Thursday, April 21, 2022
نكتب هذا الكلام مع إدراكنا الكامل لما تعانيه هذه الأيام طائفة أساسية في لبنان من إحباط و يأس و تخبط و هي الطائفة السنية الكريمة .

نكتبه لأننا نشهد اليوم محاولة مهمة جداً لدار الفتوى و برعاية و دعم سعوديين مباشرين لاستنهاض الحالة السنية السيادية و المعتدلة في لبنان بعد سنوات من الركود الذي أصابها نتيجة الضربات المتتالية التي تلقتها تلك الطائفة من داخل البيت و خارجه .

لا شك أن عوامل كثيرة اوصلت سنة لبنان الى هذا الحال أهمها كان اغتيال الرئيس التاريخي لتلك الطائفة الشهيد رفيق الحريري هو الذي كان له الفضل الأكبر بنقلها من ضفة الى أخرى بحنكة و سلاسة و صبر طويل .

نظرة تاريخية سريعة :

أن عدنا الى التاريخ القريب قليلا لوجدنا أن الأنتلجانسيا السنية رفضت الكيان اللبناني في العشرينات و فضلت البقاء ضمن كيان عربي إسلامي ما … و تجلى ذلك الرفض في سلسلة مؤتمرات الساحل وقتها و الذي توسع ليصبح لاحقا رفضاً إسلامياً شاملاً بمسعى من القادة السنة أنفسهم .

لكنها سرعان ما عادت و قبلت بالكيان اللبناني على مضض نتيجة تسوية داخلية هشة مع الموارنة و تلاقي مصالح خارجية بين الدول انتجت الكيانات الحالية لبلدان المنطقة و منها الوطن اللبناني بحدوده المعروفة الذي لم يقتنع زعماء السنة كلياً به كما هو واضح من تصرفات و تموضعات اغلبهم لاحقا و ظلوا بين الحين و الآخر يستغلون أي طاقة أمل بقيام دولة قومية ما للإنضمام اليها .

هذا ما شهدناه أثناء الوحدة السورية-المصرية و مرحلة الناصرية و ما نتج عنها من تحركات ذات طابع سني في لبنان أدت بنهاية المطاف الى زعزعة الوضع اللبناني و خلخلت أساسات التسوية اللبنانية الهشة التي عادت و انهارت تماماً مع بداية الحرب عندما تبنت أغلب القيادات السنية منطمة التحرير و اعتبرت مقاتليها جيش السنة في لبنان فأطلقت يدهم في الداخل تحت ستار بعض المطالب المزمنة و منها المحق طبعاً ما أدى الى انهيار الدولة و تفتت الكيان .

رفيق الحريري و الحد الفاصل بين زمن و آخر :

القينا نظرة سريعة و بالعمق على مراحل أساسية من تاريخ الزعماء السنة الرافض بطريقة أو بأخرى للكيان اللبناني أو أقله للشكل الذي قامت عليه الدولة اللبنانية وقتها لنلقي الضوء تالياً على أهمية رجل كرفيق الحريري في الحياة السنية السياسية و على أسباب قتله و نتائجها التي ما زالت تعاني منها تلك الطائفة حتى الآن .

بعكس كل القادة الآخرين أدرك رفيق الحريري باكراً و هو الرجل الليبرالي الآتي من خلفيات العمل الناجح ضمن النظام الرأسمالي العالمي أدرك أن الأفكار القومية و اليسارية التي تجاذبت طائفته طويلاً هي من أوصلت لبنان و السنة الى الأحوال المذرية التي وصلوا اليها زمن الحرب من غياب قياداتهم الى تسليم قرارهم الفعلي على الأرض في مناطقهم لقيادات طوائف إسلامية أخرى بعد خروج منطمة التحرير نتيجة موازين القوى الموجودة الى تطبيق الطائف برعاية سورية و بطريقة معتورة و الذي حصر حضورهم بالدور الاقتصادي فقط ليس حبّاً بهم انما أملاً منه بالتعويض عن القوة الاقتصادية المارونية التي خرجت من لبنان بعد  ضرب الأسد لقياداتهم و أحزابهم و محاولته الغائهم و شطبهم من المعادلة اللبنانية .

بإدراكه لهذا الواقع و هو الرجل العملي بدأ الحريري خطته الهادئة لتحويل الهوى السني نحو الفكرة اللبنانية المطلقة و بدء العمل على لبننة هؤلاء و إعادتهم فكرياً الى داخل حدود الكيان ساعده في ذلك سقوط الأفكار القومية في معظم الدول العربية و فشلها و بدء الخليج العربي ثورة الانفتاح الكبرى على العالم و التي نرى نتائجها جليّة اليوم .

ساعده أيضاً في ذلك و بشكل أساسي عدم وجود أرض خصبة تاريخياً في لبنان لما سمي بالإسلام السياسي ( الحركات السنية المتطرفة) فسنة لبنان و بالأساسً يشبهون باقي اللبنانيين بالهوية الاجتماعية و لديهم نفس العادات و التقاليد التي منعت انجرار اكثريتهم نحو التزمّت و التعصب كما حصل في دول أخرى حيث حلّ الاسلام السياسي مكان الأفكار القومية و اليسارية .

سقوط القائد و مرحلة الإحباط و اليأس :

لن نغوص أكثر في الواقع التاريخي لسنة لبنان فهذا شأن الباحثين و المؤرخين و هو متروك للتاريخ لكننا تكلمنا سريعاً عنه لنفهم بعمق كيف بدء الإحباط و اليأس يتسلل الى قلب تلك الطائفة .

أدى اغتيال الحريري و تخبط ورثته و ضياعهم الى غياب المشروع اللبناني السياسي- الاقتصادي الواضح الذي أرساه الرئيس الشهيد و رسخه في عقول سنة لبنان من خلال الماكينة الإعلامية و الإقتصادية و الإجتماعية الضخمة التي امتلكها .

بعد اغتياله انتفضت الطائفة في ال ٢٠٠٥ و كانت رأس حربة في ثورة الأرز و انتقمت من الأسد الذي حملته مسؤولية الاغتيال بحكم سيطرته الأمنية المطلقة على البلد و علاقته السيئة بالرئيس السهيد فأخرجته من لبنان بمساعدة الموارنة و الدروز لكنها ظلت تائهة ضائعة تبحث عن قائد و مشروع بعد خسارتها التي لا تعوض بغياب مظلتها الواقية التي كونها لها رفيق الحريري .

واحدة من المشاكل الأساسية التي واجهها سنة لبنان أن من أتوا و تسلموا قيادة الطائفة بعد الرئيس الشهيد كانوا نوعين لا ثالث لهما :

إما أشخاص طيبين ليس لديهم الخبرة الكافية لقيادة أكبر طائفة في لبنان كنجله الزعيم الشاب و المحبوب من اللبنانيين الرئيس سعد الحريري و الذي تم التلاعب بطرق غير مباشرة به من قبل المافيات السياسية و الاقتصادية المحكنة عندنا فأوصلوه الى حيث وصل من قرفٍ من كل شيء و بالتالي غياب و ابتعاد عن الحياة السياسية اللبنانية .

و إما الانتهازيين صائدي الفرص الذي لم يكونوا ليحلموا بأدوار معينة تحت عباءة الحريري الأب عادوا و حصلوا عليها بعد غيابه .

أهمية الاستنهاض بقيادة دار الفتوى :

الكارثة الكبرى التي حلّت بسنة لبنان بعد كل هذا التاريخ هو الخلاف الذي حصل بين قيادتهم السياسية المتمثلة وقتها بورثة الرئيس الحريري في تيار المستقبل و المملكة العربية السعودية الراعية و الحامية التاريخية لهم لبنان .

هذا الخلاف و الذي لا يدرك أحد أسبابه الحقيقية أدى الى تراجع و تقهقر السنة في لبنان المحبطين أصلاً منذ استشهاد قائدهم و ملهمهم رفيق الحريري فما أهمية ما يحصل اليوم بالنسبة لهم ؟؟

الأهمية الكبرى لاجتماع دار الفتوى هو العودة السعودية المباشرة للإهتمام بالوضع السني في لبنان و محاولة لملمته و بالتالي عودة الغطاء الإقليمي الوازن لهذه الطائفة و الذي سيعيد حتماً التوازن الداخلي بينهم و بين منافسيهم الأساسيين في لبنان .

على السنة جميعاً أن يدركوا أهمية ما تقوم به دار الإفتاء بالتنسيق المباشر مع المملكة و بلدان الخليج العربي .

ما يحصل ليس اجتماعاً طائفياً صغيراً كما يحلو لبعض الغوغائيين تسميته … ما يحصل هو محاولة استنهاض لطائفة كبرى في لبنان ستعيد التوازن الى المشهد السياسي اللبناني في حال نجح ذلك .

ما يحصل أن الحالة السنية المعتدلة و السيادية النائمة منذ فترة إن استفاقت ستعيد معها و بوزنها الكبير الصراع الى مكانه الحقيقي في لبنان بين اتباع محاور الظلام و بين من يريدون لبنان وطناً حضاريا متقدما ناجحاً له مكانته ووزنه بين دول العالم المتقدم .

عسى أن ينجح هذا الاستنهاض و عسى أن يعي اخوتنا السنة المحبطون أن وقت النهوض قد حان فيستفيقوا من ثباتهم العميق لنكمل معاً مسيرة بناء وطن حر مزدهر و  متقدم في هذه البقعة المظلمة من العالم

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top