على قلَّتنا لم يكن ينقصنا سوى الموت على الطرقات بأبشع و أرخص السبل و بحوادث أغلبها ناتج عن سوء أحوال تلك الطرق و إهمال المعنيين لها .
ربما كان لموت الفنان الجميل جورج الراسي تأثير مؤلم في قلوبنا خاصة طريقة موته البشعة و التي كما يقول بعض العارفين نتجت عن وجود فاصل إسمنتي في منتصف الطريق تسبب بالحادث .
و ربما سيكون لموت شخصية معروفة و محبوبة كالراسي تأثير آني في نفوس و ضمائر المهملين لكنهم حتماً و بعض انقضاء وقت قصير سيطوون الصفحة و يعودون الى إهمالهم المزمن .
في كل العالم تحصل حوادث على الطرقات لكن المفارقة في لبنان أن أسبابها مختلفة .
هي و بمعظمها ناتجة عن سوء الطرقات و الفشل في التخطيط و عدم تطبيق القوانين … هي بأغلبها بسبب الإهمال المزمن في الدولة المهترئة .
في إحدى الإحصاءيات تصدَّر لبنان وفيات حوادث المرور في العالم ب ٥ ضحايا يومياً لشعب يقدر عدد سكانه ب ٦ ملايين نسمة و إن بحثنا في الأسباب بعمق لوجدنا أن معظمها ناتج عن إهمالٍ ما في مكان معين .
طبعاً نحن لا ننكر الأسباب الأخرى التي تدخل بمعظمها في خانة الطيش كالسكر و القيادة و غيرها لكن هذه العوامل موجودة في كل العالم و لم تتسبب بهذا المستوى المرتفع من الضحايا كما يحصل عندنا … ذلك لسبب بسيط و هو توفر أبسط قواعد الحماية المرورية على طرقات العالم و هي المعدومة تقريباً في لبنان .
ربما وفاة فنان معروف لفتت نظرنا للتكلم عن موضوع نعيشه كل يوم و اعتدنا عليه كأنه أصبح قدر أو أمر واقع لا مفر منه .
لكن ما يحصل عندنا تخطى كل المعقول فعدد الضحايا يزداد سنة بعد أخرى و ما من حلٍّ يلوح في الأفق حتى أصبح بإمكاننا القول أن عدد ضحايا حوادث السير تخطى العدد اليومي لضحايا الحروب المتعاقبة على لبنان و من نجوا من تلك الحروب الطاحنة يموتون تباعاً على طرقات لبنان بأبشع و أرخص الوسائل .
ألا يكفي اللبنانيين كل العذاب الذي يعانون منه ؟؟؟ الا يكفيهم سرقة أموالهم و جنى أعمارهم ؟؟؟ ألا يكفيهم الإذلال الذي يتعرضون له في كل مكان من المستشفيات الى محطات البنزين الى أبواب الأفران و الصيدليات و المصارف ؟؟؟
هل كتب علينا الموت الدائم و باختلاف بسيط هو وسيلة ذلك الموت فقط ؟؟
نحن شعوب تئنُّ من الألم القاتل كل يوم و إن عاشت فهي تحيا من قلة الموت … نحن شعوب تحملت ما لا يمكن لبشر تحمله و صبرت بإيمان و شجاعة لكن صبرها بدأ ينفذ لأن طاقتها على الإحتمال أصبحت على مشارف نهاياتها …
رحم الله الفنان جورج الراسي و رحم كل ضحايا حوادث السير في لبنان … يبقى لنا أن نطلب منكم الحذر الشديد على الطرقات لأننا نعيش في مزرعة و أقل من ذلك ربما و علينا تدبر أمورنا بأنفسنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .