما رأيت صورة الفقرة لأول مرة في عام 2016، عرفت على الفور أنها عظام رقبة ديناصور أبيليصوريد مميزة للغاية".
يذكر أنه عندما قام مستكشفو القرن العشرين بالتنقيب في الواحات البحرية، تفاجأوا من العدد الكبير لهياكل الديناصورات آكلة اللحوم بالمقارنة مع تلك الديناصورات العاشبة التي استوطنت المنطقة. فلقد تمكن العلماء من اكتشاف حفريات لهياكل شبه مكتملة لثلاثة ديناصورات آكلة للحوم هي سبينوصورس (وهو أضخم ديناصور مفترس عاش علي وجه الأرض) وكاركردونتوصورس وبحرياصورس، بالإضافة لديناصور آكل للعشب هو إيجيبتوصورس، ومنذ ذلك الحين وحتى بعد أن دمرت الحفريات الأصلية لتلك الديناصورات في الحرب العالمية الثانية، لم يتم الكشف عن أية ديناصورات من هذه المنطقة، حتى تمكن فريق أميركي في مطلع القرن الحالي من اكتشاف ديناصور عملاق آكل للعشب سمى باراليتايتان، لتظل بقية وحوش أرض الواحات من الديناصورات آكلات اللحوم مطمورة في الصخور.
وبعد عقود من الجفاف فيما يخص دراسات الديناصورات من الواحات البحرية، يزيد ديناصور "هابيل" بدوره من دموية المشهد في الواحات البحرية، ويثير التساؤل من جديد حول زيادة أعداد الديناصورات آكلة اللحوم في المنطقة آنذاك.
وبهذا الكشف فإن فريق "سلام لاب" البحثي يستمر في السعي نحو إيجاد المزيد من الحفائر والدلائل على الحيوات القديمة لتكتمل الصورة عمّا حدث حينذاك في تلك الأزمنة السحيقة.
وذكرت سناء السيد، النائب السابق لمدير مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، طالبة الدكتوراة بجامعة ميتشجان الأميركية، المؤلف المشارك بالدراسة أن "اكتشاف هذه العائلة الجديدة من الديناصورات من الواحات البحرية يؤكد أن أرض مصر ما زالت تحوي الكثير من الكنوز، التي لا تحكي فقط تاريخ مصر القديم، بل أيضا تساهم في تغيير رؤيتنا لتاريخ الحفريات الفقارية في العالم، ولذلك لا يكف مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية عن الانطلاق في الرحلات الاستكشافية في كل ربوع مصر".