كلمات جديدة دخلت على قاموسنا الشعبي في السنوات الأخيرة في لبنان لعلَّ أهمها و تردد كثيراً اثنان … المافيا و المنظومة .
ربما من سوَّق لتلك الكلمات و جعلها مرادفاً لانتفاضة الناس العفوية التي انطلقت في ١٧ تشرين ٢٠١٩ قصد خيراً و كانت نابعة من قناعات عميقة لديه نتيجة قراءة معينة للواقع اللبناني آنذاك لكن ما حصل لاحقاً كان عكس ما قصد هؤلاء .
الذي حصل بعد أشهر قليلة من الانتفاضة أن هذه الكلمات و التي انبثقت منها شعارات " ككلن يعني كلن " و غيرها احتلت الصدارة لا بل الغت فجأة كل الشعارات الأخرى التي استمرت مرفوعة منذ ثورة الارز و هي الشعارات السيادية و على رأسها السلاح غير الشرعي .
ربما كانت تلك الشعارات و الكلمات و التي بأغلبها مطلبية محقة لكنها و بالواقع أتت دائماً نتيجة لعوامل أكبر أدّت اليها و لم تكن أبداً سبباً رئيسياً للمشاكل الأخرى .
إن التركيز الذي حصل و ما زال على الشعارات المطلبية و حصر كل شيء بها نتج عن عدة أمور سنعددها تالياً :
أول تلك الأمور أن من استغلوا بالأساس انتفاضة ١٧ تشرين هم و بأغلبهم الخارجون من التيار العوني و من أحزاب ٨ آذار كلٌّ لسبب معين إما لمركز طلبه لم يحصل عليه أو دُسَّ عمداً داخل الانتفاضة خدمة لمشروع محور الممانعة أو لسبب منطقي و هو ادراكه حقيقة من كان معهم … بالمحصلة الجميع خدموا بطريقة أو بأخرى هذا المحور فكيف حصل ذلك ؟؟؟
هؤلاء الذين تصدروا مشهد قيادة الحراك الشعبي هم أشخاص و بأغلبهم لم يجروا مراجعة ذاتية لتصرفاتهم السابقة و لم يعترفوا ضمنياً بأي خطأ ارتكبوه جلّ ما فعلوه هو نقل البندقية من كتف لآخر و الاستمرار بديماغوجيتهم المعهودة و شعاراتهم الفارغة التي تشبه عقولهم .
من هنا كان تركيز أغلبيتهم الدائم على الشعارات المطلبية و إبعاد أي شعار سيادي و هم ثلاثة أنواع :
النوع الأول هو الخائف الدائم من جماعة المحور بسبب جُبْنه فأغلب هؤلاء لم يختبروا يوماً مواجهة حقيقية و كلنا يذكر أين كانوا عند استشهاد رموز ١٤ اذار و ما قالوه بحقهم وقتها .
أما الجزء الثاني فهو المساير ضمنياً لهذا المحور طمعاً بمكاسب سلطوية في المستقبل و لطموحات محض خاصة و شخصية لا علاقة لها بمشروع أو قضية .
يبقى الجزء الأخير و هم الذين فعلوا ذلك عمداً و عن سابق إصرار و معرفة لأنهم و بالأساس دُسّوا داخل تلك الانتفاضة لتحييد الأنظار عن المطالب السيادية و السلاح الغير شرعي و حصرها و أغراقها بأمور أقل أهمية و تصوير تلك الأمور على أنها أم المشاكل في لبنان .
بالنتيجة هؤلاء الاشخاص لا أسف عليهم فالناس ستكشفهم عاجلاً أم آجلاً لأن تاريخهم معروف و غوغائيتهم واضحة و هم بالتالي كفيلون بإسقاط أنفسهم بأنفسهم بنهاية المطاف كما فعلوا دائماً .
الأسف الحقيقي على بعض اعلاميين و قادة رأي كانت لهم صولاتهم و جولاتهم زمن انتفاضة الارز أن يسوِّقوا لتلك الأفكار و يحصروا انتفاضة ١٧ تشرين بالمطالب الاجتماعية فقط و يتناسوا لبَّ المشكلة التي أوصلتنا الى ما نحن عليه .
الأسف على اعلاميين لم نعد نسمع على السنتهم سوى كلمات كالمنظومة و المافيا و غابت كلياً عنهم مفردات كالسيادة و السلاح غير الشرعي لمصلحة تلك الشعارات الرنانة و الفارغة عملياً ..
إن من ساهم بشكل أساسي و مباشر بتقديم أكبر الخدمات لمحور الممانعة و إبعاد الأنظار عنهم في الانتفاضة السابقة ليس العونيين السابقين و الخارجين من ٨ آذار الذين نصَّبوا انفسهم قادة للانتفاضة دون وجه حق … من يلاموا حقاً هم بعض نخب ١٤ آذار السابقة التي انجرَّت دون وعيٍ وراء هؤلاء و سايرتهم طويلاً حتى ذابت بهم و ألغت نفسها فانتهى مشروعها معها و الممانعون يضحكون بسرهم .
طبعاً نحن لا ندافع في مقالنا بأي شكل من الأشكال عن الفاسدين الذين أمعنوا ضرباً و تدميراً باقتصاد لبنان حتى أغرقوه و هؤلاء يجب محاسبتهم يوماً ما و استعادة ما سلبوه من الناس … ما نقوله فقط أن هؤلاء تمكنوا من فعل ذلك نتيجة البيئة الحاضنة التي وُجِدت في لبنان بفعل سيطرة الدويلة على الدولة و قبلها الإحتلال و ليس العكس لذا هم نتيجة تلك الأمور و ليسوا سبباً لها .
كل إعلامي سوَّق لكلمات المنظومة و المافيا و تناسى الشعارات السيادية و أعطى الأولوية لكل شيء على حسابهم هو مسؤول أيضاً عن إيصال الأمور الى هذا الحال من السوء خاصة بعد مساهمة هؤلاء المباشرة بإيصال نواب على شاكلة البعض ممن يسمون أنفسهم تغييريين و هم نواب لا لون لهم و لا رائحة و بالتالي وجودهم من عدمه لا يقدم و لا يؤخر لا بل يضر في معظم الأحيان كما حصل منذ دخولهم المجلس حتى اليوم بسبب غوغائيتهم و سطحيتهم و ترجسيتهم الواضحة للجميع …
يا بعض نخب ١٤ آذار السابقة و بمحبة انتم ايضاً مسؤولون عن الحال التي وصلنا اليها و لو بطريقة غير مباشرة نتيجة حماسكم الغير مبرر أو مفهوم و نتيجة إذابة أنفسكم كما ذكرنا سابقاً بقوى وصولية أو مؤدلجة أو عميلة و عليكم مراجعة أنفسكم و الكف عن التنظير الغبي و الفارغ لمشاريع مناقضة لتطلعاتكم في أغلب الأحيان .
انتم مسؤولون لأن المحور استغل سذاجتكم و طيبتكم ليحوِّل أنظار الناس عنه و عن السلاح غير الشرعي و يحصر الانتفاضة بالمطالب المعيشية و بالتالي ليصوِّر كل المشكلة في لبنان على أنها ناتجة عن أمور كهذه و انتم تدركون أصلاً أن العكس هو الصحيح .
كفوا عن استعمال هذه الشعارات بأدبياتكم اليومية … أوقفوا ادّعاءاتكم المزيفة و عودوا الى رشدكم … تذكروا من سقطوا على دروب تحرير لبنان و لا تجلدوا انفسكم أكثر … كفوا عن مسايرتهم و تسويق شعاراتهم دون إدراك أو معرفة و عودوا الى قواعدكم السيادية التي انطلقتم منها أصلاً … دون ذلك لا نهوض لنا و للبنان من المستنقع الذي وضعنا هذا المحور بالذات فيه لا اليوم و لا في أي يوم .