منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل شهر، تحولت مدينة برزيميسل البولندية الصغيرة إلى مكان ضخم لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب على الرغم من العداوة التاريخية.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن المدينة التي تبعد 16 كيلومترا عن الحدود الأوكرانية وفرت كافة احتياجات اللاجئين، بما في ذلك العناية البيطرية بالحيوانات الأليفة.
وقال راديك فيدازينسكي، الطبيب البيطري الذي يعمل الليل بالنهار لاستخراج أكبر عدد ممكن من الكلاب والقطط من أوكرانيا، "علينا المساعدة، إنه قدرنا".
وقدمت برزيميسل وهي مدينة صغيرة يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، مساعدات سخية للاجئين الأوكرانيين، حيث تقدم المطاعم الوجبات المجانية، بينما تستضيف الصالات المدرسية اللاجئين بدلا من إقامة المباريات الرياضية.
كما تجمع الصحيفة المحلية في المدينة الأنيقة الأموال لتقديم الدعم النفسي للأطفال الأوكرانيين والبولنديين الذين أصيبوا بصدمات نفسية من الحرب.
وتقول الصحيفة الأميركية إن موقف برزيميسل تجاه اللاجئين الأوكرانيين يقد يكون "مفاجئا" قياسا إلى تاريخ المدينة المعقد والعنيف بعد الصراعات التي عاشتها عبر التاريخ.
وعانت برزيميسل البولندية من إراقة دماء مروعة طوال القرن العشرين، بما في ذلك على أيدي القوميين الأوكرانيين. ولكن بعد الغزو الروسي لجارتها في أوروبا الغربية، فإن المدينة اتخذت قرارا جماعيا بوضع التاريخ خلفها.
خلال الحرب العالمية الثانية، التي هي الآن في أذهان العديد من سكان برزيميسل، تناوب النازيون والسوفييت على غزو المدينة، مما أدى إلى القضاء على المدنيين، بما في ذلك الجالية اليهودية التي كانت ذات مرة ثلث السكان قبل أن تتقلص إلى بضع عائلات.
"الزمن تغير"
مع انتهاء الحرب، استمرت إراقة الدماء بين الأوكرانيين والبولنديين، حيث قتل القوميون الأوكرانيون، البولنديين بأعداد كبيرة في وقت رد فيه البولنديون بأعمال انتقامية.
وقال رئيس بلدية برزيميسل، فويتشخ باكون، إن التركيز الأكبر كان على مساعدة نصف مليون لاجئ أوكراني مروا عبر المدينة، معظمهم من النساء والأطفال.
كان باكون مساهما في تأسيس حزب سياسي قومي اتُهم بنشر آراء معادية لأوكرانيا قبل الغزو الروسي. لكنه موقفه تغير بعد قيادته لجهود الإغاثة.
وقال عن تغيير موقفه: "لن أشرح التاريخ لطفل في الثالثة من عمره عبر الحدود للتو".
بدورهم، قال العديد من السكان الشيء نفسه: "لقد تغير الزمن، ومع وجود أكثر من مليون عامل أوكراني موجودون بالفعل في بولندا قبل الغزو الروسي، فإن هذا الإحساس بالآخرين بين الأوكرانيين والبولنديين قد تلاشى تدريجيا".
خلال عدة قرون، لعب الأوكرانيون دورا مهما في تشكيل تراث المدينة متعدد الثقافات، حيث يعيش فيها مجتمع كبير من العرقية الأوكرانية منذ عقود ويبلغ عددهم حوالي 2000 شخص حاليا.
وتحسنت العلاقات بينهم وبين البولنديين العرقيين بشكل مطرد. ولكن عندما تكون هناك مشكلة في أوكرانيا، يمكن أن تظهر المشاكل في برزيميسل أيضا.
من جانبه، قال الطبيب البيطري فيدازينسكي إنه يطمئن الأوكرانيين الذين بقوا في بلدهم الممزق بسبب الغزو الروسي، على حيواناتهم الأليفة.
وأضاف أنه عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، كانت مثل "الأحلام السيئة التي تحققت"، مردفا: "عندما تفكر في الأمر، يمكن أن تصاب بالجنون، لذلك عليك أن تفعل شيئا. حتى تشعر بتحسن".