من غزة إلى بيروت، تعددت المآسي وتنوعت، وبات المواطن الضعيف والفقير هو من يدفع ثمن الحروب؛ خصوصاً أن العديد من الأسر في القطاع تقطعت بهم السبل وأصبحوا ينتظرون الموت على قارعة الطريق أو في مدارس يعتقدون أنها آمنة، لكنها هدف لاحتلال لا يعرف التفرقة بين مدني وعسكري، فيما يتخذ البعض الحرب فرصة لتحقيق المكاسب.
أصبح الموت في غزة يحاصر المدنيين من كل مكان؛ سواء بالجوع أو القصف أو الأمراض، ولم يجدوا مفراً منه في ظل الاستهداف المستمر للأحياء المدنية ومواقع التجمعات وتدمير المنازل وجرفها، وبحسب الأمم المتحدة فإن القصف والأعمال العدائية مستمران في قتل الفلسطينيين وإصابتهم وتشريدهم، فضلاً عن إلحاق الضرر بالبنية التحتية التي يعتمدون عليها وتدميرها، ولم تعد هناك منطقة آمنة، محذرة من انتشار الأمراض في أوساط المدنيين.
وعلى واقع القصف الإسرائيلي تحولت حياة الغزاويين إلى رحلة نزوح بين الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب تارة يجبرهم الاحتلال بنيرانه على التوجه إلى الشمال وأخرى إلى الجنوب، وآخرها (الأربعاء) فقد بدأ آلاف الفلسطينيين النزوح من شمالي قطاع غزة بعد تهديد الجيش الإسرائيلي وعلى وقع القصف المتواصل، فضلاً عن اكتشاف فايروس يسبب شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي والمستنقعات التي تتجمع وتجري بين خيام النازحين وفي أماكن السكان، نتيجة تدمير البنية التحتيّة، وتراكم الدمار، وتحلّل جثث البشر تحت الأنقاض، وتراكم أطنان القمامة، ومنع الاحتلال إدخال مواد النظافة، وإصلاح خطوط الصرف الصحي.
ليس غزة وحدها، بل إن بيروت هي الأخرى تعاني، لكن الاختلال في الأزمة في لبنان يصنعه أبناء هذا البلد نفسه، خصوصاً في ظل التصعيد المستمر بين حزب الله وإسرائيل، وأظهر النزوح الكبير من جنوب لبنان إلى وسط بيروت مدى جشع بعض تجار العقار وغياب الحلول الممكنة من السلطات الحكومية لحماية المتضررين.
ولجأت العديد من الأسر اللبنانية في المناطق الحدودية إلى الفرار لقرى بعيدة عن الحدود، وآخرون توجهوا إلى وسط العاصمة بيروت للبحث عن شقق مفروشة خوفاً من اندلاع الحرب فجأة، فيما لجأ آخرون إلى المدارس ليفترشوا فيها وأسرهم.
وأفاد نازحون من جنوب لبنان أن إيجارات هذه الشقق كانت 200 أو 300 دولار كحد أقصى، قبل اندلاع حرب الحدود بين إسرائيل وحزب الله، لكنها اليوم في ظل التصعيد والنزوح ارتفعت بشكل جنوني ووصلت إلى ما دون 1400 دولار للشقة المفروشة؛ فضلاً عن العمولات وغيرها من الإصلاحات، إضافة إلى الأزمات الأخرى التي كانت موجودة منذ ما قبل التصعيد وهي غلاء المعيشة وانهيار العملة وغيرها من التحديات الإقتصادية.
ويرى اللبنانيون النازحون أنهم يواجهون حرباً من قبل أبناء جلدتهم أكثر من الحرب الإسرائيلية التي تستهدف البنية التحتية والقرى، مؤكدين أن هؤلاء السماسرة تجار حرب ودماء، ولا يقدرون معاناة الناس ويتعاملون مع نازحي الحرب باستغلال أكثر من تعاملهم مع السياح الذين كانوا يمنحون الشقق لهم بمبالغ أقل بكثير مما هي اليوم.
وأشار علي شمس إلى أنه يعيش رحلة صعبة وعذاباً مستمراً بعد أن استهدف الاحتلال قريتهم الحدودية وأجبرهم على الفرار بأجسادهم وخوفاً على أطفالهم، فلا عمل لهم في بيروت بعد أن تركوا أرضهم ومزارعهم ولا دخل لهم حتى يواجهوا استغلال تجار العقار لهم، مبيناً أنهم يبحثون عن مكان آمن يعيشون فيه هرباً من جحيم ينتظرهم في ظل التهديدات الإسرائيلية والقصف الهمجي.
وقال شمس: لقد عاش أولادي صدمة كبيرة فجدار الصوت وغارات المسيرات والطائرات كانت روتينهم اليومي، لذا أعمل جاهداً على توفير مكان آمن لهم هنا في بيروت، لكن الواقع صدمنا أيضاً في ظل غلاء أسعار الشقق المفروشة.