إنها لين. طفلة لبنانية في عمر الورد، لا يزيد عمرها عن الست سنوات. انفصل والداها فانتقلت للعيش في منزل أبيها وعائلته، التي قدمت لها كل المحبة والحنان. منذ أيام قليلة ذهبت لين لزيارة والدتها في منزل جديها في منطقة عكار في شمال لبنان، لتعود إلى بيت والدها جثة هامدة.
لقد اغتصبت مرات عديدة، حتى انطفأت أنفاسها البريئة. لتحلق روحها البيضاء إلى السماء، بعيداً عن وحوش الأرض وقذاراتهم.
هكذا رحلت لين موجوعة مرعوبة مصدومة وملطخة بالأحمر.
تداولت وسائل الإعلام اللبنانيّة نقلاً عن أهل والدها أن والدة لين اصطحبتها إلى عيادة الطبيب بعد ارتفاع حاد في درجة الحرارة. وهناك طلب الطبيب من الوالدة نقلها إلى المستشفى بسرعة، ولكن الأخيرة أعادتها إلى البيت، حيث لفظت الصغيرة نفسها الأخير. فنقلت بعدها إلى المستشفى ليعلن الطبيب وفاتها بسبب فقر حاد في الدم، جراء اعتداءات جنسية متكررة لجسدها الغض.
وقد ذكرت صحيفة «نداء الوطن» أن «أحد الطبيبين الشرعيين، اللذين كشفا على الطفلة يدعى سامي الأحدب، أخبر أهل الطفلة لجهة والدها في البداية أنها تعرضت لنزيف جراء اعتداء جنسي. ثم لاحقاً قال هذا الطبيب إنه تحدث عن شكوك، ولم يجزم في هذا الأمر، ودعا الجميع الى انتظار نتائج التحقيقات.»
لقد وصل الخبر للوالد كالصاعقة. وقف منهاراً بعد أن لملم نفسه قليلاً ليتحدث عن تلك العلاقة الحميمة بابنته، مسترجعاً لحظاته الجميلة معها. فهي لم تكن تحب أن تمشي إلى جانبه، بل كانت تطلب منه أن يرفعها فوق أكتافه ويمشي بها. ولم ترغب يوماً أن يناديها والدها باسمها، بل كانت تقول له: ناديني «بابا» وليس لين.
قال والدموع تغلي في عينيه: أريد حق بنتي. قالوا لي إن ابنتي ماتت لماذا لم يتصلوا بي عندما ارتفعت حرارتها؟!
أما عائلة الأم فقد رفضت كل الاتهامات الموجهة إليها مصرحة: «ننتظر التحقيقات. وكل ما يقال عن إهمال الأم للطفلة عار من الصحة، لأن الأم أخذتها 3 مرات إلى المستشفى، ولم يكن هناك أي نزيف كما يدعي أهل والدها».
كذلك أصدرت وزارة الصحة اللبنانية بياناً أن «مديرية العناية الطبية في الوزارة، وبتوجيه من الوزير فراس الأبيض، باشرت بالتحقيق اللازم في ظروف الوفاة لكشف أسبابها. وتؤكد أنها ستحيل كل ما لديها من معطيات لدى القضاء المختص لإجراء اللازم».
بكل أسف، لا يزال المغتصب حراً طليقاً حتى الساعة، في بلد ينهشه الفساد والخراب. على أمل أن يتم القبض عليه في أسرع وقت ليكون عبرة لكل الوحوش المنتشرة في بلادنا.
من عنف إلى آخر
في تحقيق نشرته الصحافية التونسية فاطمة بدري في موقع «درج» الالكتروني عن العنف ضد النساء في تونس أكدت أنه «رغم العدد المفزع للنساء القتيلات في غضون 5 أشهر، وما سبق خلال السنوات الماضية، إلا أن السلطات المعنية ما زالت تكتفي بالبيانات من دون التوجه لتوفير آليات حماية المرأة في تونس من العنف والقتل، حتى أنها لا تملك إحصاءات واضحة حول عدد الضحايا منذ سنوات».
وذكرت أن «الدراسة الاستطلاعية، التي أنجزها صندوق الأمم المتحدة للسكان في تونس وكلية العلوم القانونيّة والسياسيّة والاجتماعية، تؤكد أن جرائم قتل النساء في تونس هي نتيجة علاقات قوى اجتماعية وهيمنة ذكورية».
إن العنف ضد المرأة ظاهرة مستمرة ومؤلمة يعاني منها وبشدة كل عالمنا العربي، وهو يشمل مجموعة واسعة من السلوكيات المجرمة، التي تستهدف النساء نتيجة لذكورية المجتمع وتحكمه في الهياكل السلطوية. وعلى الرغم من أن أسباب العنف ضد المرأة معقدة ومتعددة، إلا أن هناك عوامل رئيسية يمكن تحديدها وفهمها لمعالجة هذه المشكلة. أحد الأسباب الرئيسية للعنف ضد المرأة في العالم العربي هو التفاوت الجنسي في القوانين والتشريعات. فالقوانين المحلية تحمي الرجال أكثر من النساء، مما يؤدي إلى تعزيز ثقافة الاستبداد والتفوق والجبروت الذكوري. وقد تنعكس هذه التشريعات في الحقوق الزوجية وحضانة الأطفال وحق النساء في التوظيف، مما يؤثر على مستوى الاعتراف بحقوق المرأة ويزيد من تعرضها للعنف.
كما تعد التربية والتقاليد أيضًا عاملاً مؤثراً في زيادة حالات العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية. وتتم تغذية تصورات التفوق الذكوري والتمييز الجنسي منذ سن مبكرة، حيث يتم تحديد الأدوار المحددة للرجال والنساء في المجتمع، التي تميل لمصلحة الرجال بالطبع، فتعاني النساء في هذه الثقافات ومنذ الصغر من قيود اجتماعية وممنوعات ثقيلة، مما يؤدي إلى إقصائهن وتعرضهن للعنف، عندما يحاولن الخروج، حتى مجرد محاولة، عن حدود الدور المفروض عليهن.
لا بد إذاً من سن قوانين وتشريعات للحد من العنف ضد النساء. وهذا يتطلب العمل على مستويات متعددة في المجتمع من خلال انتهاج سياسات أكثر حماية للمرأة، ويشمل ذلك تجريم جميع أشكال العنف ضدها، وتطبيق العقوبات على المعتدين بشكل صارم وعادل. كما يجب العمل على تمكين المرأة اقتصاديًا من خلال توفير فرص العمل والتعليم والتدريب، فذلك سيعزز التمكين الاقتصادي لها وقدرتها على الاستقلال المالي والخروج من بيئات العنف.