تكاثرت في الفترة الأخيرة مراكب الهجرة غير الشرعية المنطلقة من الشواطئ اللبنانية نحو أوروبا و تعاظمت معها التغطية الإعلامية و التركيز على هذه المسألة بشكل يثير الريبة و يطرح الكثير من علامات الإستفهام .
بداية و كي لا نُفهم خطأ لا يمكن القاء كل اللوم على الأبرياء الذين غرّرت بهم بعض العصابات المنظمة و هم الذين تقطعت بهم السبل و فقدوا أدنى مقومات العيش الكريم في بلادهم و لكن لنا الحق ببعض التساؤلات المشروعة حول توقيت هذا الموضوع و الضجة الكبرى التي تثار حوله .
أولاً و في المسؤوليات :
المسؤولية تقع بالأساس على المهربين من عصابات التهريب المنظم الذين لا تعنيهم المخاطر أو زهق الأرواح و كل ما يهمهم هو حفنة الدولارات التي سيحصلون عليها من اليائسين و المساكين .. يليهم و بشكل مباشر المهاجرين انفسهم الذين فقدوا عقولهم تقريباً نتيجة وضعهم المأساوي ليقرروا الهجرة بهذه الطريقة الخطرة و المخالفة لكل القوانين و لأبسط قواعد السلامة العامة .
ثانيا" :
عند كل مشكلة تواجه هؤلاء نرى بعض المسؤولين ووسائل الإعلام يهاجمون الدولة المهترئة أصلاً و يطالبونها بالتدخل إما لإنقاذم ان تعرضوا لخطر الغرق في عرض البحر أو لإعادتهم إن قُبض عليهم في بلدان أخرى .
هذه الدولة التي عجزت أصلاً عن تأمين مقومات معيشتهم في لبنان كيف لها أن تنقذهم أو تتدخل بعد خروجهم من أراضيها خلسة و هي المشلولة تقريباً لذا و بأغلب الأحيان تكون تلك المطالبات من باب المزايدة و المناكفات السياسية بين القوى لا أكثر و لا أقل باستثناء قلة قليلة صادقة في تعاطيها مع موضوع كهذا .
لماذا لا تعمل تلك القوى و بدل التلهي بتقاذف المسؤوليات و تحميل كل شيء لسلطة غائبة لما لا تحاول مساعدة أولئك اليائسين بالحد الأدنى المطلوب لبقائهم في أرضهم أو تعمل أقله على تأمين سفر آمن و شرعي لهم إن استطاعت الى ذلك سبيلاً .
ثالثاً :
من قال أن البعض في لينان منزعج أصلاً مما يجري ؟؟ الا تذكرون الكلام الذي كثر في فترة ليست ببعيدة و الذي تضمن رسائل مبطنة عن إطلاق العنان للمهاجرين غير الشرعيين من أجل ابتزاز الأوروبيين كما فعل سابقاً أردوغان في تركيا ؟؟
من قال أن البعض عندنا و دون قصد ربما لا يستفيد من هذه الهجرة ليطالب الغرب و الأوروبيين تحديداً بمزيد من المساعدات التي لا نعرف أصلاً الى جيوب من تذهب ؟؟
من قال أن البعض عندنا لا يستفيد و لو بطريقة غير مباشرة من الهجرة غير الشرعية ليضع الدول الغربية أمام أمر واقع مخيف بالنسبة لها و يجعلها بالتالي تتصاع لمشاريعه بالهيمنة و السيطرة على لبنان و ابتلاعه نهائياً ؟؟
اسئلة كثيرة لن نجد أجوبة شافية عليها لا اليوم و لا في أي يوم و كما كل الموجات في لبنان ستبقى هذه الموجة الفجائية من الهجرة غير الشرعية محاطة بالكثير من علامات الإستفهام و السرية و عندما تنتهي سينسى الناس كل شيء و ينتقلون الى موجة أخرى و مشكلة أخرى يلهونهم بها .
إثنان متضرران فعلياً من هذه الموجة لا ثالث لهما :
الجيش اللبناني الذي أنهكوه بتحميله كل المشاكل في لبنان و مطالبته بمعالجتها و هم لا يؤمنون له حتى الحد الأدنى المطلوب لاستمراره بأداء المهام المطلوبة منه إنما يرهقونه بالطلبات و يغرقونه بكل المشاكل الاجتماعية و التي ليست من مسؤوليته أصلاً ثم يأتون بنهاية المطاف للومه و تحميله مسؤولية أي شيء يحصل بوقاحة قلّ نظيرها .
و المهاجرون الأبرياء الذين و رغم مسؤوليتهم عن رمي أنفسهم في المجهول دون تفكير لا يمكن جلدهم فهم يبيعون كل ما تبقى لهم في لبنان أملاً في إيجاد وطن بديل يحترم كرامتهم و حقهم بالعيش الكريم الذي فقدوه في بلدهم و أغلبهم يموتون و هم يسعون وراء الحلم .
رحم الله الأبرياء الذين ابتلعهم البحر الهائج و هم الهاربون من جحيم وطنهم الغارق في الظلام و الموت و صبّر الله أهلهم و محبيهم على فراقهم و لمن تبقوا و يفكرون بهجرة كهذه نقول لهم و بمحبة يبقى وطنكم على علاته أفضل بأشواط من ذلِّ السفر بهذه الطريقة و الأهم أسلم بكثير من الموت خنقاً تحت مياه البحر الباردة بعيداً عن حضن دافئ لأهل و أحبة سيتألمون مرتين .. مرة على الفراق و موت أحبائهم المذلّ و مرة على العيش من قلة الموت في هذا الوطن المعذب .