حول معركة الكنيسة المارونية مع الطارئين على لبنانها
Posted on Sunday, April 10, 2022 كاتب المقال : شربل نوح - صدى الارز
Thursday, April 21, 2022
لطالما شكلت الكنيسة المارونية صمام الأمان و خط الدفاع الأول عن الكيان الذي انشأته و لطالما اصطدم بها كل من حاول تدمير هذا الكيان و ازالته عن خارطة العالم .
في كل الازمنة و على مرِّ العصور و عند كل المفترقات المصيرية برز اسم واحد وحيد هو اسم الموارنة و كنيستهم ببطاركتها و رهبانها .
أولئك القوم أقوياء القلوب و العزيمة الذين لجأوا باكراً الى جبال لبنان الوعرة لحماية حقهم بالحرية و الحياة كما يريدون و الذين دافعوا بكل قوة عن ملجأهم و تصدوا لكل الأخطار من أين اتت .
لماذا نتكلم عن الموارنة و كنيستهم اليوم ؟؟
نتكلم عنهم لانه و من سخريات القدر و بطيبة نادرة حوَّل هؤلاء كيانهم الذي انشأووه على صورتهم و مثالهم الى ملجأ لمضطهدين آخرين في هذه المنطقة فاستقبلوهم بكل رحابة صدر و آووهم و حولوهم الى مواطنين كاملي الحقوق في هذا الوطن فبماذا بادلهم هؤلاء و كيف ردوا لهم الجميل ؟؟؟
لن نغوص كثيرا في التاريخ و جراحه … سنبدأ من مرحلة إنشاء الكيان و حتى اليوم .
في عشرينات القرن الماضي و عندما سعى الموارنة بكل قوتهم و طاقاتهم لدى الدول النافذة في العالم لانتزاع اعتراف دولي بكيان مستقل و تأمين استمراريته للمستقبل انتفض جزء ممن حملوا تلك الهوية اللبنانية الناشئة دون اقتناع بها و حاولوا الإنقضاض على الكيان الوليد برفضهم له و المناداة الصريحة بضم مدن الساحل الى كيان عربي ما فكانت مؤتمرات الساحل الشهيرة و مقرراتها و التي عجزت بنهاية المطاف عن تغيير أي شيء مما اضطر أصحابها للقبول بالكيان على زغل و محاولة التأقلم مع الوضع الجديد .
هذا القبول بالكيان لتلك المجموعات من دون اقتناع دفعها الى محاولة استغلال أي فرصة سانحة لاحقاً لمحاولة الإنقضاض عليه و تدميره من الداخل بالتعاون مع خارج ما .
من هنا كانت أحداث ١٩٥٨ و ١٩٦٨ وصولاً الى الانفجار الكبير عام ١٩٧٥ …
فمن الدولة العربية في العشرينات الى المد الناصري و أوهام القوميات في منتصف القرن الى التلطي خلف القضية الفلسطينية في السبعينات لم نرى من هذا البعض سوى الطعنات و الضربات و محاولات التدمير و الإلغاء لهذا الكيان لا لشيئ سوى طابعه المتطور الذي أعطاه له الموارنة و الذي لا يتناسب مع بعض تطلعات تلك المجموعات المتخبطة و الضائعة بين عقيدتها الدينية و أوهام اليسار و الثورات التي تجاذبتها طويلاً و ما زالت ..
بعد الحرب و مع مجيئ رفيق الحريري و انفتاح العالم العربي ( السني خاصة) بشكل كبير على الثقافة الغربية ظننا أن تلك الصفحات الأليمة طويت الى غير رجعة و تلبنن حقاً من رفضوا لبنان بعمق طويلاً لنتفاجأ بظهور مكون آخر اعتقدنا طويلاً أن لا ملجأ له في هذه البقعة سوى لبنان و انه يؤمن به و بالحماية التي يؤمنها له …
هذا المكون الذي نتكلم عنه بدأ أولى إشارات انقلابه على الكيان في أوائل الثمانينات بعد أن ثبَّتت الثورة الإسلامية في إيران أقدامها و بدأت بتصدير فكرها و عقيدتها الى خارج الحدود …
من منا لم يسمع بثورة المحرومين و انتفاضة الإمام موسى الصدر و التي حملت في طياتها بعكس ما يظنه الجميع بعض بذور هذا الفكر الإنقلابي على الكيان اللبناني … كل ما سمي بالثورات التي نشأت في لبنان تلطَّت بالأمور المطلبية و المعيشية لكنها حملت في طياتها و بالعمق ابعاداً أخرى لا علاقة لها بالفعل بتلك المطالب …
بالحقيقة و إن اردنا أن نكون صادقين مع انفسنا فإن ثورة المحرومين هي من أسست أصلاً للفكر الديني المتشدد عند شيعة لبنان حتى لو لم تقصد ذلك و هي من ربطتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالمرجعية الإيرانية … يكفي أن تستعرضوا أسماء مؤسسي حزب الله و درجة قربهم من الإمام المغيب موسى الصدر لتدركوا تلك الحقيقة .
نحن طبعاً لا نخوِّن الإمام الكبير موسى الصدر لا سمح الله لا بل بالعكس نعترف بوطنيته و اعتداله بمحطات مهمة كثيرة لكننا نوصِّف حالة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم و ربما هو لم يرد ذلك أصلاً و كان تغييبه جزءاً من مشروع تحوير تلك الحالة … الذي نريد قوله فقط أن أول من ضخ الفكر الديني كما نراه اليوم داخل المجتمع الشيعي اللبناني هو تلك الثورة و الذي أوصل الى ما وصل اليه شيعة لبنان اليوم .
وصَّفنا تلك الحالات الإنقلابية على الكيان اللبناني لنحاول أن نفهم بعمق طبيعة الصراع في لبنان و مدى ارتبطاته بالاستعداء التاريخي من تلك المجموعات للموارنة …
فتاريخياً كل ما حاول تدمير لبنان اصطدم بالموارنة و كل من سيحاول تدميره مستقبلاً سيصطدم بهم أيضاً لذا ربما ارتأت بعض تلك القوى التي لا يجب الإستهانة بها و التي تتقن العمل المنهجي و المنظم أن تدمير الموارنة هو الطريق الأمثل لإنهاء خصوصية كيانهم …
من هنا شهدنا ما شهدناه من ضرب الدولة المارونية العميقة في لبنان فرأينا انهيار المصارف و المؤسسات التربوية و الطبية العملاقة المملوكة بأغلبها من الموارنة و التي شكلت درع الحماية الأساسي للبنان و التي منعت انهياره حتى في عز الحرب …
على الموارنة ان يفهموا ما وراء الكلام الاستفزازي لقادة حزب الله و يقرأوا معانيه جيداً و عليهم أن يدركوا أنهم يواجهون اليوم قوة أيديولوجية منظمة جداً و هي تعرف ما تريد حقاً و تعمل على تطبيقه … إنهم يستعملون سياسة القضم التدريجي لتحقيق أهدافهم و أوهامهم …
يجب وضع الصدام اليوم مع الكنيسة المارونية و الإعتداء عليها في هذا الإطار و ليس في أي اطار آخر فمشروع ولاية الفقيه قضم كل شيء تقريبا في لبنان و لم يتبقى سوى عقبة واحدة و كبيرة أمامه هي كنيسة الموارنة و تشعباتها الداخلية و الخارجية .
لكن شيئاً واحداً غاب عن عقل مخططي المحور في ايران و لبنان … أن الكنيسة المارونية ليست كنيسة بالمعنى الحرفي للكلمة … هي دولة منظمة جداً لديها إمكانيات ضخمة تبدأ في لبنان و لا تنتهي في آخر اصقاع الأرض ..
إنهم يتجاهلون الإمكانات المالية الضخمة التي يمتلكها الموارنة و شبكة علاقاتهم الدولية و تأثيرهم في الكثير من مراكز القرار الدولية و الأهم هم يتجاهلون أن اصطدامهم بالكنيسة المارونية هو صدام مباشر مع الكرسي الرسولي و ما يعنيه ذلك من صراع معه على المستوى الدولي …
لبعض الرؤوس الحامية نقول تمهلوا و تمعنوا قليلاً في ما تقولونه و تفعلونه فالمواجة مع الموارنة و كنيستهم و خاصة اذا كان لبنان محورها ليست كباقي المواجهات و لن تنتصروا بها ابداً لأنكم ستواجهون طائفة قوية منظمة منتشرة في كل العالم و لديها كل الإمكانات لهزمكم و هي حتماً ستنتصر عليكم بنهاية المطاف كما انتصرت على من سبقوقكم فتواضعوا و اتعظوا …